مدنيون أكراد ضحايا القصف التركي والنيران العمالية

  – عندما دعا القائد الكردي عبد لله أوجلان لوقف إطلاق النار مع تركيا قبل عامين ذبح سكان بلدة سيجيرا خروفاً للاحتفال بما ظنوا أنه بداية عهد جديد يسوده السلام، فبيوتهم وبساتينهم في جبال شمال العراق كانت على خطوط التماس في الحرب بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

وقال مام بشير من بلدة سيجيرا، التي تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود التركية: “شعرنا بأن حياتنا توشك أن تبدأ من جديد، لكنهم اليوم عادوا للحياة على خط النار بعد انهيار عملية السلام بين حزب العمال والحكومة التركية، وعودة المقاتلات التركية لاستهداف الجماعة المحظورة في شمال العراق الكردي حيث يتمركز الكثير من مقاتليها”.
وفي 24 من (يونيو/ حزيران) أصابت صواريخ الطائرات “سيجيرا” وأشعلت النار في بساتينها.
وقال مام بشير وهو يخطو بين الأوراق اليابسة والرماد في بستانه الذي كان مزروعاً بجميع أنواع الفاكهة: “كان مثل الجنة، لكنه اليوم تدمر”، مضيفاً: “إن قلبي يحترق”.
ومثل الكثير من البلدات في المنطقة الحدودية، كانت “سيجيرا” مهجورة تقريباً في ذروة الصراع بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية خلال تسعينات القرن الماضي، لكن سكانها استمروا مع ذلك في زراعة أراضيهم.
ويقف الركام شاهداً على ماضي البلدة، وأحرقت الغارات الأخيرة الأراضي وحولت الأشجار الباقية إلى جذوع يغطيها السواد.
وقبل عام 1990 أغارت الحكومة العراقية على “سيجيرا” أربع مرات أثناء هجومها على المناطق الكردية لقمع حركات التمرد هناك، وبعد ذلك جاءت المقاتلات التركية وهدفها حزب العمال الكردستاني.
وعبّر مام بشير عن اعتقاده بأن العملية العسكرية الجديدة للأتراك سبّبتها الانتصارات الأخيرة التي حققها الأكراد في سوريا، حيث كسبت الوحدات الكردية المتحالفة مع حزب العمال اعترافاً دولياً بعد استعادتها السيطرة على الأراضي هناك وقتالها تنظيم داعش.
ودحرت “وحدات حماية الشعب” الكردية مدعومة بالغارات الجوية للتحالف الدولي تنظيم داعش بعد معركة طويلة لاستعادة مدينة كوباني الكردية السورية الواقعة على مقربة من الحدود التركية، بيينما يتهم الأكراد الأتراك بدعم تنظيم داعش ضدهم.
وقال مام بشير “لقد أغاروا على منطقتنا انتقاماً من استعادة كوباني”، وفقاً لرويترز.
وأطلقت تركيا في أواخر (يونيو/ حزيران) ما سمته “حرباW متزامنة على الإرهاب” شملت تحركات لمحاربة المتشددين الاكراد ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا والجماعات اليسارية المتطرفة على أراضيها.
وقال المسؤولون أتراك إن الحملة على حزب العمال الكردستاني سببها تصاعد الهجمات على قوات الأمن. وأشاروا إلى أن أكثر من 50 جنديا وشرطيا قتلوا على يد مقاتليه منذ 20 من يوليو تموز وجرح أكثر من 170 آخرين.
من البحر الأسود إلى سنجار
وقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ أن حمل حزب العمال الكردستاني السلاح لقتال الحكومة التركية عام 1984، وبموجب الاتفاق الذي أبرم قبل عامين انسحب مقاتلوه إلى الجبال في شمال العراق حيث يتحصنون اليوم.
وظهر شابان مقاتلان من حزب العمال الكردستاني في بستان في “سيجيرا” وهما يحملان رشاشات الكلاشينكوف على أكتافهما وبعد ذلك ظهرت مجموعة أخرى منهم، وقال أحد المقاتلين وهو كردي تركي: “نحن في كل مكان من البحر الأسود إلى سنجار.”
وروى صالح مكيل، وهو والد لأحد عشر ولداً، أنه كان في الجبال على مقربة من الحدود التركية يبحث عن الفطر وغيره من النباتات البرية ليبيعها في السوق، عندما بدأت أولى الغارات التركية في الشهر الماضي.
كان الوقت ليلاً، وسارع مكيل إلى النزول عن الجبل مع اثنين من رفاقه، لكن حمله كان ثقيلاً فتخلف عنهما، عند الفجر توقف ليصلي وبينما كان يضع حمله على ظهره لينطلق من جديد ألقاه انفجار أرضاً وشعر بآلام فظيعه في كاحله.
وقال مكيل وهو يستلقي على السرير ليتعافى من جرحه: “نظرت إلى الأسفل وشاهدت قدمي تتدلى”.
واستخدم مكيل شريط حذائه ليوقف نزيف قدمه وجر نفسه حتى عاد رفاقه الذين سمعوا صراخه لمساعدته، حملوه جزءاً من المسافة لكنهم خشوا أن يصابا أيضاً فخبآه بين النباتات وسارعوا ليأتوا بالنجدة لنقله إلى المستشفى حيث بتر الأطباء ساقه من تحت الركبة.
وقال مكيل بينما كانت قدمه الثانية والوحيدة الآن ظاهرة من تحت ملاءة السرير: “لا بد أن الأتراك ظنوا أنني أحد مقاتلي حزب العمال الكردستاني”.
ويعتبر وجود حزب العمال الكردستاني في جبال شمال العراق أمراً غير مرغوب به في نظر “إقليم كردستان” شبه المستقل الذي أقام علاقات وثيقة مع تركيا المجاورة، وعلى الرغم من القومية الكردية التي تجمعهما غير أن حزب العمال الكردستاني وحكومة إقليم كردستان تفرقهما الخصومة.
وبعد الغارات الأولى على حزب العمال الكردستاني في الشهر الماضي طلب رئيس كردستان مسعود بارزاني من الحزب أن ينقل حربه بعيداً عن المناطق المدنية.
وقتل ثمانية 8 في الغارات التي شنتها المقاتلات التركية في الأول من (أغسطس/ آب) والتي اعتبرتها منظمة العفو الدولية هجوماً غير مشروع على قرية في “جبل قنديل” حيث يتحصن حزب العمال الكردستاني في العراق.
وقالت المنظمة إنه لم يظهر وجود أي هدف عسكري في محيط القرية، فيما نفى الجيش التركي مزاعم استهدافه للمدنيين في قرية “زرقلة”، وقال إن الهدف كان ملجأ لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، لكن بعض المدنيين يخشون أن يتسبب جيرانهم بوضعهم في دائرة الاستهداف.
وقال كوزشافي سليم من قرية “سرجلي” التي استهدفتها الغارات أيضاً: “لا مشكلة لدينا معهم لكن عندما تهاجمهم الحكومة التركية فهي تهاجمنا أيضاً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *