لبنان يتجه نحو التصعيد وسط تظاهرة حاشدة مرتقبة

تستعد بيروت، اليوم السبت، لتظاهرة يتوقع أن تكون الأكبر منذ بدء الاحتجاجات التي أشعلها تفاقم أزمة النفايات وعجز الحكومة عن حلها، وسط أزمة سياسية حكومية مفتوحة كان آخر مؤشراتها مقاطعة وزراء “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وحزب “الطاشناق” الأرمني، لجلسة الخميس الماضي.
وبحسب التوقعات، سيتدفق اللبنانيون بأعداد كبيرة اليوم على ساحة الشهداء، وسط بيروت، في ظل الحملات الكثيرة التي دعت إلى التظاهر وهي: “طلعت ريحتكم”، و”حلوا عنا”، و”بدنا نحاسب”، و”عالشارع”، و”الشعب يريد”، و”شباب 22 آب”، و”قرفانين” و”بدنا”.
ولكل حملة مطالبها التي تبدأ بمعالجة أزمة النفايات ويصل سقفها إلى إسقاط النظام، وسط توقعات أن يكون حجم التظاهرة أضعاف المرات السابقة، التي حشدت في إحداها نحو عشرة آلاف شخص.
وتُعتبر “طلعت ريحتكم” هي الحملة الأم للتحرك، ودعت أمس الجمعة “جميع اللبنانيين إلى المشاركة في مسيرة الساعة 5:00 أمام وزارة الداخلية، وصولاً إلى ساحة الشهداء في بيروت الساعة 6:00″، كما طالبت بـ”استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، وبمحاسبة كل من أطلق النار على المتظاهرين بمن فيهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، وتحرير أموال البلديات، وإجراء انتخابات نيابية”.
ويخوض منظمو الحملات، السبت، امتحان إبعاد المشاغبين، خصوصا أن الجميع فضل التجمع في ساحة الشهداء وليس رياض الصلح، في ظل مخاوف من إقدام “طوابير خامسة” على دفع الأمور نحو أعمال شغب قد تؤدي إلى تصادم مع القوى الأمنية.
ومنذ ليل الجمعة، بدأت ساحة الشهداء تشهد حركة استعدادية لتظاهرات اليوم، حيث عمد شبان إلى نصب الخيام في الساحة، فضلاً عن تحويل قنوات تلفزيونية الساحة إلى استديو لبرامجها.
وحصل توتر بين أنصار “حزب الله” وقناة “LBCI”، بعدما هاجمت مجموعة من الشبان فريق النقل المباشر للقناة بسبب وضع صورة للأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، مع صور السياسيين والزعماء المطالبين بالرحيل، فانقطع البث لتهدئة الوضع ليعود مجددا بعد إزالة الصورة حتى لا تتجه الأمور إلى التصعيد.
وسجلت القوى الأمنية موقفها باكراً، حيث أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، أن القوى الأمنية “ستحمي المتظاهرين”، فيما شهدت ساحة النجمة حيث مبنى البرلمان تحصينات إسمنتية من شرطة مجلس النواب.
من جانبه، شدد قائد الجيش، العماد جان قهوجي، خلال تفقده الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشمالية، على “التزام الجيش بتأمين حماية التظاهرات والتجمعات الشعبية كجزء لا يتجزأ من حرية التعبير التي كفلها الدستور، وفي المقابل عدم السماح لأي كان بالخلط بين المطالب الشعبية المحقة والتعدي على أرواح المواطنين وممتلكاتهم وعلى المؤسسات العامة والخاصة.. لن يسمح للخارجين على القانون باستدراج هذه التظاهرات إلى فوضى أمنية”.
مخاوف القوى السياسية
وباتت مواقف القوى السياسية واضحة، وسط ترقب لما سيجري اليوم، فأحزاب “14 آذار” تدعم الحراك والمطالب وتعتبرها “محقة” لكنها ترفض الدعوات لاستقالة الحكومة “آخر مؤسسة شرعية”، في ظل الشغور الرئاسي والشلل في مجلس النواب، وتدعم فكرة انتخاب رئيس للجمهورية وبعدها تستقيل الحكومة لتنتخب أخرى من نوع تكنوقراط.
أما قوى “8 آذار” تعاني الانقسام، فالرئيس نبيه بري يحاول الحفاط على الحكومة الحالية وإيجاد المخارج للأزمة من دون أن يطعن بحليفه “حزب الله” الذي بات مجبراً على مسايرة حليفه الآخر “التيار الوطني الحر” الذي دعا للنزول إلى الشارع الجمعة المقبلة، في ظل محاولات سياسية لتهدئة الأمور وعودة العمل الحكومي.
وظهر رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون، في مقدمة الزعماء الذين وجهوا سهام انتقاداتهم إلى حملتي “طلعت ريحتكم” و”بدنا نحاسب” وغيرهما من الجمعيات الشبابية التي شاركت في هذا التحرك، على مدار أيام الأسبوع الفائت، في ساحة رياض الصلح في قلب بيروت.
وعن سبب اعتراض غالبية الأحزاب على التحرك الشبابي، يقول الباحث في علم الاجتماع، الدكتور ملحم شاوول، إن “الجواب على ذلك هو أن الفساد ينهش أكثر المؤسسات، فضلا عن انتشار مساحة المحاصصة، علماً بأن بعض الأحزاب تقول إن لا دخل لها في هذا الأمر، ولذلك يتلقى الشباب هذا النقد والحذر من تحركه. وأنا من جهتي كباحث ومراقب لدي الثقة بهذا الحراك إذا أحسن ترتيب أجندته وتنظيمها”.
خارطة تائهة
ويرى شاوول، في حديث مع شبكة “إرم” الإخبارية، أن “العدد الأكبر من الشباب المشارك في هذه التظاهرات من غير المرتبطين حزبياً، وصلت بهم الأمور إلى مرحلة تفجير غضبهم الشديد لأنهم  لم يعودوا يتحملون الأزمات التي يشهدها البلد، وبدأوا في الاعتراض على طريقة تعاطي الدولة مع ملف النفايات وعلى الفساد المستشري، ووقفوا مذهولين أمام هذا الأمر، وكأن الفساد أصبح ثقافة، على عكس ما يتلقونه في الجامعات والمراكز البحثية”.
ويضيف شاوول “يبدو أن حالة الفساد في لبنان أصبحت بنيوية، لذلك جاء اعتراض التجمعات الشبابية والمجتمع المدني لرفض هذا الواقع والعمل للتخلص منه. وفي أي تحرك شعبي في العالم وهذا ما خبرناه وعشناه في تظاهراتنا في بيروت في السبعينات، حيث تعمل جهات سياسية على استغلال مثل هذه التحركات والاستفادة منها، ولا يقتصر هذا الاستغلال على الأحزاب بل يشمل الأجهزة الأمنية في بعض الأحيان”.
ولا يشكك شاوول في نوايا الشباب وأهدافهم، إلا أنه يرى أن “خارطتهم مخربطة حتى الآن، على أساس أنه جرى الخلط في معالجة أزمة النفايات وصولا إلى قانون انتخاب وإصلاح النظام السياسي في لبنان”.
ويسجل شاوول للشباب هنا أنهم “نجحوا في سحب ملف النفايات إلى المجتمع المدني والمجالس البلدية، ومنعوا تمرير الصفقات المالية. وإذا اجتازوا هذا الملف وتسويته بالطرق العلمية والصحية الشفافة ومنع الهدر المالي، يمكنهم بعدها وبالتدرج تطبيق اللامركزية في البلاد وصولا إلى إنتاج قانون انتخاب عصري يقوم على تطبيق النسبية ولا يستثني أحداً”.
ويعبر الباحث عن “ثقته بهذا الحراك، ويرفض اتهام البعض للشباب بأن سفارات وجهات خارجية تعمل على تحريكهم في الشارع وأن السفارة الأميركية في بيروت توفر لهم هذا الدعم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *