الموتى لايصرخون

يطلّ علينا كل فترة بعض اشباه السياسيين والحزبيين والاعلاميين وبعض من يقلّدونهم بصراخ مُلفت مترافق مع إصبع مرفوع وفوقية واضحة في محاولة لإثبات وجهة نظرهم. وسبب هذا الصراخ برأيي وببساطة هو عدم قدرتهم على إقناع الآخرين بوجهة نظرهم بأسلوب هادئ، فيلجأون الى هذا الأسلوب المَمجوج اعتقاداً منهم بأنّ الصراخ يعطيهم الهيبة ويُرهب البعض ويقنع البعض الآخر بوجهة نظرهم. ولعلّ أسوأ ما في هذا الصراخ هو افتقاد المضمون للمنطق وقدرة الإقناع، وجمع الصيف والشتاء تحت سقف واحد، بل أكثر من ذلك فإنه عند الغضب أو التظاهر به قد يكون كلام الذي يصرخ في بعض الأحيان صحيحاً، لكنه يقدمه بأسلوب مُنفر وخاطئ.ومغرض
إنّ هذا الأسلوب لا يغيّر شيئاً في الحقيقة، وتحريف الوقائع قد ينطلي على بعض الناس لبعض الوقت، لكنه حتماً لن ينطلي على كل الناس كل الوقت، قد يؤجّل ظهور الحقيقة لكنه لا يمكنه أن يلغيها.
ونرى اليوم كثيرين ممَّن يتصدّرون الشاشات والمنابرالاعلامي يُحاججون جهلاً عن غير علم، أو جهلاً وينطبق عليهم القول: رجل لا يعرف وهو لا يعرف أنه لا يعرف، وفي الحالتين نرى أنهم يُخرّبون العقول، لأنّ معظم العاقلين يتجنّبون سجالهم.
لا يستقيم هذا الأسلوب مع الحديث عن نظام ديموقراطي يُحترم فيه الرأي والرأي الآخر، او وجود قانون او دستور يجب ان يحترما
فقد عوّدنا أصحاب هذا الأسلوب على العمل على فرض رأيهم بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وحين لم ينجحوا لم يتورّعوا يوماً عن تجاوز الحدود، وطبعاً الأمثلة كثيرة ولا تُحصى، إلّا أنّ أسلوبهم هذا لا يعكس احتراماً لشراكة مفترضة في الوطن، فهم من ناحية يريدون مغانم كاملة وأكثر لهذه الشراكة، ومن ناحية ثانية يرفضون احترام مقتضيات هذه الشراكة، بل أكثر من ذلك هم يفتعلون وضعاً ثم يتذرّعون به بحجج واهية لا تمتّ للمنطق بصِلة.
إنّ أسوأ ما يعكسه هذا الأسلوب هو الترداد الببغائي لبعض من يؤيّدونه ممّا يلغي فرَص النقاش الموضوعي ويُبعده عن الفرص الحقيقية للوصول الى نتائج ايجابية، ويزيد الأمور تعقيداً، ممّا ينطبق عليه قول الشاعر: لقد أسمعتَ إذ ناديتَ حيّاً ولكنْ لا حياةَ لمَن تنادي
لقد مرّ الوطن منذ 25 يناير 2011 بأكثر من تجربة يطرحها الببغاوات معتقدين انهم اصحاب الرؤية الصحيحة و يشعر كل فريق منهم بامتلاك قوة يؤهله لفرض وجهة نظره على الآخرين، وفي كل مرة كان أصحاب هذا الشعور يصلون الى نتيجة حتمية مفادها استحالة نجاح هذا الفرض وإن حقّقوا لبعض الوقت نجاحاً آنياً محدوداً.وبعد فترة يفشلون بل يختلفون وينقسمون بل يهربون للخارج اويختفون او ينسحبون ويظلوا مع ذلك يصرخون
إنّ هذا الوطن قدره أن يتحمّلنا جميعاً، وقدرنا أن نعيش به بشراكة واحترام للرأي الآخر، ومفيد أن نخوض دائماً حواراً بنّاء يعتمد المنطق والموضوعية، فليس بالصراخ تُبنى الأوطان. بل مايفعله البعض بغباء وجهل وتأمريدمر الاوطان كفى صراخا فالموتى لايصرخون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *