اخلعوا جلباب التعايش السلبي مع الإرهاب

 
 
واضح أن عدم إتخاذ الإجراءات الأمنية الاحترازية لتأمين مراكز التجنيد في اليمن، كان أبرز الثغرات التي استغلها تنظيم “داعش” لتنفيذ جريمته البشعة بالتفجير الانتحاري لمركز التجنيد بعدن يوم 29 أغسطس الذي راح ضحيته أكثر من 70 قتيل وعشرات المصابين، إلاّ أن تفاصيل تنفيذها تكشف أيضا عن غياب دور المجتمع لدرء خطر الإرهاب ومحاصرة مصادره، ووقف تغلغله في وسطه وبين أفراه، حتى وصل المواطن إلى وضع “الصامت” والمتفرج عن ما يحدث، دون تحريك ساكناً أو يتفاعل مع ما يراه في محيطه الاجتماعي، الذي لا يقل أهمية عن دور الجهات الأمنية المطلوب منها سد ثغرات الاختراق الأمني ومعالجة القصور والإهمال المتكرر في تأمين أرواح المواطنين. 
عند ارتكاب أي جريمة نرى الكل ينشغل ويفتش ويبحث عن مكامن الخلل الأمني والمجتمعي والفكري الذي استفاد منه تنظيم القاعدة أو داعش لتنفيذ عمليته الانتحارية وسفكه لدماء الأبرياء، لكن مع الأسف لم تتعظ الجهات الأمنية من أخطائها السابقة، ولم نتعلم نحن في المجتمع من مواقفنا السلبية مع ما يحصل حتى نتفاجأ مرة آخرى باستغلال عناصر الإرهاب لنفس الهفوات لتنفيذ عملية انتحارية جديدة، ليعاود الأهالي العض على النواجد واستغراب والدهشة بعد اكتشافهم أن منفذ العملية هوالشاب الذي يقطن في حيّهم السكني. كما ما حدث عقب العملية الانتحارية الأخيرة في مركز للتجنيد بحي الشيخ عثمان بعدن التي نفذها الانتحاري ( أبو سفيان العدني ) يدعى أحمد سيف سبق وأن عمل مدرسًا لحلقة تحفيظ في مسجد قريب من حيه السكني بالمنصورة. التي تعد الجريمة الأبشع والأكبر التي نفذت في اليمن خلال الثمانية الأشهر الماضية من هذا العام من حيث عدد الضحايا مقارنة بعمليتي تفجيرالانتحاري ” زياد عيسى” نفسه بحزام ناسف وسط تجمع للمجندين في معسكر براس عباس في عدن في 17 فبراير مطلع العام الجاري – يسكن في المنصورة – وعملية أستهداف مركز آخر للتجنيد في 24مايو من نفس العام نفذها انتحاري – يسكن أيضاً في حي المنصورة بعدن – يُدعى ( أبوعلي العدني ) قام بتفجير نفسه بحزام ناسف وسط عدد من المجندين أمام منزل قائد معسكر بدر اللواء عبدالله الصبيحي في خورمكسر بعدن. 
تؤكد هذه العمليات على تشابه عناصر وظروف التنفيذ والعوامل والثغرات، التي تستغلها التنظيمات الإرهابية ” القاعدة وداعش” لتنفيذ عملياتها الانتحارية وأبرزها إخفاق الأجهزة الأمنية في التغلب على الاختراق الأمني ، وتكرار الإهمال ، والضعف الاستخباراتي، وكذا غياب دور المجتمع في تطهير نفسه من وجود الخطر الإرهابي الذي ينمو في صفوفه نتيجة غياب دور المواطن في التصدي للفكر المتطرف وتجفيف الجمعيات التي تتبنى الفكر المتطرف والأنشطة الإرهابية في محيطه الإجتماعي، الذي جاء منه هذا الانتحاري أو ذاك، لتنفيذ عمليته الانتحارية الجبانة لتخلف ضحايا أبرياء وتعيد نفس المآسي والاضرار بالمجتمع لمعاودة هذه التنظيمات أستهداف البسطاء طالبي لقمة العيش من التجنيد، ومحاولتها إظهار نفسها بالقوة الموازية والبديله للدولة على أشلاء ودماء الأبرياء. 
لا شك أن الظروف والمواقف التي فرضتها الحرب على المواطن في ظل غياب الدولة في بعض المناطق، استغلتها التنظيمات الإرهابية لتقدم نفسها له بالحليف “الوهمي” المدافع عنه، تسببت في خذلانه، ودفعته لغض الطرف عن تواجد العناصر الإرهابية في حيه السكني ،وولدت عنده حالة من الصمت أدت إلى تغييب دوره في حفظ الأمن، حتى طغى صمته “المخجل” على سلوكه وتصرفاته، وتحول إلى جلباب يرتديه للتعايش السلبي معها؛ لعدم إدراكه خطر أنشطتها الإرهابية مستقبلاً، فضلاً عن أنه لم يجد من يأخذ بيده لتحريك جموده لمجابهتها. لكن بعد مضي أكثر من عام ونصف عن إنتهاء الحرب في بعض المناطق، فإن الحاجة للمجتمع تتعاظم اليوم للقيام بدوره المنتظر كي ينتفض لرفض بقائها، وينبذ وجودها بين فئاته وافراده، بدءاً بالأسرة مروراً بتطهير أماكن تواجدها، وفضح المنابر والجمعيات التي تكرس أنشطتها لدعم العناصرالإرهابية، لا سيما بعد ظهور حقيقتها ومدى مغالطتها لأبناء الحارة والحي والمسجد والمدينة بحلقاتها الدينية (الشكلية) لاتستقطاب صغار السن اليها لغرس فيهم الفكر المتطرف ثم الانضمام للتنظيمات الإرهابية.
لا يمكن لأي مجتمع إن يعيش بكرامة وسلام وأمان، إذا لم تكُن الإرادة منقوشة على جباه أبنائه، والشجاعة مزروعة في قلوبهم؛ لتحقيق هدفه في العيش الكريم والحياة الآمنة. وفي رأيي لا يستطيع المجتمع اليمني إستعادة عافيته، والقيام بدوره الذي طال انتظاره؛ لفضح مكامن الإرهاب وتجفيف منابعه، وكبح جماح خطره إلاّ إذا خلع المواطن جلباب التعايش السلبي مع الإرهاب المتغلغل في وسطه الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *