جيهان رفاعى تحاور الأستاذ الدكتور/سعد نصار … استاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة ومستشار وزير الزراعة ومحافظ الفيوم الأسبق

 
– قطاع الزراعة يتعامل مع الأزمات ويستوعبها ويتقبل الصدمات .
– التوريث هو سبب التفتت الزراعى وليس قانون الإصلاح الزراعي .
– تم البناء على مساحة ٤٠٠ الف فدان من أجود الأراضي الزراعية .
– الدولة ضد فكرة تسعير مياه الرى .
– الأمن الغذائى مفهومة أوسع من الاكتفاء الذاتى .
هو عالم من الطراز الأول ، موسوعة علمية إقتصادية وسياسية متحركة ، يصدر لنا المعرفة ونرتشف منه العلوم المتجددة ، له مدرسة متميزة فقد  أثرى  العلم والزراعة والاقتصاد والسياسة … إنه الأستاذ الدكتور / سعد ذكى نصار … أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة ومحافظ الفيوم الأسبق ورئيس مركز البحوث الزراعية من عام ١٩٩٦م حتى عام ٢٠٠٠م ، كما شغل منصب عميد كلية الزراعة بالفيوم من عام ١٩٨٢م حتى عام ١٩٩٦م ، وتولى منصب مستشار لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي من عام ٢٠٠٥م حتى الآن … وهو رئيس الجمعية المصرية للإقتصاد الزراعى ، ورئيس جمعية الاقتصاديين الزراعيين العرب . 
إلى نص الحوار : 
س: كيف ترى الزراعة المصرية من منظور اقتصادى ؟ هل يمكن أن يكون للقطاع الزراعي دور مؤثر فى البنية التحتية للاقتصاد المحلى وكيف ذلك فى ضوء التحولات والتغيرات الاقتصادية التى يشهدها الاقتصاد الوطنى متأثرا بالاقتصاد العالمي ؟
ج: الزراعة فى مصر تعتبر ركيزة أساسية للصادرات ، لأنها تساهم بحوالى ١٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى وتساهم بحوالى ٢٠٪ من الصادرات السلعية ويعمل بها حوالى ٢٧٪ من إجمالى القوى العاملة فى الاقتصاد القومى ، وهى مسئولة عن توفير الغذاء للسكان الذين فى تزايد مستمر وفى نفس الوقت مسئولة عن توفير فرص عمل منتجة فى قطاع الزراعة والأنشطة المرتبطة به وأيضا مسئولة عن توفير المواد الخام اللازمة للصناعة الوطنية وخاصة صناعة الغزل والنسيج والصناعات الغذائية … وقد أوضحت جائحة كورونا للعالم كلة أن القطاعات الاقتصادية الإنتاجية ومنها الزراعة والصناعة هى اهم قطاعات فى الاقتصاد القومى لأنها القطاعات التى تتسم بالمرونة وتستطيع أن تستوعب الصدمات والأزمات العالمية وتتعامل معها وهذا بعكس القطاعات الريعية مثل السياحة والطيران وتحويلات المصريين فى الخارج ، فهذه أنشطة لا يمكن الاعتماد عليها فى ظل الأزمات والدليل على ذلك أن قطاع الزراعة فى ظل أزمة كورونا لم يتوقف والأغرب أن الصادرات الزراعية الغذائية والزراعية المصنعة والطازجة  زادت فى الفترة التى اجتاحت فيها الكورونا عن الفترة المماثلة لها فى العام الماضى ، والغريب أيضا أن الدول الأخرى المنافسة لنا تأثرت أكثر مثل فرنسا المنتج الرئيسي لمحصول البطاطس  واسبانيا المنتج الرئيسي للموالح  وإيطاليا المنتجة الأساسية للأرز وألمانيا المنتجة الأساسية للزهور … كل هذه الدول تأثرت بأزمة الكورونا أكثر من تأثر قطاع الزراعة فى مصر … إن قطاع الزراعة المصرى لم يتوقف عن الانتاج ولا النقل ولا التصدير بعكس ذلك  فى الدول المنافسة فقد  توقف بدرجة كبيرة …كما إن الصادرات الزراعية المصرية تصل إلى الأسواق العالمية فى موعد مبكر بالمقارنة بالصادرات الآتية من دول منافسة ، كما اتسمت الصادرات المصرية بالجودة والمواصفات العالمية ولا يوجد رسائل ارتدت إلينا نتيجة اى أخطاء فى المواصفات ، وقد قمنا بفتح اسواق عالمية جديدة للتصدير مثل أوروبا وآسيا والدول العربية وزادت صادرتنا وحصلنا على المركز الأول فى الموالح والعنب ، المركز الثالث فى البطاطس والثوم والبصل ، وقد بلغت قيمة صادراتنا الزراعية حوالى خمسة  مليار دولار اى بمقدار إيراد قناة السويس ، وفى الإمكان زيادة صادرتنا الزراعية بمعدل ١٠ : ١٥ ٪  سنويا من خلال الإستفادة من القطاعات التجارية سواء الدولية أو الإقليمية أو الثنائية ومصر عضو فى منظمة التجارة العالمية ولدينا اتفاقية مشاركة في الاتحاد الأوروبى ولدينا منطقة تجارة حرة مع افريقيا ومنطقة تجارة حرة عربية واتفاقيات ثنائية مع الصين وروسيا والبرازيل ، وهذه الاتفاقيات تتيح لنا تصدير صادراتنا الزراعية طوال العام لهذه الدول دون تعريفات جمركية أو عوائق فنية ، لذلك تحرص القيادة السياسية على الإشادة بالقطاع الزراعى  وأهميته الكبيرة ، ويؤكد  الرئيس السيسى  فى اى حديث له أن الزراعة تلعب دور محوري فى الاقتصاد القومى مع  توجيهاته المستمرة لوزارة الزراعة بضرورة العمل على زيادة الإنتاج الزراعى رأسيا وأفقيا وتحقيق درجة اكبر من الاكتفاء الذاتي وخاصة من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح وقصب السكر  والزيوت والبقوليات واللحوم الحمراء أما باقى المحاصيل مثل الخضر والفاكهة لدينا اكتفاء ذاتي منها والدواجن والبيض أيضا وكذلك الألبان الطازجة والأسماك والأرز والنباتات العطرية وزهور القطف ، لكن لدينا نسبة عجز فى القمح ونحاول زيادة المساحة والإنتاجية وكذلك في البقوليات و بنحر السكر وعلينا  والتوسع الرأسى فى قصب السكر وليس الافقى للمحافظة على الماء ، ونحاول التوسع فى إنتاج الزيوت وزراعة الزيتون فى سيناء ومطروح أي  الأراضى الهامشية ومشروع المليون شجرة زيتون … وهناك المشاريع القومية الكبرى التى تنفذها الدولة و زيادة الاستثمارات الزراعية المخصصة لقطاع الزراعة من الاستثمارات الحكومية بالمقارنة بالعام الماضي بناء على توجيهات الرئيس ، كما لدينا المشروع القومى لاستصلاح و زراعة المليون ونصف فدان ، المشروع القومى لزراعة ٨٠٠ الف فدان صوبه ، المشروع القومى للاستزراع السمكى فى محور قناة السويس ومحافظة كفر الشيخ وبركة غليون والفيوم وبور سعيد ، المشروع القومى لتربية وتسمين حوالى مليون رأس ماشية جديدة على مراحل حتى تزيد نسبة الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء والألبان  ، وقد قمنا بعمل استراتيجية جديدة فى مصر لمواجهه التحديات .
س: ما اهم التحديات التى تواجه القطاع الزراعى ؟ وما آليات التعامل معها من منظور  تطبيقى وليس اكاديمى ؟
ج: هناك تحديات عالمية مثل  التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة والسيول والتنوع البيولوجي وندرة المياة والتصحر على المستوى العالمي … أما المستوى الداخلى فزيادة السكان بنسبة عالية تصل إلى  ٢,٥ ٪ يؤدى إلى زيادة الطلب على الغذاء فى الوقت الذى كانت فيه الاستثمارات قليلة فى قطاع الزراعة مما دعى الحكومة لزيادة الاستثمارات ، ومن التحديات أيضا انخفاض الإنتاجية ونحاول زيادتها عن طريق التقاوى المحسنة التى ينتجها مركز البحوث الزراعية والمعاملات الزراعية الجيدة والإرشاد الزراعى الجيد وربط الإرشاد بنقل التكنولوجيا للفلاح ، فمثلا إنتاجية القمح فى المزارع البحثية يعطى ٢٤ اردب أما عند المزارع يعطى فى المتوسط ١٨ اردب ، ويمكن زيادة إنتاجية المزارع فى هذه الحالة عن طريق التوسع فى إنتاج وتوزيع وتغطية التقاوى المحسنة عالية الإنتاج والجودة والمقاومة للظروف المعاكسة كالحرارة والجفاف والملوحة والحشرات والأمراض وفى نفس الوقت اتباع المعاملات الزراعية الجيدة مثل ميعاد الزراعة وعدد النباتات فى الفدان وطريقة الرى والتسميد والمكافحة المتكاملة ومعاملات ما بعد الحصاد .
س: ما أهم الفرص المتاحة للزراعة المصرية لكى تحقق انطلاقة كبرى  خلال المستقبل  وخاصة أن الزراعة المصرية مكبلة بالكثير من القضايا العاجلة التى لابد من التصدى لها بأسرع وقت ممكن … فمن أين نبدأ ؟
ج: قمنا بعمل استراتيجية جديدة للتنمية الزراعية تسمى الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المستدامة في مصر حتى ٢٠٣٠م ، لقد  كان لدينا استراتيجية فى عام ٢٠٠٩م ولكن بعد عام ٢٠٠٩م هناك ظروف كثيرة تغيرت ومنها الأهداف الأممية الدولية للتنمية المستدامة التى قامت بها الأمم المتحدة عام ٢٠١٦م ، وهناك كذلك تعويم الجنية المصرى ، فقد كان سعر الدولار ٨ جنية وأصبح ٢٠ جنية ، وكذلك برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يعمل على تخفيف الدعم على الطاقة … اى هناك متغيرات كثيرة لذلك كان لابد من تحديث الاستراتيجية وعمل استراتيجية جديدة تم الانتهاء منها هذا الشهر الحالى تسمى الاستراتيجية المحدثة للتنمية الزراعية المستدامة 2030م واهم أهدافها هى : اولا  الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة ، فلدينا الأرض والماء والموارد البشرية ورأس المال والتكنولوجيا ونحن نريد أن نأخذ من هذه الموارد أقصى إنتاجية بأقل تكلفة ، أما الهدف الثانى فهو تحقيق أعلى معدل نمو سنوى فى القطاع الزراعى بحيث يصل الناتج المحلى إلى ٤,٥٪ سنويا ، وعند ربطه بزيادة السكان التى تكون بمعدل ٢,٥٪ اى فى هذه الحالة متوسط دخل الفرد سوف يرتفع  ، أما الهدف الثالث من الإستراتيجية هو زيادة نسبة الأمن الغذائي فى المحاصيل التى بها فجوة مثل القمح والذرة والسكر والزيوت واللحوم الحمراء والبقوليات اى تحقيق درجة أعلى من الاكتفاء الذاتي من هذه المحاصيل عن طريق التوسع الرأسى والافقى ، والهدف الرابع هو زيادة الصادرات الزراعية ، فقد وصلنا إلى خمسة مليار دولار فى السنة ونريد زيادة هذه النسبة بمقدار ١٠ : ١٥٪ سنويا من خلال الاستفادة من الفرص التى يمكن أن تتيحها الاتفاقيات التجارية الدولية أو الإقليمية أو الثنائية التى تعقدها مصر مع هذه التكتلات والدول ، أما الهدف الخامس هو إتاحة فرص عمل للشباب وخاصةالمرأة فى القطاع  الريفى والزراعى والأنشطة المرتبطة به لأنه يسكن فى الريف أكثر من ٥٠٪  من سكان مصر معظمهم يعمل فى مجال الزراعة ، والهدف الاخير  هو تحسين دخول ومستوى معيشة السكان الريفيين ، فكلما زاد الدخل وارتفع مستوى المعيشة للسكان في الريف سوف يرتبط الناس بالريف ويزيد إنتاجهم من المحاصيل الزراعية ، ومستوى المعيشة ليس دخل فقط ولكن هناك التعليم والصحة والحصول على مياه شرب نظيفة وصرف صحى ملائم وخدمات نقل ومواصلات واتصالات وكهرباء ، فالفلاح انسان له الحق فى الاستمتاع بجميع نواحى الحياة مع زيادة دخله ورفع مستوى معيشته .
س: لماذا مهنة الزراعة لا تستهوي  الشباب رغم أنها مهنة المصريين على مر العصور ؟ 
ج: الشباب يهرب من الزراعة لأنها لا تدر عليه دخل كبير ونحن نريد جذب هؤلاء الشباب وذلك بتحسين الإنتاجية فى القطاع الزراعى وإتاحة فرص العمل وتحسين ظروف المناخ والأنشطة المرتبطة بها  من تسويق ومعاملات ما بعد الحصاد وتصدير ونقل وتصنيع زراعى وبذلك يستطيع الشباب تحقيق مستوى دخل اكبر ومكسب مادى مرتفع مما يجعله يمكث فى الارض ويعمل بها باجتهاد بدلا من الهجرة إلى الخارج أو الاتجاه إلى القطاعات العشوائية التي لا تدر عليه دخل .
س: ما أهمية الاستثمار فى مجال الزراعة ؟ واين حوافز الاستثمار فى مجال الزراعة والإنتاج الحيواني والداجنى؟ كيف اجذب المستثمر واحفز القطاع الخاص لكى يستثمر في قطاع الزراعة ؟
ج: هناك استثمار حكومى واستثمار خاص ، الدولة تستثمر حوالى ٢٥٪ ،  اما القطاع الخاص يستثمر ٧٥٪ ، ولكى نشجع الاستثمار الخاص فى مجال الزراعة لدينا القانون الجديد رقم ١٧ لعام ٢٠١٥م الذى أعطى ضمانات وحوافز للاستثمار كثيرة ومنها الاستثمار في المناطق النائية أو فى المشروعات القومية والضمانات وحوافز الاستثمار لا تشجع فقط المستثمر المصرى وانما المستثمر العربى والاجنبى للاستثمار فى مصر وهو مخرج رئيسى وهام  سواء فى مجال استصلاح واستزراع أراضى جديدة أو فى مدخلات الإنتاج من تقاوى واسمدة ومبيدات وميكنة زراعية و امصال ولقاحات بيطرية … هناك مجال فى الاستثمار الزراعي هو عمل مشروعات للتصدير الزراعى مثل الأساطيل المبردة سواء سفن أو طائرات أو فراغات شحن وتخفيض تعريفة الشحن لكى نشجع على التصدير ، وكذلك فى مجال التسويق فهو مجال جيد للاستثمار ، كذلك البحوث الزراعية مجال كبير للاستثمار مثل بحوث فى  الهندسة الوراثية والبايوتكنولجى والتصنيع الغذائي وتدوير المخلفات الزراعية ، وقد قمنا بعمل نظام الشباك الواحد اى المستثمر يتوجه إلى جهة واحدة يتوفر بها جميع  الخدمات المطلوبة حتى لا يضيع وقته ومجهوده فى اللف لتخليص أوراقه والحصول على الموافقات ، وبذلك نقضى على البيروقراطية الصعبة التى قد تكون مصدر للفساد والرشوة … الان نتجه إلى التحول الرقمى لتقليل تعامل الناس الشخصى مع بعضها للحصول على التراخيص وأصبح تحول رقمى الكترونى وتجارة إلكترونية مما يقلل العنصر البشرى فى اتخاذ القرار .
س: هل يمكن أن تقيم لنا السياسة التحريرية التى تم تطبيقها على القطاع الزراعى ؟ وكيف ترى آثارها الاجتماعية والاقتصادية على المزارعين خاصة أصحاب الحيازات القزمية ؟  
ج: بدأت السياسة التحريرية فى نهاية التسعينات فقد كان لدينا قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضى على صغار المزارعين وكان يقال إن هذا القانون كان السبب فى تفتت الحيازات  وهذا غير صحيح اطلاقا لأن الإصلاح الزراعي عندما كان يوزع الخمس أفدنة على المنتفعين كان يوزعهم فى خمس احواض بعيدة عن بعضها ويزرع فى كل حوض مساحة كبيرة سواء قطن أو أرز او ذرة ولكن حقيقة التفتيت كانت نتيجة التوريث ، فالمالك يوزع على أبناءه ثم توزع على الاحفاد وهكذا حتى يصل نصيب الفرد إلى ربع قيراط مثلا … والآن نحاول تجميعها مع الاحتفاظ بملكية كل فرد وحيازته وكأن مساحة أرضه أسهم في شركة ثم تزرع بطريقة جماعية ونستخدم فيها الميكنة والمعاملات الزراعية الجيدة ثم فى نهاية السنة نوزع الربح وفقا للأسهم ، وإذا رغب الفلاح المالك أن يعمل فى هذه الأراضى يكون ذلك بأجر وهذا ما نتبعه فى المشاريع الجديدة مثل المليون ونصف فدان … المشكلة فى قانون الإصلاح الزراعي أنه عندما طبق كان هناك بعض الناس من صغار الملاك مأجرين أرضهم وبعد نص القانون على أن المستأجر لا يخرج من الأرض والايجار يكون (٧) امثال الضريبة فى الوقت الذى كانت فيه الضريبة منخفضة جدا ويستمر الايجار  لمدة ٢٠ : ٣٠ سنة والنتيجة هى عائد منخفض جدا  من الايجار مما جعل المستأجر لا يهتم بالأرض والمالك مضار لدرجة تستدعيه  يعرض على المستأجر أن يشترى نصف مساحة الأرض أو يبيعها للمستأجر ويقوم هو بتأجير الأرض منه أو يعرضها للبيع بنصف الثمن مما يؤثر على الإنتاجية لأن الايجار المنخفض يؤدى إلى عدم الاهتمام بالأرض والإنتاجية … لذلك تم التفكير في تحرير العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر ، وكان هناك خوف من اشتعال الخلافات بينهم بسبب ذلك ولكن لم يحدث وانما اخذت فترة انتقالية من سنة ١٩٩٢ : ١٩٩٨م ، ونصت على أنه يمكن تعويض من يترك الارض بغيرها فى الأراضى الجديدة اى نحرر العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر عن طريق  الاتفاق  على مدة زمنية محددة بإيجار نقدى معين بالتراضي   وليس مدة أبدية ، كما زادت نسبة الايجار وظل بعض المستأجرين فى الأراضى بالاتفاق والبعض تم تعويضه بمساحات  فى الأراضى الجديدة فلم يحدث اثار سلبية كبيرة بل  بالعكس زادت الإنتاجية .
س: هناك مشكلة كبيرة وهى البناء  على الاراضي الزراعية كيف يمكن مواجهتها والتصدى لها ؟ 
ج: مشكلة كبيرة فعلا … ففى الفترة من عام ١٩٨٢م حتى ٢٠٢٠ م تم البناء على  ٤٠٠ الف فدان من أجود الأراضي الزراعية ، أثناء  الفترة من ٢٠١١م : ٢٠١٤م   عند عدم وجود الدولة والميوعة فى النظام تم البناء على ٦٠ الف فدان أى حوالى ١,٢٥ مليون مخالفة ،واثناء  الفترة من ٢٠١٤م : ٢٠٢٠م انخفضت  المشكلة إلى حد ما فقد تم البناء على ٣٠ الف فدان من الأراضي الزراعية … وهناك كلام ساذج يحلل البناء على هذه الأراضى والاستزراع  فى الصحراء بديلا وهذا بالطبع سوف  يؤدى إلى زيادة التكلفة بالإضافة أن الفدان فى الصحراء لكى يعطى نفس انتاجية فدان فى الدلتا يحتاج إلى حوالى ٥٠ سنة من العمل الشاق  ، كما أن الأراضى الجديدة عادة لا يتم فيها زراعة المحاصيل التقليدية كالقمح والذرة ولا الارز ولكن يمكن زراعة عنب أو موالح أو فراولة أو كنتالوب ويتم تصديره  ، والمشكلة هنا أنه فى حالة  بناء الدلتا بالكامل كيف سيحصل الناس على الغذاء هل سيذهبون إلى الصحراء للعمل ويتركوا منازلهم فى الدلتا … فى الماضى عندما كنت محافظ الفيوم كان هناك أمر يسمى أمر نائب الحاكم العسكرى اى المحافظ يكون له السلطة لو فكر اى شخص فى البناء على الأرض الزراعية فمن حق المحافظ  إزالة المبانى فورا دون الاستئذان من أى جهة لأن هذه الجهات تاخذ وقت طويل حتى تنفذ الأحكام ولكن هذا الأمر تم الغاءه عام ٢٠٠٤م مما أدى إلى زيادة توسع الناس فى البناء على الأراضي الزراعية … يجب عدم البناء على هذه الأراضى سواء مبانى عشوائية أو مخططة وعدم زيادة الحيز العمرانى للقرية ، ونحن مع عودة أمر نائب الحاكم العسكرى وتغليظ العقوبة على المبانى ومن يعتدى على الأرض سواء بالتبوير أو التجريف أو البناء …لقد  قدمنا مشروع قانون فى عام ٢٠١٨م لمجلس النواب وهو أن تقوم الدولة بنزع الملكية لصالح الدولة فى حالة البناء على الأرض الزراعية ونعطيها للاصلاح الزراعى للتصرف بها بالطريقة المناسبة له وكان ردهم إن ذلك ضد الدستور ، مع أن الدستور ينص على أن الملكية الخاصة مصانة والأرض الزراعية مصانة طالما تستخدم فى إنتاج الغذاء وتحقق الأمن الغذائي ، وإذا حدث تعدى على الأراضى الزراعية من حق الدولة أن تعيد الأرض مرة أخرى إلى الزراعة لصالح الفرد والمجتمع ونحاول هذه الأيام إعادة التشريع مرة أخرى .
س: كيف تغير الدور الذى كان يؤديه بنك التنمية والائتمان الزراعي فى دعم الفلاح سابقا وأصبح الآن البنك الزراعي المصرى بشعار ومنهج جديد وأثر ذلك على الزراعة والفلاح على السواء ؟ 
ج: كان يسمى بنك التسليف سنة ١٩٣٠م ثم بنك التنمية والائتمان الزراعي ثم البنك الزراعي المصرى ، وبما أنه بنك لابد أن يخضع لرقابة وإشراف البنك المركزي ويخضع لقانون النقد على أن يظل مرتبط وتابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ، وكان وزير الزراعة هو رئيس الجمعية العمومية له الذى يقترح تعيين رئيس البنك والنواب وتشكيل مجلس الإدارة وكانت محاضر اجتماعاته تعتمد من وزير الزراعة ، نحن مع الربط بين السياسة الائتمانية والسياسة الزراعية ، أما الان اصبح تابع للبنك المركزى وهناك ممثلين لوزارة الزراعة فى مجلس الإدارة ومعظم موارده من الفلاحين والجمعيات التعاونية وقروضه تذهب للفلاحين ، فهو يعطى قروض قصيرة الأجل للمزارعين وفى أثناء فترة جائحة كورونا زادت نسبة التغطية الزراعية التى يمنحها البنك للمزارعين ، فقد كانت تغطى ٢٠٪ من التكلفة تم رفعها إلى ٥٠٪ من التكلفة ، كما تم جدولة الديون على المتعثرين والغاء الفوائد المهمشة ، ولحسن الحظ أن الوزير كان رئيس البنك ولديه خلفية عن التعاملات .
س: نهر النيل هو شريان الحياة لمصر ..كيف ترى أزمة سد النهضة وتداعياته على القطاع الزراعى ؟ وما البدائل  المتاحة أمام صانع ومتخذ القرار لحماية الثروة النباتية والحيوانية والداجنة ؟ هل يمكن لمصر أن تحقق التنمية المستدامة ؟ 
ج: سواء كان هناك سد نهضة أو لم يكن موجود لا يمكن أن نستمر فى الرى بالغمر بلا حساب وهذا ليس من أجل المحافظة على الماء فقط ولكن لأن الرى بالغمر يؤدى إلى مشاكل فى التربة ورفع منسوب المياه فى الأرض مما يؤدى إلى تطبيل أو تمليح الأرض ، و بالتالى يؤدى إلى خفض الإنتاجية وجودة المنتجات الزراعية ، لذلك يجب ترشيد استهلاك المياه والحصول على أعلى عائد من الماء ، فى الماضى كانت كمية المياه لا تدخل في حساب تكلفة الفدان أما الآن لها حسابات ، فالزراعة تستهلك حوالى ٨٢٪ من الموارد المائية فى ظل  وجود زيادة بصفة مستمرة فى عدد السكان مما يؤدى إلى زيادة استهلاك مياه الشرب والمياه المستخدمة في الصناعة والملاحة والسياحة ، ومع استصلاح الأراضي الجديدة تزيد كمية المياه المستخدمة ، نحن حصتنا من المياه ٥٥ مليار متر مكعب ، وهناك ٥ مليار متر مكعب من المياه الجوفية ، وكمية استهلاكنا فى العام ٨٠ مليار متر مكعب اى هناك عجز حوالى ٢٠ مليار متر مكعب ولكى نغطى هذا العجز يكون عن طريق تدوير المياه بتنقية مياه الصرف الصحي والصرف الصناعى وإعادة استخدامها مرة أخرى فى الزراعة ، وهناك الماء الافتراضي وهو الفرق بين الماء فى السلع التى نستوردها والماء فى السلع التى نصدرها  وهو حوالى ٣٠ مليار متر مكعب وبذلك يكون كمية المياه لدينا حوالى ٥٠ مليار متر مكعب اى كمية قريبة من حصتنا فى مياه نهر النيل ، لذلك ليس لدينا وسيلة سوى ترشيد الاستهلاك من المياه عن طريق التحلية والتدوير وكذلك حصاد المياه من الأمطار … أما أزمة سد النهضة فهى حياة أو موت ومصر لن  تسمح أن يعتدى على حقوقها التاريخية من المياه فهى قضية وجود ، نحن ليس ضد التنمية فى إثيوبيا فهى تقع عليها ألف مليار متر مكعب مياه فى السنة ولديهم مستنقعات وبرك والفكرة هنا هى كيفية  إدارة المياه لكى يكون هناك توفير واستفادة لكل من مصر وإثيوبيا … نحن لا نستطيع أن نفرط فى نقطة مياه واحدة  كما سبق لنا عدم التفريط فى حبة رمل من سيناء ولكن ليس كل ما يمكن عمله يقال فهى عملية سياسية دبلوماسية قانونية فنية وفى النهاية مصر قضيتها عادلة وتاريخية وجميع القوانين تنص على أن دول المنبع ليس من حقها عمل مشروعات تضر بدول المصب دون موافقتها فهناك قانون دولى .
س: بعض خبراء الاقتصاد الزراعي يطالبون بتسعير مياه الرى كطريقة من طرق الترشيد ما رأيك ؟ ولماذا ؟ 
ج:  لا … نحن ضد تسعير المياه والدولة ضد التسعير ولكنها مع ترشيد استهلاك المياه عن طريق الرى بالتنقيط أو الرش أو الرى المحورى مما يقلل المياه المستخدمة فى الزراعة ويقلل تكلفة الإنتاج وتحسين الإنتاجية وزيادة الدخل الصافى للمزارع .
س: هل الزراعات المحمية تعد بديلا اقتصاديا للزراعات التقليدية فى ظل  محاولة توفير الاستهلاك من مياه الرى ؟ 
ج:  لدينا حوالى ٨٠٠ الف صوبة زراعية ، الصوبة  تعطى انتاجية بمقدار أربعة أضعاف الأرض المكشوفة وأوقات تصل إلى عشرة أضعاف الإنتاجية  ، اى ٨٠٠ الف صوبة يعادل مليون فدان فى الأراضى المكشوفة فهى تعطى انتاجية أعلى والتحكم فى المواصفات والجودة أعلى مع مساحة أرض أقل وكمية ماء أقل وتحكم فى المبيدات ، ولكن لكى نتوسع فيها لابد من الذهاب الى الأراضى القديمة اى الفلاح الذى لديه نصف فدان مثلا او ثلاثة قراريط مثلا وقد كان هناك تخوف أن تؤثر هذه الصوب على المزارع الصغير الذى ينتج خضر وفاكهة ولكن هذا غير صحيح ..تكلفة الصوبة اقتصادى ويمكن لأى شاب أن يقوم بهذا المشروع ويكون مربح له .
س: هل تستطيع مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح ؟ وكيف ؟
ج: مصطلح الاكتفاء الذاتى اختفى من العالم وتبدل الآن بمصطلح الأمن الغذائي فهو مفهوم أوسع  ، مثلا لو عندى  ميزة نسبية من الخضر والفاكهة أو القطن سيكون  لدى انتاحية وسعر أعلى من الدول المنافسة وكان لدى محاصيل أخرى ميزتى النسبية فيها أقل من الدول المنافسة فمن مصلحتى أن اتوسع فى إنتاج المحاصيل التى لدى فيها ميزة نسبية أعلى وأصدر الفائض والذى اصدره اقوم باستيراد بدل منه محاصيل ميزتى النسبية فيها أقل ، ولكن فى الحالات الطارئة مثل جائحة كورونا وغلق المطارات ومنع التصدير والاستيراد يكون ليس لدينا رفاهية تحمل هذا العبأ لذلك لابد من توفير الأمن الغذائي أو الاكتفاء الذاتي بنسبة آمنة من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح ،أى يظل لدى مخزون يكفيني ٦ شهور من بعض السلع وليس ضرورى أن أكون انا المنتج  بل يمكن استيراده … نسبة الاكتفاء الذاتي الان من القمح ٥٦٪ ورغيف الخبز يحتاج ٩ مليون طن من القمح ونحن ننتج (٩) مليون طن ونستورد قمح لتصنيع المخبوزات الأخرى والحلويات لنصل إلى (١٨) مليون طن اى نستورد (٩) مليون طن أخرى والهدف هو زيادة نسبة ٥٦٪ من الاكتفاء الذاتي إلى ٧٠٪ عن طريق التوسع فى مساحة القمح حتى نصل إلى (٤ )مليون فدان سنويا وتزيد الإنتاجية من( ١٨) إلى ( ٢٤) مليون طن … ليس لدى مشكلة فى اللحوم ولكن لدى مشكلة في الزيوت لأن نسبة الإكتفاء الذاتى منها ١٠ : ١٥٪ ، لذلك لابد من التوسع في زراعة الزيتون فالمساحة المنزرعة الان ١٥٠ الف فدان فقط ويجب زيادتها إلى ٢٤٠ الف فدان وهو يتحمل الملوحة ويتحمل الأراضي الهامشية فى مطروح وسيناء ، السكر ليس لدى مشكلة فيه لأن نسبة الإكتفاء الذاتى منه ٧٠٪ ونحن نتوسع فى زراعة البنجر رأسى وأفقى ، أما القصب نتوسع فيه رأسى ويمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي فى خلال سنتين من السكر والزيوت واللحوم والقمح ، اما البقوليات زراعة  حوالى ٣٠٠ الف فدان يجعلونى اكتفى ذاتيا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *