مقابلة مع «إحسان أمين الرعايا» حول الاتفاق النووي وتداعياته

 
البعض يقول إن الاتفاق يصب في مصلحة النظام الإيراني لأنه يمنح هذا الاتفاق تنازلات وامتيازات عدة للنظام الإيراني في مختلف المجالات. ما هو تعليقكم بشأن هذه المسألة؟
 أمين الرعايا: نعم، على وجه التحديد أود أن أؤكد على انسحاب وتنازل النظام الإيراني وكذلك فشل استراتيجية البرنامج النووي لنظام ولاية الفقيه. أما بالنسبة لما أشرت أنت إليه فإن هذا الاتفاق ينطوي على نقائص متعددة. هذا لا ريب فيه. ولو لم يكن كذلك لكان الاتفاق أكثر صرامة وشدة على نظام ولاية الفقيه لكن الحكومة الأمريكية قد أخذت ثمن هذا الاتفاق على حساب الشعب الإيراني وشعوب المنطقة بدلا من الضغط على النظام الإيراني. وعلى وجه عام، يجب أن نأخذ بالحسبان بأن كل إجراء لا يؤدي إلى تدمير المنشآت النووية للنظام الإيراني فإنه يعتبر ضعيفا وهشا. هذا أمر واضح تماما لكني أود أن أقول إن كل ما أشرنا إليه يعد جانبا كبيرا من الموضوع لكنه هناك وجه آخر في هذا الاتفاق وهو يكتسب أهمية بالغة وحاسمة. الوجه المبدئي هو أن نظام ولاية الفقيه قد انصاع لتعطيل برنامجه النووي بشكل مؤثر على الأقل لمدة 10سنوات. نعم، تعطيل البرنامج النووي لمدة 10سنوات وهذا ما حدث بالفعل. وما هي ميزة تطور الأحداث هذا؟ الميزة المحددة لهذا التغيير هي التفتيت في استراتيجية كان الولي الفقيه ينتهجها. ولا يمكن اعتبار هذا انسحابا تكتيكيا وقتيا أو مناورة. نعم هذه حقيقة أن البعض يبرهن أنه تم الاحتفاظ بهيكلة البرنامج النووي لكنهم لا يرون حقيقة أخرى ويغفلون عن التطورات السياسية التي تعتبر بؤرة هذا التغيير وتطور الأحداث بحيث أنهم يتجاهلون أو يتسترون على تغيير سياسي كبير من خلال تضخيمهم الوجه الآخر من الحقيقة. في عام 1976، قد كف نظام الشاه عن التعذيب والإعدام بشكل صامت البتة نتيجة الضغط الذي فرضت عليه سياسة حقوق الإنسان المتخذة من قبل كارتر. وتم الاحتفاظ بهيكلة مخابرات الشاه (ساواك) آنذاك. وكنا نستطيع أن نأتي بهذه الأدلة في ذلك الحين لكن ما كان يكتسب أهمية كبيرة هو إحداث تغيير كبير قد سطر مصير الشعب الإيراني بعد سنتين برغم من الاحتفاظ بهيكلة القوات الأمنية لنظام الشاه. وفي عام 1988، قبل الخميني الدجال قرار وقف إطلاق النار في بحبوحة الحرب المدمرة للوطن. وتم الاحتفاظ بالآلية الحربية للنظام الإيراني آنذاك لكن ذلك التغيير كان انسحابا وتجرع كأس السم حسب ما صرح به الخميني عينه. وإني أتعمد أن لا أتكلم عن آثار هذا الانسحاب والتنازل الذي ينصاع له الخامنئي بشأن برنامج النووي لأني أعتقد أن الأهمية الكبيرة لهذا الانسحاب لا تتعلق بآثاره الحالية. وكان الخميني قد راهن مصيره على الحرب. والآن قد راهن الخامنئي مصيره على البرنامج النووي. وما اتضح حتى الآن هو أن الخامنئي قد انصاع لظروف سحبت فيها الورقة النووية من أيديه
أنت تؤكد على أهمية هذا الانسحاب، ووفق هذا الموضوع أود أن أسألك عن فائدة كان يفيدها البرنامج النووي للنظام الإيراني؟ 
أمين الرعايا: هذا واضح تماما، إذا كان يحصل النظام على القنبلة النووية فإن ذلك الأمر كان يحيل دون سقوطه طبقا لدرس وعبرة أخذها النظام الإيراني من تجربة القذافي وصدام الحسين في العراق. هذا هو أمر واضح تماما أشير إليه مرارا وتكرارا وحتى أشار إليه الخامنئي مرتين أو ثلاث مرات على سبيل المثال في العامين الأخيرين. وأعتقد أن الورقة النووية لها أهمية كبيرة طبقا لمكانتها في معالجة مشاكل النظام في غضون الأعوام القادمة. وليس البرنامج النووي يشبه بمشروع صناعي أو اقتصادي عادي بحيث نقول بشأنه إنه يبدد استثمارات النظام الإيراني- ومن البديهي أنه يبدد الاستثمارات البتة- لكنه أعتقد أن ما يهمنا في المجال النووي هو أن هذا البرنامج يعتبر من أركان سلطة الولي الفقيه حيث تسبب هذا البرنامج في إحكام سلطة الولي الفقيه من أجل قمع المجتمع وتصدير الإرهاب إلى المنطقة برغم من أنه لم يصل إلى النهاية ونتيجته المرجوة. وكما لاحظتم خلال السنوات الـ5 و4 الماضية أن المفاوضات النووية كانت تجري بصورة سرية وعلنية مما كان يعتبر ورقة ضغط أجبرت الإدارة الأمريكية إلى الالتزام بالصمت واتخاذ سياسة المسايرة والمهادنة تجاه النظام الإيراني خاصة بشأن مجزرة ارتكبتها بحق الأشرفيين وتسليم إدارة أوباما ملف حماية الأشرفيين لحكومة المالكي وكذلك الصمت حيال نقل الأشرفيين قسريا إلى ليبرتي وثم مجازر اقترفت في مخيمي أشرف وليبرتي. وكل ذلك قد حدث إثر الصمت الأمريكي وسياسة المسايرة الأمريكية أثناء المفاوضات النووية كما أنكم تتذكرون أنه قبل سنتين وفي حين كان بشار الأسد يقصف شعبه بالقنابل الكيمياوية، قد أصبحت أمريكا وشيكة على شن غارات جوية على سوريا لكن مطالبة الخامنئي في رسالة أوصلها قاسم سليماني وفالح الفياض إلى أمريكا، قد تورعت عن شن الغارات الجوية مما أدى إلى تغيير مصير سوريا لمدة طويلة على الأقل وقتل 150ألف سوري على الأقل كضحايا. وبعد 3أشهر من ذلك، شاهدنا أول اتفاق نووي مؤقت في جنيف. وفي واقع الأمر أنهم أجبروا النظام الإيراني إلى الانسحاب لكن مجاهدي أشرف وشعوب المنطقة قد دفعوا ثمن هذا الإنسحاب. لكن الآن افتقد النظام الإيراني هذه الورقة المشؤومة.
فشل للاستراتيجية النووية للنظام الإيراني، فشل لاستراتيجية الولي الفقيه. هذه هي حقيقة يعيشها النظام الإيراني وهي تظهر أن ولاية الفقيه هي نمر ورقي افتقد في الوقت الحالي إحدى دعائمه الرئيسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *