بقلم/ د. علي الدرورة
اتصلت بي إحدى الفاضلات من اللّاتي أعرفهنّ معرفة تامة مساء يوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2022م لحضور اجتماع للعصف الذهني لجدولة فعاليات ثقافية، فلبّيت الدعوة فوراً، إذ وصلت لموقع الاجتماع في مقهى حديث في مدينة القطيف لم يسبق لي أن دخلته من قبل. كان في انتظاري ثلاث سيّدات ورجلان، وإحدى السيّدات ألتقي بها لأول مرة، وأحد الرجلين كذلك ألتقي به لأول مرة. الأمور سارت بهدوء، غير أنّي كنت متوجساً خيفة من أحد الرجلين، فهو منبوذ من صفحة حياتي؛ لسوء أعماله وتصرفاته السيئة في الأعوام السابقة. وأنا جالس على الطاولة تذكرت قول الشاعر: إذا رأيتَ نيوب الليثِ بارزةً فلا تظننَّ أنّ الليثَ يبتسمُ كلّما رأيته يوزع ابتساماته هنا وهناك فالأخوات هنا لا يعرفون تاريخه. وشخصياً لم أبدِ امتعاضاً ولا تذبدباً ولا أية حركة تسيء لأحد، وقد كتمت كلّ شيء وسارت الأمور على ما يرام وكأن لم يحدث شيء بيني وبينه في الماضي. تحدثت بكلّ هدوء وعفوية وعلى سليقتي ولم أتغيّر في طباعي مطلقاً، بل كنت ودوداً معه إلى حدود معقولة. قلت في نفسي إنّ السيدات واثقات من هذا الرجل وأتمنّى ألّا تشتكي إحداهنّ ذات يوم من سوء تصرفه أو عن قبيح أعماله؛ لأنه بلا شك يقدّم نفسه على أنه حكيم زمانه، وأنا أطبّق عليه قول الشاعر: لا تأمننّ الذئبَ حتى لو بدا حملاً فإنّ طِباعَهُ تتغلّبُ كانت لديَّ رغبة شديدة بعد الاجتماع في أن أحدّث السيدة رئيسة الجلسة عن ذلك الرجل، وبعد تفكير تراجعت وقلت في نفسي ربما تغيّر الرجل وتحسّنت أخلاقه فصرفت النظر وتذكرت كلمة قرآنية وهي (فَأَسَرَّهَا) يوسف ولم يُبْدِهَا. لو كنت أعرف بوجود ذلك الرجل لما لبّيت دعوة حضور الاجتماع، فمثله لا يشرفني الحضور معه، ولا حتى الجلوس معه على طاولة واحدة، ولكنّها الأقدار التي ساقتني إلى الاجتماع. ذلك الرجل لم يكن حسن الأخلاق ولم يكن قلبه نظيفاً ولا حتى حسن السريرة مطلقاً، ولو كنت الوحيد الذي يشتكي من سوء عمله لقلت المسألة بيني وبينه، ولكنّ الأمر أبعد من ذلك حيث اشتكت لي أكثر من سيّدة عن تصرفات بذيئة. وكعادتي، لا أحمل في قلبي على أحد، وأترك مسافة مرنة بالرغم من سوء ما حدث، وغفران الخطايا بين الناس هي من أعظم الحكم، وتنظيف القلوب من الدنس هو راحة، وترك مسافة بينك وبين من آذاك هو عين العقل، فالشارع المقدّس حثّ على ذلك. _