تهيمن أزمات العالم العربي من مشرقه إلى مغربه على أجواء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يحرص زعماء العالم على حضوره فيما يشبه سوق عكاظ سياسية لعقد صفقات دبلوماسية.
وتتوجه الأنظار، في هذا السياق، إلى القمة المقرر عقدها برئاسة باراك أوباما وبحضور عدد من قادة التحالف الدولي ضد “داعش” في سوريا والعراق، والذي تأسس قبل نحو عام.
ومن المنتظر أن تناقش القمة سبل الحدّ من تمدّد التنظيم، والذي بسط نفوذه في دول عدة بالمنطقة، والبحث عن خيارات بديلة تتيح تحقيق هذا المسعى.
وفي موازاة هذا التوجه الأمريكي، ستستخدم روسيا، بدورها، زخمها الدبلوماسي عبر حضور نادر للرئيس فلاديمير بوتين، في مؤشر على الأهمية التي توليها موسكو لهذه المناسبة.
وتشير مصادر إلى أن بوتين سيطرح مبادرته حول سوريا، والتي تتصدرها مكافحة الإرهاب، وكيفية إشراك نظام الرئيس بشار الأسد في هذا الجهد الذي قد يتكامل مع جهود التحالف الذي تقوده واشنطن.
ومن المرجح أن يلتقي الزعيمان الروسي والأمريكي على هامش الاجتماعات للبحث في مغزى التحشدات العسكرية الروسية في سوريا، وسبل التنسيق من أجل محاربة داعش.
وفي الشأن السوري كذلك، ستنتقل قضية المهاجرين السوريين من القارة الأوروبية إلى أروقة الأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن تشغل القضية حيزا كبيرا من المناقشات، وهو ما أكده رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة موجنز ليكتوفت الذي قال إن “قضية تدفق المهاجرين إلى أوروبا ستحتل الأولوية”.
وستُشكل اللقاءات كذلك، فرصة للوقوف على آخر التطورات في ما يتعلق بمسار الحل السياسي السوري وخطط المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا المتعثرة.
قنبلة عباس
وإلى جانب الجدل المتواصل حول رفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة، كشفت مصادر مقربة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن عزم الأخير تفجير قنبلة خلال كلمته.
وذكر مسؤول بارز في السلطة الفلسطينية أن ثمة “قنبلة” سيفجرها عباس أمام الأمم المتحدة، وهي إعلان فلسطين “دولة تحت الاحتلال” الإسرائيلي، مما يعني بموجب ذلك أن إسرائيل هي المسؤولة عن “الدولة الفلسطينية” أمام المجتمع الدولي، وستتحمل تبعات الحكم في الضفة الغربية.
كما ستتضمن كلمة عباس أيضاً إلغاء كل الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، بما فيها اتفاقية أوسلو، واحتمال حل السلطة الفلسطينية، بحسب المصادر ذاتها.
وستحضر فلسطين، كذلك، من بوابة المسجد الأقصى التي تشهد تصعيدا اسرائيليا في محاولة للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد، فضلا عن قضية الاستيطان وجهود إعادة إعمار غزة.
إلى ذلك، ستأخذ ليبيا حصتها من النقاشات، وخصوصا المحاولات الأممية الهادفة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية ى تضم مختلف الفرقاء الليبيين.
وسيكون العراق كذلك حاضرا بكل همومه وأزماته بدءا من تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة منه، وليس انتهاء بالاحتجاجات التي عصفت بالبلد المضطرب ومحاولات رئيس الوزراء حيدر العبادي تطبيق إصلاحات جذرية بعد إرث ثقيل من الفساد والاستبداد.
وستنتقل كذلك أصداء الحرب اليمنية إلى أروقة المنظمة الدولية في محاولة لايجاد تسوية قد تقود هذا البلد، الذي يوصف بـ”السعيد”، نحو بر الأمان.
وستفوح روائح النفايات اللبنانية لتزكم أنوف المشاركين الذين سيبحثون أزمة الفراغ الرئاسي، وطوفان اللاجئين السوريين الذي يرهق كاهل البلد الصغير.
ودارت التكهنات حول نية الرئيس السوداني عمر البشير، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، حضور الاجتماعات، غير أن تقارير ناقضت ذلك، وأفادت أن السودان سيمثل بوزير خارجيته الذي سيطرح كذلك أزمات بلاده المتفاقمة وصولا إلى جنوب السودان؛ الدولة الفتية التي تبحث عن اتفاق لتقاسم السلطة مع المعارضة.
ومن المنتظر أن يتحدث أمراء وملوك عدة دول عربية ومنها مصر والأردن وقطر وفلسطين والمغرب والبحرين، فيما ستحضر سوريا بنائب لوزير الخارجية.
وستتوجه الأنظار كذلك إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي سيحظى باهتمام خاص وخصوصا بعد التوقيع على الاتفاق النووي الذي سيحتل حيزا واسعا من النقاشات، ومن غير الواضح إذا ما كان أوباما سيجتمع مع الرئيس الإيراني.
ويرى خبراء أن هذه الملفات العربية التي تتزاحم في جلسات الأمم المتحدة تشير إلى “إخفاق الربيع العربي في إيجاد حلول للمشكلات المستعصية”، موضحين أن “الحراك الذي انطلق قبل نحو خمس سنوات ولد نوعا من الاحباط الذي راح يتجسد في العنف والتشدد”.
وأوضح الخبراء أن خارطة النزاعات العربية تمتد من المحيط إلى الخليج وترسم مشهدا قاتما، وهو ما يشير إلى أن العرب صناع للمشاكل والأزمات لكنهم فاشلون في إيجاد الحلول”.
وأعرب الخبراء عن أملهم في أن يبحث صناع القرار العربي عن خيارات وسياسات بديلة قد تسهم في التخفيف من حدة الأزمات.
كاسترو في نيويورك بعد نصف قرن
وبعيدا عن هموم العرب، وفي حدث استثنائي، من المقرر ان يلقي الرئيس الكوبي راؤول كاسترو كلمة.
وذكر أحدث جدول معلن للتجمع السنوي لزعماء العالم أن كاسترو سيتحدث بعد يوم 28 سبتمبر ايلول في نفس اليوم الذي يتحدث فيه زعماء أمريكا وروسيا والصين وإيران.
وتتوقع مصادر أن يعقد كاسترو وأوباما قمة نادرة على هامش أعمال الجمعية العامة.
وستكون هذه هي أول زيارة للولايات المتحدة يقوم بها كاسترو (84 عاما) بصفته رئيسا لكوبا بعد ان تسلم السلطة من شقيقه المريض فيدل كاسترو بصفة مؤقتة في عام 2006 ثم بصفة دائمة في عام 2008 .
وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وهافانا في 20 يوليو تموز بعد انقطاعها لمدة 54 عاما.
وبعد غياب دام عشرين عاماً سيُشارك بابا الفاتيكان في الاجتماعات أيضاً، في زيارة توصف بـ”التاريخية”، على أن يُلقي كلمته في 25 سبتمبر/أيلول، ويقوم بعدها بزيارة مدن أميركية عدة.
ويرى خبراء أن هذه الدورة التي تنطلق في الذكرى السبعين لقيام الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ستمتاز بمشاركة عدد قياسي من الرؤساء ورؤساء الحكومات.
وقد أعلنت في هذا السياق، ممثليات أكثر من 160 دولة عن حضور رؤسائها لاجتماعات الجمعية، وتقديم كلمة بلادهم أمام الجمعية العامة.
ومن المنتظر أن يثير أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة مسائل تتعلق بالتمثيل العادل في مجلس الأمن وزيادة عدد الأعضاء، والمقصود هنا مسألة حق النقض (فيتو)، والذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهي بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين.
وتزداد الشكوك بقدرة الأمم المتحدة على القيام بدورها المفترض بشكل فعّال، في عالم يصطخب بالحروب والنزاعات والأزمات.
ويقول خبراء أن هذه الدورة تحمل في أجندتها عددا قياسيا من القضايا، منها أكبر التحديات المعاصرة التي يواجهها العالم من قبيل المناخ والبيئة والتنمية المستدامة وقضايا الصحة والتعليم، وإعادة إنعاش الاقتصاد العالمي، فضلا عن ملف العنف والإرهاب.
وستشهد الدورة السبعين حملة انتخابات أمين عام جديد للأمم المتحدة خلفا للأمين الحالي بان كي مون المنتهية ولايته.