مضت 3 أشهر على تكليف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة القوات المسلحة بوقف المواجهات الطائفية، وضبط الأمن، في محافظة غرداية( 600 كلم جنوب العاصمة الجزائرية) ، فترة كانت كافية للجيش للقيام بهذه المهمة، بحسب أعيان في المدينة.
القرار الذي أصدره بوتفليقة يوم 9 يوليو/تموز الماضي، ونشره بيان لمجلس الوزراء، أشار إلى تكليف لواء في الجيش بتسيير عملية إعادة الأمن والاستقرار، بعد ساعات من مقتل 21 شخصاً في مواجهات طائفية بين العرب المالكيين والأمازيغ الإباضيين، في المحافظة التي شهدت أعمال عنف متقطعة بدأت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2013.
ومنذ تكليف الجيش بإدارة عملية إعادة الاستقرار لمحافظة غرداية، توقفت المواجهات الطائفية بين الطرفين.
ويقول جلمام محسن، وهو عضو في المجلس المحلي بالمحافظة: “للمرة الأولى منذ سنتين تقريباً، نعيش في غرداية حالة من الهدوء والاستقرار تواصلت 3 أشهر” .
وأضاف في حديث مع الأناضول:”بدأت الأسر التي غادرت بيوتها بسبب المواجهات الطائفية، في العودة بعد حالة الهدوء والاستقرار التي سادت المنطقة”.
وكانت أكثر من 800 أسرة قد غادرت بيوتها، بسبب تلك المواجهات التي شهدتها المحافظة.
ووفق بيانات صادرة عن محافظ غرداية، فإن عملية عودة الأسر التي غادرت بيوتها، انطلقت في سبتمبر/ أيلول الماضي.
من جهته، قال خديم عبد الله، وهو واحد من الذين عادوا إلى بيوتهم في بلدة بريان، للأناضول: “لقد حصلنا على مساعدة مالية (لم يحدد قيمتها) من السلطات، من أجل ترميم منزلنا الذي تعرض للتخريب، ونحن بصدد العودة للاستقرار فيه”.
وفي كل مكان تقريباً في بلدات بريان، والقرارة، وعاصمة محافظة غرداية، تنتشر حواجز أمنية للشرطة (تابعة للداخلية)، والدرك (تابعة للدفاع)، للبحث عن أشخاص محل شبهة بالمشاركة في أعمال العنف.
ويقول مصدق محمد، سائق أجرة من غرداية، للأناضول: “منذ 3 أشهر بات حمل آي سلاح أبيض سواء سكين، أو قضيب حديدي، في المدينة ممنوعاً، وقد يُحبس الشخص الذي يُضبط لديه مثل هذا النوع من السلاح، وهذا الإجراء أدى إلى إعادة الأمن والاستقرار في المحافظة”.
ويعتقد حنافي كنتور، المتخصص في القانون الدستوري من جامعة “ابن خلدون” الجزائرية، أن “المشكلة التي واجهت قوات الشرطة في منطقة غرداية، ومنعتها من فرض الأمن، هي في القوانين التي تمنعها من استعمال القوة المفرطة لضبط الأمن في مواجهة نزاع طائفي شديد العنف”.
وأضاف في حديث مع الأناضول أن “السلطات فهمت متأخراً، أن الجيش هو القوة الكفيلة بفرض الأمن.. وبعد إلغاء حالة الطوارئ في البلاد، عام 2011، باتت قوات الأمن عاجزة عن مواجهة أعمال العنف، إلا أن تكليف الجيش بضبط الأمن في غرداية وضع المدينة في حالة أشبه بحالة الطوارئ”.
بدوره قال جودي عبد النصير، عضو سابق في المجلس الاقتصادي والاجتماعي (هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية) للأناضول إن “قرار الرئيس الذي تضمنه بيان مجلس الوزراء، يعني ضمنياً أن محافظة غرداية تخضع جزئياً لحكم عسكري”.
ورأى أن هذا القرار جاء “من أجل فرض النظام والسلم في المحافظة”، مستطرداً “يبدو أن قوات الشرطة التي تم تكليفها بحفظ الأمن في المدينة طيلة أشهر عديدة، عجزت عن فرض الأمن فيها، بسبب عدم وجود صلاحيات لدى هذه القوات لاستعمال القوة المفرطة لفض المواجهات الطائفية”.
وفي وقت لم يتضح فيه عدد القوات التي تم نشرها في غرداية، بعد قرار الرئيس، قال مصدر أمني للأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن “قيادة القوات المسلحة نشرت أكثر من 4 آلاف عسكري”.
وأضاف أن “السلطات نشرت، قبل ذلك القرار، وحدات تَدَخل متخصصة في مكافحة الشغب تابعة للشرطة، والدرك الوطني، يبلغ تعدادها 8 آلاف عنصر للتدخل، من أجل إعادة الاستقرار في المدينة”.
وقالت صحف جزائرية عديدة إن “قوات الجيش التي نُقلت إلى غرداية، وُضعت تحت تصرف القيادة العسكرية، دون أن تتدخل مباشرة لوقف المواجهات الطائفية بين العرب المالكيين والأمازيغ الميزابيين الإباضيين”.
من جانبه، قال طاهري أبو حفص، أحد أعيان مدينة غرداية إن “القوات الأمنية التي يزيد عددها عن 8 آلاف عنصر، كانت أكثر من كافية، لإعادة الأمن والاستقرار، إلا أن المشكلة بالنسبة لوحدات التدخل كانت في التعليمات التي فُرضت على هذه القوات بعدم استعمال العنف ضد المشاركين في المواجهات “.
وأوضح أبو حفص للأناضول، أن “الحد الأقصى المسموح بالتعامل به من جانب الشرطة، كان استعمال الغاز المسيل للدموع، وهو ما لا يتناسب مع مواجهة أعمال عنف طائفية”.
حمو حسين، أحد أعيان المحافظة، هو الآخر قال إن “قرار فرض الأمن في غرداية عن طريق الجيش، أدى إلى عودة الهدوء، رغم أن قوات التدخل لم تمارس أي عنف، بل إنها لم تضطر للتدخل منذ تكليفها بفرض الأمن في المدينة”.
ويرى حسين أن تكليف الجيش بضبط الأمن في المدينة “أعطى لعملية فرض الأمن مصداقية، وأدى إلى نشر الطمأنينة في المدينة”.