مولد العارف بالله سيدى أحمد البدوى، يعد أحد المشاهد المميزة لمدينة طنطا بالغربية، حيث يأتيه المريدين من كل بلاد الدنيا، ويصل عدد زائريه إلى مليون شحص.
وتتحول الساحة الأحمدية فى فترة المولد، إلى مكان للعبادة والتسوق واكتساب لقمة العيش، حيث تتجاور أذكار ومدائح الصوفية ومحبى شيخ العرب، مع أصوات الباعة.
وتنزامن فترة الاحتفال بمولد السيد البدوى، مع العيد القومى لمحافظة الغربية، حيث اختارت المحافظة يوم 7أكتوبر من كل عام، عيداً قومياً لها، ففى هذ االتاريخ، 7 أكتوبر 1798 وصل الكولونيل الفرنسى “لو فيفر” إلى طنطا، ورابط بجنوده أمامها، وأرسل إلى حاكم المدينة سليم الشوربجى، يأمره بإرسال 4 من كبراء المدينة ليكونوا رهائن عنده حتى تستقر الأمور.
لكن الشوربجى ارسل له 4 من أئمة مسجد السيد أحمد البدوى، وعندما هم “لو فيفر” بإرسال الرهائن إلى القاهرة، هرع الأهالى بالبنادق والحراب، وهم يصيحون صيحات الغضب والثأر، ويرفعون بيارق الطرق الصوفية على اختلاف أنواعها، واندفعوا إلى الكتيبة الفرنسية، فقامت معركة كبيرة بين الطرفين استمرت عدة ساعات.
ورغم التفاوت الواضح فى قوة السلاح بين الطرفين، إلا أن “لو فيفر” رأى أن عدد جنوده لا يستطيع الصمود أمام الجموع الغفيرة للأهالى، فبادر بالإفراج عن الرهائن، وانتصرت ارادة شعب طنطا وجماهير الزاهدين حول البدوى، وبات هذا اليوم عيدا قوميا للمحافظة، ليرتبط مع ذكرى الاحتفال بمولد شيخ العرب، وانتصار الغرباوية على قوات “لوفيفر” والحملة الفرنسية.
قوات أمن الغربية، عززت من تواجدها بمحيط مكان الاحتفال، والذي يشمل منطقة مسجد البدوى، ومنطقة وقف البدوى، وتم نشر الدوريات الأمنية وكواشف المفرقعات، فيما خصصت المحافظة سيارات لنقل المواطنين إلى مكان المولد، وتقوم سيارات أخرى بتوزيع الخبز، وتم فتح المجازر مجانا لأصحاب ذبائح النذور.
أما الساحة الأحمدية، فتحولت إلى مكان للفسحة والتسوق ومظاهر العبادة، أذكار الصوفية، والفلاحين الذين جاؤوا من قراهم للتبرك بالبدوى وشراء الحمص والحلوى والمشبك كعادتهم كل سنة.
ويترقب الجميع الليلة الختامية، والتى يحييها عادة شيخ المداحين، ياسين التهامى، حيث يدوى صوته العذب أرجاء الساحة الأحمدية، وسط حضور عريض لرجال الصوفية والمواطنين البسطاء والزوار العرب، الذين يأتون من شتى البلاد العربية، لتتحول السرادقات المقامة حول البدوى بميدان المحطة والمقامة بوقف السيد البدوى، إلى خلية نحل.
الصوفية وأهل الطرق وأصحاب الخيام، ينشدون مع المداحين هائمين فى حب الله والرسول، ويذكرون بالخير شيخ العرب الملثم، العابد، الذى استطاع أن يقود شعب الدلتا للإنتصار على الصليبين فى معركة دمياط والمنصورة، وأسر لويس التاسع، وحينما تفاوض البدوى وجند المحروسة مع قادات الجيش الصليبى، للإفراج عن الأسرى، هتف محبى البدوى “الله الله يابدوى.. جاب الأسرى”، وهذه المقولة تحولت بعد ذلك فى أغانى المنشدين إلى “الله.. الله يا بدوى.. جاب اليسرى”.
سعادة بالغة تعم أهالى المدينة، فالأطفال يحتفلون فى الصباح وسط المراجيح وشراء اللعب واللهو فى الساحة الأحمدية، والتى تحولت إلى ما يشبه الكرنفال الشعبى، وفى المساء تبدأ الأناشيد والأذكار.
السفير الأمريكى السابق بالقاهرة، ريتشارد دونى، كان من عشاق مولد شيخ العرب، حت ىأطلق عليه لقب “عاشق البدوى”، وكان دائما أثناء تواجده فى مصر، حريصا على حضور المولد الأحمدى، والإستماع إلى مشايخ ومداحى الطرق الصوفية، وكان يقول “ما يحدث فى البدوى فلكلور عالمى يجب الحفاظ عليه”.
ومن أشهر المشاركين من الصوفية فى ساحة البدوى، الطريقة الرفاعية، والطريقة المغازية، والطريقة الجمالية، والصاوية، والخلوتية، وغيرها من رموز الطرق الصوفية، فضلا عن الخيام المفتوحة للمواطنين والت ىتقدم للجميع الطعام والشراب، فى مظهر رائع من التكافل الإجتماعى، فضلا عن رواد وحفظة القرآن، الذين يقيمون سرادقات واماكن خاصة بهم، يعلمون النشء تعاليم القرآن ويساعدونهم على حفظ كتاب الله، فضلاعن تواجد الباعة السريحة بكل لوازم الحياة اليومية، لكى “يسترزقون” من رواد شيخ العرب، وتعد الإحتفالية بالنسبة لهم موسما لكسب العيش.