كشفت التطورات الميدانية والمعلومات الاستخباراتية عن القوى والتنظيمات والمليشيات العسكرية المختلفة التي تعمل في اليمن، وهي حلف ثلاثي يضم الحوثيين وقوات صالح من جانب، والتنظيمات المتطرفة كالقاعدة وداعش، إضافة إلى حزب الإصلاح الذي يعد الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين من جانب آخر.
وبالرغم مما يبدو من تناقضات مذهبية وسياسية بين هذه الأطراف إلا أن العداء المشترك الذي تبديه هذه الأطراف الثلاثة للشرعية والتحالف العربي الذي يدعمها مهد لتعاون ميداني ترعاه وتدعمه إيران بهدف عرقلة عودة الشرعية وإطالة أمد النزاع وحالة عدم الاستقرار .
وتظهر المعلومات التي جمعتها أجهزة الاستخبارات في دول التحالف وغيرها، أن هذا الحلف ليس جديدا وأن الحسابات الحزبية والمذهبية استخدمت في مراحل تاريخية لتحديد مسار وتطورات الحياة السياسية في اليمن.
العلاقات بين الحوثيين والإخوان
قد يبدو أمر اتفاق الحوثيين وحزب الإصلاح ضربا من ضروب المستحيل أو إحدى الفبركات الإعلامية التي يراد منها ضرب طرف سياسي بآخر، ولكن في الواقع أن الخلاف بين الحوثيين الذين يمثلون التيار الشيعي والإصلاحيين الذين يمثلون التيار السني هو خلاف إيديولوجي فقط، لكنهما مصلحيا يتقاطعان مع بعضهما بقضايا سياسية مشتركة كثيرة ليس خلال الزمن القريب المنظور بل منذ أمد بعيد.
وكشفت تقارير محلية ودولية عن خفايا الحروب الستة التي شنها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بقيادة اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع والقيادي البارز في حزب الإصلاح الذي كان حليفاً قوياً له، على ميليشيات الحوثيين في صعدة منذ العام 2004 وحتى 2009، أن هذه الحروب التي تمت باتفاق بين الطرفين لم تكن لخلافات سياسية مع الحوثيين بل لابتزاز السعودية وتشكيل كيان قوي مناهض لها في اليمن، وهو الأمر الذي كشفته الاستخبارات السعودية مؤخراً، وعلى إثر ذلك توقفت المملكة عن دعم صالح وتصنيف حزب الإصلاح والحوثيين كجماعات إرهابية.
وفي العلن أبرمت العديد من الاتفاقات بين الحوثيين والإصلاحيين باليمن، منها ماتم في محافظة الجوف في 2011 لإنهاء الصراع الدائر هناك بين الطرفين، وآخرها الاتفاق الذي تم في 2014 عقب سيطرة ميليشيات الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء، وسفر قيادات من حزب الإصلاح الى صعدة للقاء زعيم الحوثيين وإبرام اتفاقية جديدة معه.
وبحسب تقارير دولية لم يكن اللقاء بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية لمنع انزلاق اليمن في أتون الحرب والفوضى وتغليب الحوار كما أعلن، بل كان أبعد من ذلك، حيث تم التوافق فيه على عدة نقاط منها إدارة الحرب الأخيرة التي شنتها ميليشيات الحوثي وقوات صالح على محافظات جنوبية وإغراقها في مستنقع الجماعات الإرهابية، وإبعاد الرئيس هادي عن أي مشهد سياسي في البلاد .
وأشارت مصادر خاصة لشبكة إرم الإخبارية أن الاستخبارات السعودية والإماراتية، كانت على علم بكل هذه الاتفاقات، الأمر الذي دفعهما الى سرعة انتشال هادي ونقله الى الرياض مبكراً، ورافق ذلك مراجعة من المملكة لحدود تعاملها مع حزب الإصلاح اليمني، في حين قطعت الإمارات تعاملها معه، علما بأن الحزب صنف من قبل السعودية والإمارات بالتنظيم الإرهابي إلى جانب جماعة الحوثيين.
وجاء تصنيف السعودية والإمارات ودول عربية أخرى حزب الإصلاح اليمني بالتنظيم الإرهابي بعد تحقيقات مكثفة أجرتها أجهزة الاستخبارات في تلك الدول وعلى رأسهما المملكة السعودية ودولة الإمارات، وكشفت ضلوع الإصلاح اليمني بتغذية تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش وتنظيم ما يسمى جيش عدن أبين الإسلامي المتفرع من القاعدة، بالمال والعتاد العسكري والعناصر المقاتلة، وهي ذات التنظيمات التي ظهرت بشكل واضح في مدينة عدن بعد تحريرها من قبضة ميليشيات الانقلاب الحوثي وقوات صالح في يوليو/تموز الماضي، ونفذت تفجيرات انتحارية عديدة أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين والعسكريين منهم 4 من جنود الإمارات المتواجدين في المدينة .
وحسب مراقبين من بينهم الصحفي اليمني صالح أبو عوذل أن الإخوان وفق جميع المعطيات يعدون الحليف الاستراتيجي لصالح والحوثيين، فهناك قواسم مشتركة تجمع الأطراف الثلاثة، من بينها أن جماعة الإخوان تريد الانتقام من دول الخليج على وقوفها إلى جانب الرئيس عبدالفتاح السيسي وكذا تصنيف الجماعة قبل سنوات من قبل دول الخليج كجماعة إرهابية.
وأضاف أبو عوذل أن القاسم الأهم والمشترك الذي يجمع ثلاثي الشر في اليمن (المخلوع – الحوثي – الإخوان) هو الاتفاق على عدم ذهاب الجنوبيين نحو تقرير مصيرهم، والحفاظ على ما يزعمون أنها “وحدة يمنية” يرون أنها هي من ستحفظ لهم تدفق الأموال والثروات إلى خزائنهم، ومصالحهم في جنوب اليمن.
وتابع لقد تحالف في العلن الإخوان مع جماعة الحوثي، عقب هزيمتهم في معركة عمران القريبة من صنعاء، مطلع يوليو (تموز) 2014، وكان الإخوان يعتقدون أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أو بالأحرى اتهموا الرئيس هادي بأنه من يقف وراء هزيمتهم في معركة عمران في يوليو/تموز 2014، لكن عقب هزيمة عمران خرج الإخوان في تصريحات يؤكدون فيها أنهم لن يقاتلوا نيابة عن حكومة الرئيس هادي، على الرغم من أن الحرب التي كانت تدور في بلدات متاخمة للعاصمة اليمنية صنعاء كانت تحت شعار (مذهبي).
وأوضح أنه في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، أعلن الإخوان عن فتح صفحة جديدة مع الحوثيين وطي ما وصفوها بصفحة الماضي، في أول تحالف علني لهم مع الجماعة التي ظلت تحاربهم لسنوات على أساس طائفي، مشيراً إلى أن رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح زيد الشامي والناطق الرسمي للحزب سعيد شمسان، التقوا زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في معقله بصعدة في أقصى الشمال.
واكد أنه عقب تمكن جماعة الحوثي وصالح من السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء والانطلاق صوب الجنوب لإسقاطه، أعلن الإخوان المسلمون تحالفهم مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، عبر رئيس الكتلة البرلمانية للحزب زيد الشامي الذي طالب بضرورة إعادة النظر في السياسة الإعلامية تجاه علي عبد الله صالح، وشنت عقب ذلك وسائل إعلام الإخوان هجوماً عنيفاً علي الرئيس هادي حيث أكدت وسائل الإعلام الإخوانية أن مصالحة الإصلاح والمؤتمر أرعبت الرئيس عبد ربه منصور هادي”.
من التحالف السري للعمل الميداني
وفي إطار تقاطع المصالح وجدت الحرب التي شنتها ميليشيات الحوثيين وقوات الرئيس السابق على مدينة عدن وبقية المحافظات الجنوبية الأخرى، وقف حزب الإصلاح اليمني على الحياد ولم يشارك عناصره في الحرب التي شنتها الكيانات والأطياف السياسية والدينية ضد هذه الميليشيات الانقلابية التي تعد عدواً واحداً مشتركاً فيما بينهم، مثلما فعل السلفيون والحراك الجنوبي، واكتفى الحزب بالاستحواذ على المساجد والمعونات الإغاثية التي تصل الى المدينة.
وكان طلب الإمارات الذي وجهته لمحافظ عدن السابق نايف البكري بضرورة تقديم استقالته من حزب الإصلاح اليمني باعتباره تنظيما إرهابيا كي تتمكن دولة الإمارات من التعامل مع الجهة الرسمية في عدن بعيداً عن هذا الحزب، له وقع خاص أظهر الحزب بعدها حربه على دولة الإمارات قيادة وشعبا.
وعقب تحرير عدن في يوليو/تموز الماضي الذي شاركت فيه دولة الإمارات مع عناصر المقاومة الجنوبية، بدأت ما يسمى بالتنظيمات الإرهابية بالظهور بشكل علني في المدينة لاسيما تنظيم القاعدة وما يسمى بـ “داعش” التي تبنى التفجيرات التي طالت المقر المؤقت للحكومة اليمنية في فندق القصر ومقر القوات الإماراتية غرب عدن في 6 أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري وأسفر عن مقتل 4 جنود إمارتيين وإصابة آخرين .
وقبل ذلك ما تم من قصف استهدف مقر القوات العربية المشتركة في منطقة صافر بمحافظة مأرب واستشهد فيها ما يقرب من 50 جندياً إمارتياً و10 سعوديين و 5 بحرينيين الى جانب 20 جندياً يمنياً .
ويقول الصحفي صالح ابو عوذل إن “حادثة صافر المتسبب فيها جماعة الإخوان في اليمن، وحاول الإخوان تحاشي الفضيحة، لتظهر وسائل الإعلام الإخوانية تهاجم دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث قامت باتهام الإمارات أنها أخفت معلومات عن مخازن أسلحة تابعة لقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كان يقودها الأحمر القيادي الإخواني المعروف، فهل يعقل أن تخفي دولة تشارك ضمن التحالف العربي الداعم لهدف بعينه معلومات رفض أصحابها الكشف عنها”.