لم يمر استقبال العاهل الأردني لأبناء مدينة معان في الديوان الملكي في العاصمة عمان أمس كباقي الأخبار الرئيسية المعتادة في الأردن، فأبناء المدينة الصحراوية الرابضة أقصى جنوب المملكة يحملون معهم عبق الماضي كعاصمة أولى للإمارة قبل تحولها لمملكة، واسم المدينة يحيل الأردنيين جميعا إلى صورتها النمطية التي ترسخت عبر عدد من الأزمات المتتالية مع الحكومات الأردنية المتعاقبة بما جعلها عنوانا لمدينة الأزمة المفتوحة .
الأزمة المفتوحة في هذه المدينة تعود تاريخيا إلى عام 1989 حين خرج أبناؤها فيما عرف بـ”هبة نيسان” للمطالبة بتحسين ظروف المدينة الاقتصادية، وتطورت بعد ذلك إلى مطالبات سياسية بعودة الحياة الديمقراطية وهو ما تحقق بعد ذلك بإنهاء حالة الأحكام العرفية، وعرفت معان بعد ذلك بوصفها أقوى معاقل التنظيم السلفي الجهادي، وتعجّ جدرانها بشعارات مؤيدة لتنظيم داعش، ما جعلها ساحة مواجهة بين الحين والأخر مع قوات الأمن.
وتكشف إحصائيات غير رسمية وجود 2500 أردني يقاتلون في صفوف تنظيمات كداعش والنصرة في سوريا والعراق نسبة كبيرة منهم من أبناء المدينة ، وشهدت معان هذا العام مواجهات بين مطلوبين وقوات الأمن أسفرت عن مقتل 3 من أبنائها ، حيث أصدر العاهل الأردني قرارا بإقالة وزير الداخلية ومديري الأمن العام وقوات الدرك بعد يوم واحد من زيارة أمنية قام بها الوزير إلى معان، تعهد خلالها بفرض الأمن والقبض على جميع المطلوبين فيها ، حيث خرج أبناء معان فرحين بهذا القرار الذي اعتبروه إنصافا لهم في وجه الحلول الأمنية.
الملك: معان لينا وحقها علينا
العبارة السابقة جاءت على لسان العاهل الأردني أمس، وهي تعتبر أهزوجة يرددها أبناء العشائر في معان كتعبير عن فرط حبهم للمدينة، قالها لهم الملك أمس مؤكدا أنه معهم في خندق واحد لتنمية المدينة وتحسين ظروفها الاقتصادية ، وان كان الملك ركز على الجانب التنموي وهو ما يطالب به أهالي المدينة الذين يشتكون “إهمال الحكومات المتعاقبة لهم والتعامل الأمني فقط مع هذه المدينة ما فاقم من أزمات المدينة” بحسب ما يقول رئيس بلديتها ماجد الشراري.
وأوضح الشراري في حديث لـشبكة ” إرم” أن المطلوب إيجاد حل لأزمات المدينة عبر الحوار الحقيقي مع أبنائها و معرفة مشاكلهم وحل أزمة المدينة المفتوحة منذ أعوام دون حل جذري.
بدوره قال رئيس غرفة تجارة معان عبد الله صلاح لشبكة إرم ” إن اللقاء تطرق للشق التنموي والاقتصادي للمدينة إلا أن المشكلة الأمنية التي عانت منها المدينة منذ مدة طويلة كانت حاضرة في اللقاء ، خاصة لدى ذكر الملك التخوفات الأردنية فيما يتعلق بالحدود الشمالية مع سوريا وامتداد القصف الجوي الروسي لمدينة درعا المحاذية للأردن”.
ولدى سؤاله عن أبناء المدينة الملتحقين بداعش والنصرة ومنهم نجله الذي التحق بصفوف النصرة ثم عاد للأردن بعد “أن تكشف لهم أن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة دولية ” حسب قوله ، اعتبر صلاح أن اغلب الملتحقين بصفوف هذه التنظيمات من أبناء المدينة التحقوا بها بدافع “النخوة والحمية ” وبتأثير من الإعلام وليس بدافع أيديولوجي، معتبرا أن اللقاء الملكي من اجل إيجاد تنمية اقتصادية إضافة للحوار مع الشباب يخلق بيئة معادية لنمو الفكر المتطرف.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية سعد أبو دية إن مشكلة المدينة ناتجة عن عدم وجود تواصل بين الحكومة وأبناء معان ، إضافة إلى شكاوي المعانيين المتكررة من الخشونة الأمنية مع المطلوبين منها حيث قتل نحو35 شابا في اشتباكات مع الأمن منذ عام 1989.
ويرى أبو دية الذي ينحدر من معان ضرورة إبقاء قناة حوار مستمرة بين الدولة وأبناء المدينة ، وأهمية الإبقاء على النهج التواصلي لإنهاء شعور أبناء المدينة بالتهميش.