تصاعدت وتيرة الاعتداءات الانتقامية ضد مسلمي فرنسا، بعد الهجمات الأخيرة التي شهدتها باريس قبل نحو أسبوع، والتي أسفرت عن مقتل 130 شخصاً، وإصابة 300، فيما طالب شيخ الأزهر، أحمد الطيب، أبناء الغرب، بـ”ألا يردوا على الإرهاب بالإرهاب”.
وقال المرصد الوطني لمناهضة الخوف من الإسلام -وهو مؤسسة تربطها صلات بالمجلس الإسلامي الفرنسي- إن “32 حادثة مناهضة للمسلمين وقعت الأسبوع الماضي”.
وأشار المرصد، إلى أنه “عادة ما يتلقى ما يتراوح بين أربع وخمس شكاوى من مسلمين مضطهدين أسبوعياً”، فيما ذكرت جمعية التصدي للخوف من الإسلام في فرنسا -وهي منظمة مستقلة- إنها سجلت 29 حادثة.
وسجل المرصد 178 حادثة مناهضة للمسلمين في كانون الثاني/ يناير الماضي، بعد هجوم إسلاميين متشددين على صحيفة “شارلي إبدو” ومتجر للأطعمة اليهودية في الشهر ذاته.
وتوقع مزيداً من الحوادث في الأسابيع المقبلة، “لأن هجمات الأسبوع الماضي شجعت جماعات قومية متطرفة واليمين المتطرف وعنصريين على استهداف المسلمين”.
من جانبه، قال ياسر اللواتي، وهو متحدث باسم جمعية التصدي للخوف من الإسلام، إن “مكتبه تلقى سيلاً من التقارير والشكاوى من مسلمين وكذلك اتصالات تطلب النصيحة وتتساءل عما إذا كان ذهاب الأطفال للمدارس آمناً”.
وأضاف “أصبح المسلمون هم العدو في الداخل”، مشيراً إلى أن “اهتمام وسائل الإعلام بهذه الحوادث كان متفاوتاً”.
وأشار اللواتي إلى بعض الحوادث التي حدثت أخيراً، ومنها “لكم رجل لشابة محجبة في مدينة مرسيليا، الأربعاء الماضي، وقطع ملابسها بآلة حادة ووصفها بأنها إرهابية في حادثة تناولتها وسائل الإعلام على نطاق واسع”.
وتابع اللواتي أن “مهاجماً صدم محجبة أخرى بعربة تسوق وركلها داخل متجر للبقالة في ضاحية ليون في نفس اليوم، لكن الحادثة لم تلق اهتماماً إعلامياً، كما أن ستة محتجين خرجوا من مسيرة مناهضة للمهاجرين في بلدة بونتيفي بمنطقة بريتاني في شمال غرب فرنسا بعد يوم من هجمات باريس وهاجموا شابة تنحدر من شمال أفريقيا أثناء مرورها في الشارع”.
وظهرت رسوم جرافيتي مناهضة للمسلمين في أنحاء كثيرة. ففي بلدة ايفرو شمال فرنسا، كتبت على مبنى البلدية ومبان أخرى عبارات مثل “الموت للمسلمين” و”حقيبة سفر أو كفن” في تهديد يشير إلى أن المحتجين يرغبون في أن يترك المسلمون البلدة.
وأفادت تقارير بأن “صلباناً معقوفة رسمت على حوائط المساجد من الخارج في منطقة باريس وفي منطقة بونتارلييه قرب الحدود مع سويسرا. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات العنصرية والمناهضة للمسلمين بعد أن انتشرت أنباء الهجمات”.
وقال اللواتي، إن “حالة الطوارئ التي فرضت في فرنسا بعد هجمات باريس أدت إلى تزايد الشكاوى من وحشية الشرطة التي داهم أفرادها منازل لتفتيشها ووضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية”.
وأضاف أن “شكوى من مدينة نيس قرب الحدود الإيطالية ذكرت أن الشرطة أصابت طفلة كانت نائمة في شقة داهمتها يوم الخميس”.
وقال مسؤولون بمسجد في ضاحية اوبرفييه في باريس إن “مسجدهم هوجم مما خلف ثقوباً في السقف وحطم نوافذ وأبواباً وألقيت المصاحف على الأرض”.
وأحجمت الشرطة عن التعليق وحولت الاستفسارات إلى وزارة الداخلية التي لم ترد بدورها على طلب التعليق.
ويصل عدد أفراد الأقلية المسلمة في فرنسا، إلى خمسة ملايين مسلم، وهي أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، وتمثل نحو 8% من السكان.
“لا تردوا على الإرهاب بإرهاب”
وفي سياق متصل، استنكر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، الاعتداءات التي تعرض لها مسلمون ومساجدهم، في دول أوروبية، على خلفية هجمات باريس الأخيرة، مطالباً أبناء الغرب بـ”ألا يردوا على الإرهاب بالإرهاب”.
وقال الطيب، الذي كان يتحدث خلال اجتماع لمجلس حكماء المسلمين، في القاهرة: “على الذين أقدموا على ارتكاب جريمة حرق المصحف وحرق بيوت الله في الغرب، أن يعلموا أن هذه الأفعال هي الأخرى إرهاب بكل المقاييس بل هي وقود للفكر الإرهابي الذي نعاني منه”.
وأضاف “لا تردوا على الإرهاب بإرهاب مماثل، وليس من المنتظر أبداً ممن يزعمون التقدم والتحضر إهانة مقدسات الآخرين على مرأى ومسمع من الناس”.
وشدد على أنه “من الخطأ الربط بين الإسلام وهجمات أطلق مرتكبوها شعارات إسلامية، لأن الإرهاب ليس إفرازاً لدين سماوي أياً كان هذا الدين، بل هو مرض فكري ونفسي يبحث دائماً عن مبررات وجوده في متشابهات نصوص الأديان وتأويل المؤولين ونظرات المفسرين”.
وتابع أن “الدرس الذي يجب أن يعيه الجميع، أن الإرهاب لا دين له ولا هوية، ومن الظلم البين بل من التحيز الفاضح نسبة ما يحدث الآن من جرائم التفجير والتدمير التي استشرت هنا أو هناك، إلى الإسلام لمجرد أن مرتكبي الهجمات يطلقون حناجرهم بصيحة الله أكبر وهم يقترفون فظائعهم التي تقشعر منها الأبدان”.
وأشار إلى أن مرتكبي الهجمات “قلة قليلة لا تمثل رقماً واحداً صحيحاً بالنسبة إلى مجموع المسلمين المسالمين المنفتحين على الناس في كل ربوع الدنيا”.
وأكد على أنه “علينا أن نسير في اتجاه التصدي للفكر الإرهابي بكافة صوره وأشكاله ودعوة النخب العربية والإسلامية كل في مجال تخصصه لتجفيف ينابيع هذا الفكر من خلال منظومة متكاملة تشمل التعليم والثقافة والشباب والإعلام وخطاباً دينياً معبراً عن حقيقة الإسلام وشريعته”.
وكان تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن هجمات باريس، التي أوقعت 129 قتيلاً وأكثر من 300 مصاب، قبل نحو أسبوع، كما تبنى إسقاط طائرة ركاب روسية في مصر، قتل جميع من كانوا فيها وعددهم 224 شخصاً نهاية الشهر الماضي.