شاركت قوات الحرس التابع لنظام ولاية الفقيه في سوريا من بدايات الثورة السورية، لكن التدخل العسكري للنظام الإيراني تعاظمت في العام 2013 وتعيين حسين همداني من قبل خامنئي قائدا لقوات الحرس في سوريا والزجّ بقوات حزب الله والميليشيات العراقية إلى الساحة السورية. وهذه الوتيرة كانت مستمرة حتى أواسط العام 2015.
وفي شهر حزيران من العام 2015 أعلنت وكالة الأنباء الحكومية الرسمية الإيرانية «إرنا» أن 400 شخص من الإيرانيين من قوات النظام لقوا مصرعهم في سوريا.
حصلت المقاومة الإيرانية على تقارير سرية من داخل النظام الإيراني بشأن أحداث سوريا تضمّ معلومات دامغة عن التطورات الجارية آنذاك نشير إلى جوانب منها. هذه التقارير تعود إلى شهر مايو وحزيران من العام 2015 وتتحدث عن واقع جبهات المعارك خاصة بعد الهزائم التي مني بها النظام الإيراني وحليفه بشار الأسد في إدلب وجسر الشغور ودرعا و غيرها. جاء في هذه التقارير:
«- في الوقت الحالي لم تبق لقواتنا (الحرس وحزب الله وقوات بشار الأسد) أية معنوية وأي أمل. الحالة مترديّة جداً والقوات تحت المحاصرة.
* في الآونة الأخيرة في منطقة بصرى الشام (محافظة درعا) لم تستطع قواتنا من المقاومة والمنطقة سقطت بيد المعارضين. وقواتنا من حزب الله والحرس ولواء الفاطميين الأفغان هربوا من ساحة المعركة بسرعة.
* مع الأسف يجب أن نقول أن جميع قوات حزب الله ومجموعات من قوات لواء الفاطميين وقوات الحرس يواجهون مشاكل وانهيار المعنويان هو القاسم المشترك بينهم. هناك مشاكل مالية بسبب هبوط الأسعار وارتفاع سعر الدولار. ومشاكل نفسية وروحية وفي جملة واحدة إنهم انهارت المعنويات.
* نحن نواجه أيضاً مشكلة عدم التنسيق بين الحرس وحزب الله اللبناني ولواء الفاطميين حيث أدى ذلك إلى استشهاد 30 شخصاً في حالة و100 شخص في حالة أخرى.
* نحن أمام خيانة: صواريخ «خيبر» و«فتح» جاءت من إيران وكانت بيد القوات التابعة لنا فقط، وشاهدنا في الهجمات الأخيرة أنها أصبحت بيد القوات المعارضة! لا شك أن هناك شخص في أعلى السلّم يخوننا. وهذا معناه أن قامو ببيعنا بشكل أو آخر.
* المعارك تمتد إلى المدن وليس لقواتنا في الحرس تجربة حرب العصابات. تجربتنا كانت في الحرب مع صدام حسين أي في المعارك بين جيشين.
* في عمليات شنتها المعارضة في حلب فجأة شاهدنا أن القوات السورية التي كانت كلها قوات صديقة انحلّت والقوات الشيعية لقيت مصرعها. هذه القتلى والضربات تركت آثار سلبية، ويقول القادة أن السوريين ما ساندونا بحجة تدهور الأوضاع الجوية وما شابهها، فلماذا نرسل قواتنا حتى يلقون مصرعهم؟
* أخيراً قال أحد قادة حزب الله في منطقة بصرى الشام أنهم تكبدوا خسائر كبيرة ولم يستطيعوا من الصمود والمقاومة. الحالة الراهنة أصبحت بشكل تهرب القوات بسهولة. نعم هناك حاجة أن تأتي القيادة إلى الساحة وترفع معنويات القوات حتى يقاوموا ولايهربوا بأول طلقة من العدو.
* بهذا النمط الذي يتقدم فيه المعارضون فإن لم نتدارك الأمر ونحول دون ذلك، فهناك احتمال خسارة كل شيئ خلال ليلة أو ضحاها.
* ويقول شيعة سوريا لايمكن الرهان على الجيش السوري وإذا أرادت إيران أن تعمل بجدية فيجب عليها بإرسال ثلاثين ألف مقاتل إيراني من أجل إنقاذ سوريا. »
بعد هذه التطورات الميدانية أعلن النظام رسمياً أنه خسر 400 عنصر من قواته. ولاشك أن هذا الرقم لايشمل جميع الخسائر حيث رأينا أن في معركة واحدة خسر النظام 100 عنصر من قواته. فالهدف من هذا الرقم الإشارة إلى الخسائر التي لحقت بقوات النظام الخاصة وليست القوات التي جاء بها من العراق وافغانستان و…؟
المهم أن هذه المعلومات وهذه الخسائر كانت تشير إلى انتهاء مرحلة في حرب نظام ولاية الفقيه ضد أبناء الشعب السوري وفشله في المعارك. ويمكن تحديد بداية نهاية هذه المرحلة بتطورين كبيرين أحدهما في سوريا المتمثل بتوحيد القوى السورية صفوفها في جيش الفتح في الشمال وتوحيد القوى الأخرى في الجنوب في الجيش الأول. والتطور الثاني تمثّل في عاصفة الحزم وتشكيل الإئتلاف العربي بقياده السعودية لوضع حدّ لممارسات النظام الإيراني في المنطقة وتحديداً تقليم أظفاره في اليمن.
المرحلة الثانية تبدأ بعد هذه الهزائم، ولأن النظام الإيراني لايمكن له خسارة سوريا بسبب الحسابات الستراتجية، فالتجأ إلى روسيا للتدخل، وزار قاسم سليماني مسكو في آب 2015 واجتمع ببوتين.
في هذا اللقاء اتفقا على قيام روسيا بشنّ غارات جوية مكثفة على المعارضين وفي المقابل تعهد النظام الإيراني أن يجعل من تدخله حالة جديدة بزيادة قواته حتي يستطيع من استعادة الأراضي المسيطرة عليها المعارضة بإسناد الغارات الجوية الروسية. وهذا معناه قبول نهاية هيمنة النظام الإيراني على الأرض السورية.
بعد ذلك هرع بوتين للقاء بخامنئي في طهران في 23 نوفمبر الماضي. ويقال أن بوتين كان على شك من العلاقات بين طهران وواشنطن بعد الاتفاق النووي، لذا ذهب شخصياً ليسمع من خامنئي عن هذا الموضوع. لكن الموضوع الرئيسي في اللقاء بينهما كان سوريا، فتعهد خامنئي أمام بوتين بأن تتولّى قوات الحرس الإيراني الهجمات البرية وأن روسيا تقوم بالغارات الجوية والقصف. وصرّح خامنئي لبوتين بأنه سيواصل الحرب في سوريا حتى أخر عنصر من الحرس، وبأن لا تسمح قوات الحرس بوجود نقص في العنصر الإنساني في حرب سوريا من خلال تجنيد القوات من مختلف البلدان. في هذا اللقاء أكد خامنئي لبوتين أن النظام الملالي سيبقى عدواً لأميركا وأن الاتفاق النووي كان استثناء خضع له النظام غصباً عنه وسيبقى النظام متحالفاً مع روسيا.
وهكذا بدأت المرحلة الثانية من حرب نظام ولاية الفقيه ضد أبناء الشعب السوري، وهذه المرة في تحالف مع روسيا، وهذه الحرب بدأت مباشرة بعد بداية الغارات الجوية الروسية.
ماذا كسب النظام على الأرض وهل التدخل الروسي حال دون وقوع خسائر بشرية جسيمة بالنظام الإيراني؟ لاشك أن القوات التابعة لنظام ولاية الفقيه وقوات بشار الأسد استطاعت تحت القصف الروسي العنيف من تحقيق بعض التقدم التكتيكي، لكن استراتيجيا لم تتغير المعادلة السورية وموازنة القوى على الأرض. وهنا لا يمكن تجاهل ما حلّ بأبناء الشعب السوري الأبرياء من جراء هذه العمليات الإجرامية من مجازر وخراب ودمار لايمكن توصيفها وحتى تصديقها. لكن من الواضح أن هذا هو الثمن الذي يدفعه الشعب السوري من أجل نيل الكرامة والحرية والديمقراطية.
عسكريا وعلى الأرض لم تكن حصة الملالي سوى مزيد من الخسائر كماً ونوعاً. صحيح أن نظام الملالي ضاعف من حجم قواته ثلاث مرات وجاء بما مجموعه أكثر من ثلاثين ألفا من القوات المكوّنة من نخبة قوات الحرس ومن حزب الشيطان ومن مختلف ميليشيات الشيعة العراقيين من حركة النجباء، ولوء ابولفضل العباس، وقوات منظمة بدر، وعصائب أهل الحق و… ولواء الفاطميين من الأفغان والزينبيون من باكستانيين، وأخيرا وليس آخرا من أهل سنة بلوتشستان باسم «نبويون» و من بلدان أخرى. كان هناك حديث جاد أيضا عن مجيء ثلاثة آلاف من النيجريين.
رغم كل ما شاهدناه على الأرض هو أنه منذ بداية القصف الروسي وتطبيق المرحلة الجديدة من الحرب تضاعف سقوط كبار جنرالات الحرس واحداً تلو آخر. وفي هذا المجال يكفي أن نشير إلى سقوط حسين همداني بصفته أشرس قائد ميداني في قوات الحرس، وإصابة قاسم سليماني الذي يعتبر اليد اليمنى لخامني وهو الذي كان يدير الحكم في سوريا وفي العراق واليمن ولبنان أيضا. كما أن حوالي عشرين من جنرالات الحرس سقطوا قبل وبعد التدخل الروسي، و هؤلاء أسماؤهم معروفة ولايستطيع النظام التستر على سقوطهم بسبب شهرتهم بين قوات الحرس ورجالات النظام.
وإذا أضفنا إلى الجنرالات بعض عناصر لهم دور مهم في النظام من الذين سقطوا في سوريا يمكن فهم الأهميـة التي يوليها نظام ولاية الفقيه لهذه الحرب. على سبيل المثال سقط عدد من الملالي وأشخاص من أمثال عبد الله باقري الحارس الشخصي لأحمدي نجاد الذي سقط في نهاية شهر اكتوبر، او محسن فرامرزي الحارس الشخصي لإمام جمعة طهران الذي سقط قبل أيام، وكذلك داود جوان مرد من رؤساء تلفزيون النظام والنماذج كثيرة.
بالنسبة لكمية القوات التي سقطت وتسقط هذه الأيام في المعارك في سوريا ليس هناك إحصاء دقيق لكن بعض المؤشرات تدلّ على حجم القتلى. على سبيل المثال هناك قتلى من جميع المحافظات الإيرانية والمدن الكبيرة والصغيرة وأحيانا من البلدات والقرى الإيرانية أيضا. لكن هناك مؤشر مهم وهو الكلام المنسوب لخامنئي زعيم النظام. المعلومات الخاصة تقول إنه بعد الخسائر الكبيرة والهزائم التي لحقت بالنظام ذهب قادة الحرس إليه وطلبوا منه الموافقة على الإنسحاب من منطقة حلب. خامنئي ردّ عليهم بأننا لانريد تكرار ما حدث في عمليتي كربلاء الرابعة والخامسة. وبفك شيفرة هذا الكلام يمكن فهم مدى الخسائر التي تكبّدها النظام في سوريا. العمليتان المذكورتان كانتا أكبر منعطف في الحرب الإيرانية العراقية في نهاية العام 1986 حيث خسر النظام فيهما معظم الطاقة البشرية الخاصة به ولقي عشرات الآلاف من قواته النخبة مصرعهم. منذ ذلك الوقت بدأت فترة تراجع النظام الإيراني في الحرب حتى لحقت به الهزيمة النهائية في العام 1988.
يمكن أن يقول بعد السذّج من الناس أن نظام الملالي عنده ما يكفي من القوات المؤتمرة بأمره فيستطيع استنفارهم وزجّهم في المعارك في سوريا وسقوط هؤلاء القتلى يتحول إلى وقود للآخرين وتشجيعهم للقتال. لكن الحقيقة تقول أن نظام ولاية الفقيه لم يستطع من تعبئة القوات بهذا المعنى إلا في الحرب الإيرانية العراقية وحتى في تلك الحرب أيضاً في العامين الأخيرين منها نقصه وجود قوات كافية لملء الجبهات. والآن يعترف قادة الحرس آنذاك بأن الجبهات كانت خالية ولم يستجب الحرس والبسيج لنداءات زعماء النظام للذهاب إلي الحرب. وكان هذا النقص أحد أسباب هزيمة النظام في الحرب. وأوضح دليل على عدم إمكانية تحمل هذه الخسائر من قبل النظام لجوئه بقوات مرتزقة له من البلدان الأخرى. في الوقت الحالي هناك حوالي ثلاثون ألف شخص تابع لنظام الملالي في سوريا، بينهم حوالي خمسة آلاف منهم من قوات الحرس و خمسة وعشرون ألفا منهم من العراقيين واللبنانيين والأفغان والباكستانيين وغيرهم. هذه التركيبة تقول أن نظام ولاية الفقيه لايقدر تعبئة قوات إيرانيين للقتال في سوريا.