يقول باحثون وخبراء في الشأن العراقي إن تحولات كبيرة في الفكر الديني بدأت تظهر داخل المجتمعات العراقية، لاسيما بين الأقليات العرقية والدينية.
ويرى مختصون وأكاديميون، أن أسبابا عديدة أدت إلى إحياء ديانات قديمة ومندثرة في العراق خصوصا مع التنوع الإثني والطائفي والأجواء الأمنية المشحونة بعد سيطرة تنظيم داعش وتهديده لمناطق شاسعة في العراق.
وعقد في أربيل، الأحد، الندوة الأولى لأتباع الديانة الزرادشتية في العراق، بحضور واسع وتغطية لافتة من وسائل الإعلام الكردية.
وكانت حكومة إقليم كردستان، ووفقا للقانون رقم 5 لسنة 2015 الصادر من برلمان كوردستان،اعتبرت الديانة الزرادشتية واحدة من الديانات الرسمية في الإقليم، مامنح أتباع الزرادشية الإذن الرسمي لإقامة معابد لهم وأداء شعائرهم وطقوسم بحرية تامة.
موقف حكومة الإقليم جاء بعد أشهر على الإعلان عن تأسيس المجلس الأعلى للديانة الزرادشتية في إقليم كردستان، تلك الخطوة التي أثارت جدلا واسعا داخل وخارج الإقليم الكردي.
ويقول أتباع الديانة الزرادشتية، إن تأسيسهم لمجلس موحد يهدف إلى إعادة الأكراد إلى مبادئهم الأساسية وديانتهم القديمة، فيما اعتبرها مراقبون ردة فعل على احتلال داعش الذي أعلن “خلافة إسلامية” وهدد المدن والقرى الكردية، في إقليم كردستان.
وأبدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في كردستان ترحيبها بتشكيل المجلس الزرادشتي، مبدية استعدادها لمنحهم التسهيلات المطلوبة في بناء معابد وإقامة شعائر هذه الديانة.
أسباب سياسية
وكان مدير العلاقات والإعلام في وزارة الأوقاف بكردستان مريوان نقشنبدي نشر على حسابه الخاص في موقع فيسبوك إن “أتباع الديانة الزرادشتية ظهروا من جديد في كردستان وقدموا طلبا رسميا ليكون لهم ممثل في الوزارة وان يتم افتتاح معابدهم الخاصة”.
وأوضح ان الأشهر الأخيرة شهدت عودة هؤلاء في الأوساط الجماهيرية والثقافية الكردية بشكل محسوس، وهو ما يؤشر إلى هجرة الكرد المسلمين لديانتهم والتوجه إلى دينهم القديم”.
ويذهب مراقبون إلى اتهام إيران بدعم هذا التوجه في إعادة إحياء الزرادشتية شمال العراق، ويقول فلاح الناصر، الباحث التاريخي، إن “مسألة إعادة الأديان القديمة هي مسألة سياسية بامتياز، فمن المعروف أن الزرادشتية هي الديانة المجوسية القديمة، ولدينا مؤشرات على دعم هذا التوجه من إيران التي تلقب نفسها بالجمهورية الإسلامية”.
ويضيف الناصر في حوار مع شبكة إرم الإخبارية “لو بحثنا عميقا في الموضوع، لوجدنا أن أتباع الزرادشتية والمتحولين لهذه الديانة القديمة من الدين الإسلامي جميعهم، تقريبا، من الأكراد السنة، وتحولهم إلى الزرادشتية يعني بشكل أو آخر ولاءهم لإيران موطن هذه الديانة والتي تضم معابد ضخمة للزرادشتية”.
ويقول مروان آزاد دهوكي، أحد رجال الدين الأكراد، في اتصال مع مراسل شبكة إرم الإخبارية “لاحظنا تحول العديد من أبنائنا إلى المسيحية والزرادشتية، نحن نتأسف لما تقوم به الأحزاب الإسلامية والمليشيات والإرهابيون من تعصب وتشويه للدين الإسلامي وفساد في المال والأرض وعمليات قتل وإبادة جماعية دفعت الشباب إلى تغيير دينهم”.
افتتاح معبد وعقد قرآن حسب تعاليم الزرادشتية
وقبل أيام وبعد 1437 عاما على حظر الزرادشتية في العراق، وفي ليلة تسمى “ليلة يلدا” ذات المكانة الدينية لديهم تمكن أتباع الزرادشتية من افتتاح أول معبد لهم في إقليم كردستان.
وتقول تقارير لوسائل إعلام كردية إن معبد الزرادشتية، ذات الجدران المغطاة بعلامات ورموز تلك الديانة، أصبح منذ افتتاحه ملتقى للشبان ومركزا لنشر تعاليم الزرادشتية، وان عشرات الشبان من أتباع الديانة الزرادشتية بدأوا بعقد مراسيم زواجهم في المعبد، حسب تعاليم تلك الديانة القديمة، وإن إحدى حالات عقد القران كانت لشاب مسلم على شابة زرادشتية.
وتقول تقارير نقلا عن بير لقمان رئيس المركز الزرادشتي، إن أخبار عقد القران على الطريقة الزرادشتية كثيرة لكن لايتم تداولها في الإعلام إلا في حالات نادرة على أن تتم تغطية وجهي العروسين في صور الزفاف خوفا من إثارة حساسية المسلمين وهم غالبية السكان في كردستان.
وعن حالات الطلاق في الديانة الزرادشتية قال لقمان في تصريح صحفي اطلعت عليه شبكة إرم الإخبارية إن “الذي يرغب في الانفصال عليه جمع ما مقداره كفة ميزان أو أكثر من كيلوغرام من أجنحة الذباب وتقديمه للقاضي، وإلا لن يكون بإمكانه الانفصال في ديانتهم”.
وبحسب أكاديميين، فإن الديانة الزرادشتية ظهرت قبل 3500 عام في إيران، وكانت الدين للإمبراطوريات الفارسية والساسانية والإخمينية، ويقدر عدد أتباعها اليوم بنحو مليوني نسمة موزعين على إيران والهند وأذربيجان وأفغانستان فضلا عن نحو مئة ألف زرادشتي في دول المهجر كأوروبا والولايات المتحدة.