برزت ظاهرة ما يعرف بـ”المافيات” السياسية في العراق مطلع العام 2005، وعادة ما يكون قادتها موالين لأحزاب سياسية أو عناصر تعد “فوق القانون”، بحسب مراقبين للشأن العراقي.
وتقول مصادر عراقية، إن تلك العصابات تنشط في مجالات مختلفة، وهي في واقع الحال “دويلات “قوية داخل الدولة العراقية، ولها قوانينها الخاصة، كما أن لديها القدرة على الدخول إلى مراكز الشرطة والسجون وتحرير أفرادها الموقوفين عنوة، وفي أحيان كثيرة يعتدي أفراد تلك العصابات، حتى على ضباط ومنتسبي الشرطة العراقية، وفق تقارير إعلامية عديدة.
الخطف والتهريب
ويرى الباحث في الشأن العراقي محمد عبد الله العزاوي، أن”الكثير من تلك العصابات تشكلت في العام 2005 على يد خارجين عن القانون، كانوا يحتمون بالأهوار والمستنقعات المنتشرة في جنوب العراق من السلطات العراقية قبل الغزو الأمريكي، وكانوا معرفين بتهريبهم للمخدرات القادمة من إيران إلى بعض دول المنطقة، عن طريق بادية السماوة الصحراوية جنوب العراق، إلا أنهم بعد الغزو جاءوا إلى بغداد بصفة معارضين سابقين لنظام صدام حسين”.
ويضيف العزاوي، في حديثه لشبكة إرم الإخبارية، “من نجح من هؤلاء بدخول عالم السياسية، فهو الآن يسيطر على مفصل مهم من مفاصل الدولة، ويدير عمليات فساد كبرى كتهريب النفط أو التحكم بدخول السلع المستوردة مثل السكر وغيره، ويغرق أو يجفف الأسواق بحسب ما تقتضيه مصالحه الخاصة، أما من فشل في دخول البرلمان أو الوزارات فيدير عصابات للخطف والاتجار بالبشر، وسرقة البنوك في وضح النهار وعصاباتهم تنشط باستخدام سيارات تشبه سيارات الأمن وتحمل هويات تعرف في العراق بعناصر الخط الأحمر”.
قدسية السلاح
ومن جهته، يوضح العميد المتقاعد في الداخلية العراقية أكرم النعيمي، أن “المشكلة تكمن في المرجعيات الشيعية، التي أصدرت فتاوى الجهاد ضد داعش، منحت من دون قصد تلك القوى المسلحة الصفة الشرعية والقدسية اللازمة لتكون فوق القانون وخارج سلطة الدولة، يكفي أن تكون تحركاتهم بسيارات حديثة رباعية الدفع وبلا أرقام وعليها شعارات طائفية وبمقدروهم الدخول لأي مكان تتخيله حتى مكاتب الوزراء وكبار المسؤولين”.
ويستطرد النعيمي، “لا تستغرب ان أخبرتك أن عصابات الجريمة المنظمة في العراق، تعرف ما لا تعرفه حتى استخبارات الداخلية، بل في حالات كثيرة هم من يشرف على أداء أجهزة الوزارة ويحركها”.
برلماني للخطف
وكانت تقارير استخبارية عراقية، كشفت أن قوات الأمن، ألقت القبض على عصابة ناشطة في مجال خطف الأطفال من أبناء الأثرياء والمساومة عليهم لقاء مبالغ مالية ضخمة.
وبحسب تقارير أمريكية، فإن التحقيقات مع أفراد تلك العصابة، أثبتت أنها تدار من قبل نائب في البرلمان العراقي وقيادي في مليشيا شيعية مسلحة يدعى”حسن سالم”.
والسالم، أحد القيادات الفاعلة فيما يعرف بـ”فرق الموت”الشيعية، والمتهمة بعمليات اغتيال لعلماء سنة وشخصيات أكاديمية وضباط سابقين في الجيش العراقي.
وكانت محكمة جنايات كربلاء، أصدرت قبل أشهر أمراً بإلقاء القبض على عضو مجلس المحافظة عن دولة القانون، وابن عم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي, المدعو جاسم حميد المالكي، بعد اتهامه باستغلال منصبه وتشكيل عصابة للغش التجاري والتلاعب بالأوزان.
إحراق الوزارات وعقود الدولة
ويقول مثنى حبيب، أحد ضباط الشرطة العراقية، “يكاد لا يمر شهر لا نتلقى فيه بلاغات عن إحراق وزارات ودوائر في بغداد، أو إحراق مخازن تجارية ضخمة في منطقة الشورجة قلب بغداد التجاري”.
وفي حديثه لشبكة إرم الإخبارية، يضيف حبيب، “الغريب أن عمليات الحرق في الوزارات دائما تطال أقسام المشاريع والعقود، ويقال إنها تتم لإخفاء البيانات والمعلومات والتلاعب الذي يتم في الخفاء”.
أما محمد الكبيسي، التاجر في سوق الشورجة فيقول، “تركت محلاتنا التي عمرها 100 عام، لا نستطيع العمل مع وجود عصابات الجريمة المنظمة، إما ندفع لهم اتاوات ونسب أعلى من أرباحنا أحيانا، أو تحرق محلاتنا ومخازننا من تلك العصابات”.
وتابع؛ “أنا سني من الأنبار وهؤلاء مليشيات شيعية هم يريدون مني أكثر مما يطالبون به التجار الآخرين، لذلك فهمت الرسالة وأغلقت جميع مصالحي التجارية في بغداد ونقلتها إلى أربيل”.
ذعر في البنوك الأهلية
وقبل يومي، أصيب ثمانية من الشرطة الحكومية بجروح بعضها خطيرة في اشتباكات مسلحة مع مجهولين حاولوا اقتحام مصرف أهلي شمال شرق العاصمة بغداد.
وقال مصدر حكومي، إن مسلحين مجهولين حاولوا السطو على أحد المصارف الأهلية في منطقة الوزيرية شمال شرقي بغداد، مبيناً أن اشتباكاً مسلحاً اندلع بين المسلحين وقوات الشرطة”.
وتقول تقارير عراقية، ان إدارات البنوك العراقية لاسيما الأهلية، تعيش حالة من الفزع بسبب ما وصف بأعنف هجوم في محاولة لسرقة مصرف أهلي.
وطلبت بعض الإدارات زيادة عناصر الحماية، فيما يدرس أكثر من بنك أهلي إلغاء بعض الفروع والاكتفاء بالفرع الرئيسي للمصرف.
تنديد واسع
وأمس الأحد، أعلن في بغداد عن إلقاء القبض على أربع عصابات للجريمة المنظمة.
وقال مصدر أمني، إن الأمن الوطني تمكن من القاء القبض على أربعة عصابات من أكبر عصابات الخطف في العاصمة بغداد، بعد معلومات دقيقة وعمليات تحري وملاحقة قادت إلى معرفة هوية كافة عناصر العصابة”
وفي وقت سابق، اتهم عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي، “جهات سياسية بالوقوف وراء عصابات الجريمة المنظمة في العاصمة، فيما رجح أن تكون تلك العصابات ضمن المخطط الكامل لإسقاط الدولة العراقية”.
وقال بيان لعضو اللجنة ورئيس كتلة الحل البرلمانية “محمد الكربولي، إن “تكرار عمليات الخطف والقتل والسرقة المنظمة واليومية للمواطنين وخاصة في بغداد، يدفعنا الى تسليط الضوء على خطط الحكومة اﻷمنية الفاشلة للحفاظ على أمن وممتلكات المواطنين”.
واليوم الإثنين، أعلنت السلطات القضائية العراقية عن عزل تسعة قضاة متورطين بعمليات فساد ورشى، فيما اعتبرته بغداد إجراءً يندرج ضمن محاربة الفساد.