القناعة كنز لا يفنّى , ولكن من يبحثّ عن الكنز عليه أن يملك خريطة تدلّه على هذا الكنز , وعلى بوصلة صادقة تعطيه الجهات وعلى إرادة تحثه على الوصول , ولكن من يبحث عن الحرية في بلدّ لم يحرمه هذه الحرية إلا في زوايا معينة شأنها شأن أي بلد , كمن يبحث عن نظارته وهو يضعها على رأسه , فليست المشكلة أنك ستجد النظارة يوماَ ما , ولكن المشكلة أن تجدها في وقت متأخر من الليل بحيث لن تنفعك النظارة طالما أن النور قد غاب عن بصرك. وصار كل حلمك أن يعود النور يوماً وحينها ستلعنّ النظارة وكل من يلبسها وكل من نادى فيها . لأنك لم تقتنع أن ما تملكه اليوم بين يديك أجمل من ألف كنز بعيد عن يديك , واليوم أصبحت تقتنع أنك كنت تعيش في جنّة عرضها سموات الأمن والأمان حين طالتك ألسنة الجحيم تحت شعارات الحرية والديمقراطية .
إن القناعة ليست عبودية وليس الرضى بأي شيء ولكن أن تكسر حنفية الماء لأنك لم تقتنع بقطرات الماء المنسكبة منها فتلك هي الأنانية المفرطة والجهل الذي سيفيض في بيتك بكل ألوان العبث والفوضى . لقد كسرت أجمل ما تملك في وطنك كي تحصل على كنزّ لم تتنعمّ به أبداً . لقد كفرت بالقناعة حين لم تقتنع أن وطنك هو الكنز الأعظم .