لايزال الجدل داخل الجزائر وخارجها مستمرا بشأن تعديلات دستورية أقرها البرلمان قبل يومين بعد مقترح من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (78 عاما)، الساعي لاستكمال إصلاحات سياسية تعهد بها بعد ما عرف بالربيع العربي عام 2011.
ووافق البرلمان على التعديلات برفع الأيدي ومن دون نقاش، وبـ499 صوتا مقابل صوتين معارضين وامتناع 16 عن التصويت.
وغالبية النواب المصوتين مؤيدون للسلطة، إذ قاطعت المعارضة، لا سيما جبهة القوى الاشتراكية التي أسسها الراحل حسين آيت أحمد، التصويت.
وتضمن الدستور الجديد، (المادة 51) التي تنص على أن رئيس الدولة لا يمكنه أن يترشح للرئاسة إلا مرة واحدة.
لكن المفارقة التي رصدها المتابعون، أن بوتفليقة نفسه الذي تولى السلطة منذ العام 1999، هو الذي قرر تغيير القانون الدستوري ليحصل على ولاية ثالثة ثم على ولاية رابعة في عامي 2009 و2014.
واعتمد الدستور الجديد، اختيار رئيس الوزراء من الأغلبية في البرلمان، حيث لم يكن الحال كذلك منذ العام 2008، فرئيس الوزراء الحالي عبدالمالك سلال كان دبلوماسيا غير منتسب إلى أي حزب، وقد تحالف مع حزب جبهة التحرير الوطني الذي أصبح الحزب الرئاسي مع قدوم بوتفليقة.
واستجاب الدستور الجديد لمطلب أساسي لأمازيغ منطقة القبائل باعتماد لغتهم كلغة رسمية في البلاد.
لكن تبعات هذه الخطوة لم تتضح بعد، فاللغة العربية ما زالت هي اللغة الرسمية بدرجة أعلى، رغم أن مطلب الأمازيغ هذا تم قبوله نظريا في العام 2002، بعد الـ120 قتيلا الذين راحوا ضحية أحداث منطقة القبائل الكبرى الدامية آنذاك.
وأثار الدستور الجديد حفيظة مزدوجي الجنسية (وهم بعشرات الآلاف) والذين لم يعد من حقهم أن يطمحوا إلى مناصب عليا في الخدمة العامة (ولا في رئاسة الجمهورية كما هي الحال في العديد من البلدان).
ويؤكد هؤلاء أن هذا الإجراء أزعج الكثيرين في الجزائر التي تضم العديد من الشخصيات الفرنسية-الجزائرية، كنواب في البرلمان، إذ يخشون من أنه سيقصي العديد من أصحاب الكفاءات العليا.
بوتفليقة مؤيد لسلطة رئاسية قوية
ويتوقع خبراء السياسة، أن هذا الدستور سيعطي مزيدا من الوزن للمعارضة وأن يكرس التداول على السلطة، رغم أن بوتفليقة على غرار هواري بومدين -وهو واحد من النماذج السياسية- يعد مؤيدا لإضفاء الطابع الرئاسي على السلطة، ففي العام 2008 وخلال التعديل الدستوري السابق، أراد ألا يظل رئيس الحكومة مجرد وزير أول.
ولفت الخبراء إلى أنه في الرئاسة الجزائرية، يقر بعض مستشاري بوتفليقة أنهم كافحوا كثيرا حتى يحصلوا منه على قبوله بهذا الانفتاح الديمقراطي، إذ كان عليه أن “يرخي” مقاليد البلاد التي يمسك بزمامها القصيرة.
وبموجب الإصلاحات الجديدة، يتعين على الرئيس الآن التشاور مع الاغلبية البرلمانية عند اختيار رئيس الوزراء وتأسيس هيئة مستقلة للرقابة على الانتخابات.
خلافة بوتفليقة
ويأتي هذا التعديل بينما تلوح في الأفق المعركة الأخيرة، وهي معركة خلافة عبدالعزيز بوتفليقة الذي لا يشاهد كثيرا في محافل عمومية منذ إصابته بجلطة عام 2013، والذي تنتهي ولايته في 2019.
ويبين المحللون أن هذا التاريخ يبدو بعيدا، وأجنحة السلطة المختلفة تستعد لاختيار خليفة (يُنتخب رسميا عن طريق الاقتراع العام) في حين لم يطفُ على السطح بعد أي مرشح لهذا المنصب الأهم في البلاد.
وتبقى الأسئلة التي هي بحاجة ماسة لأجوبة سريعة: “هل من الممكن، هذه المرة، أن يكون من يخلف بوتفليقة من المعارضة؟، كم مضى من زمن يحلم فيه الجزائريون بدولة حديثة وديمقراطية؟”.
وأُقرت الإصلاحات الدستورية في وقت دقيق بالنسبة للجزائر -العضو في أوبك- والتي تواجه حكومتها مشكلة انخفاض حاد في أسعار النفط قللت إيرادتها بدرجة كبيرة ودفعتها لترشيد الإنفاق.
وهبط احتياطي البلاد من 179 مليار دولار في ديسمبر 2014 إلى 160 مليار دولار في مارس 2015، وسط ركود الاقتصادي مستمر.
وتأجلت الكثير من المشاريع الكبرى، كما انخفضت الواردات (58 مليار دولار في العام 2014)، وانخفض الدعم (الغاز والكهرباء والمياه، الخ)، فيما تفكر السلطة في اللجوء إلى الاقتطاع من المزايا الاجتماعية بل وحتى اللجوء إلى الاقتراض الخارجي وهو حل يرفضه بوتفليقة الذي لا يريد العودة ثانية لوضع بداية تسعينيات القرن الماضي عندما اضطرت الجزائر المثقلة بالديون، إلى أن ترزح تحت نير صندوق النقد الدولي.