على الرغم من الشروط المشددة التي فرضتها أنقرة لإعادة العلاقات مع القاهرة، إلا أن قمة منظمة التعاون الإسلامي المقبلة كشفت عن غزل تركي غير مسبوق لمصر.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن بنفسه عن الشروط التي يجب أن تنفذها مصر لكي يسمح بعودة علاقات بلاده معها، وعلى رأس هذه الشروط الإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم محمد مرسي، وإعادة الاعتبار لهم، واتخاذ إجراءات تشريعية تعيد السلطة إليهم أو مشاركتهم فيها.
إن شروط أردوغان تبدو تحذيرات وتهديدات أكثر منها شروطا. كما تبدو أيضا أنها صادرة من دولة عظمى لإحدى المقاطعات التابعة لها، أو التي يجب أن تكون تابعة لها. ولكن الظروف الأخيرة في المنطقة، فرضت حصارا حقيقيا حول تركيا بسبب ممارسات الرئيس أردوغان نفسه ومغامراته التي أضرت بمصالح تركيا. إضافة إلى أن تصميم أردوغان على خطه السياسي في معاداة الجميع والتهديد المتواصل باستخدام القوة العسكرية، بل وتطرفه في استخدام هذه القوة كما حدث في عملية إسقاط القاذفة الروسية، يلقي بظلال الشك على إمكانية التعامل معه أو مع سياساته التي بدأت تنعكس سلبا على الأوضاع الداخلية للبلاد.
وزير الخارجية التركى جاويش أوغلو أدلى بتصريحات مثيرة للتساؤل قبل انعقاد قمة منظمة التعاون الإسلامي التي ستستضيفها تركيا في الفترة من 10 إلى 15 أبريل/نيسان المقبل. والمعروف أن تركيا ستتسلم رئاسة الدورة المقبلة من مصر. وهناك الكثير من اللغط حول إمكانية مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من عدمه. ولكن جاويش أوغلو استبق الحدث وقال إن “حضور مصر اجتماع منظمة التعاون الإسلامى في اسطنبول يجب فهمه على أنه مشاركة فى اجتماع دولى، وليس مباحثات ثنائية”. ولكنه أضاف أن “هناك لقاءات مع المسؤولين المصريين فى الكثير من المنتديات الدولية، ولا مانع لدينا من إجراء مباحثات ثنائية”. وإمعانا في المغازلة أو تسجيل النقاط قال “إن تركيا تريد مصر قوية، وإن الدور المصرى مهم للمنطقة بأسرها. لكن بسبب أوضاعها الداخلية حاليا لا تتمكن من تقديم الدعم المنتظر منها”.
في الحقيقة، تركيا أيضا لا تستطيع القيام بالدور المنتظر منها في ظل وجود نظام رجب طيب أردوغان، الذي يسير على نهج حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ، لأسباب داخلية وأخرى خارجية. فالسلطات التركية تواصل اعتقال أساتذة الجامعات والصحفيين والنشطاء السياسيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي. ومن جهة أخرى لا تتوانى السلطات التركية من قمع الأقليات وإصدار تصنيفات تمييزية ضدهم تصل إلى توجيه تهمة الإرهاب. أما الأسباب الخارجية فهي كثيرة. ولكن أهمها دعم نظام أردوغان للتنظيمات والحركات الدينية المتطرفة في المنطقة، والتهديدات المتواصلة للدول المجاورة، وابتزاز أوروبا بملف اللاجئين، ومحاولة دق الأسافين ليس فقط بين دول الخليج وروسيا، بل بين دول الخليج ومصر أيضا. وذلك بعد أن أشعل النار تقريبا في علاقات دول الخليج بكل من سوريا ولبنان.
ورغم ضبابية كل هذا المشهد، فأنقرة لا ترى أي غضاضة في سياساتها الداخلية أو الخارجية. بل ترى فقط ما لا يروق لها في الدول الأخرى. وإذا اعتبرنا أن مثل هذه الأمور طبيعية في السياسة، وأنها من أساسيات التوجهات البراجماتية لتحقيق المصالح، فمن الصعب أن نأخذ تصريحات وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو على محمل الجد أو نضعها في سياق المنطق السياسي، إلا إذا اعتبرناها تصريحات مجانية أو مجرد تسجيل نقاط، أو في أحسن الأحوال مغازلة نتائجها معروفة مسبقا. فماذا تنتظر أنقرة من القاهرة، وما هو الدعم الذي ترى تركيا أن مصر يمكن أن تقدمه للمنطقة؟ وما شأن تركيا أساسا بما يحدث في الداخل المصري؟! ففي الحقيقة، القاهرة غير مشغولة إطلاقا بما يدور في الداخل التركي، وتعتبره شأنا داخليا. ولا يستخدم الساسة المصريون أي تعبيرات جارحة أو مهينة ضد نظرائهم الأتراك، بينما الأخيرون يستخدمون تعبيرات كانت تستخدم في زمن الخلافة العثمانية ضد ولاة الأقاليم التابعة للباب العالي.
لا أحد يعرف كيف تريد تركيا لمصر أن تصبح قوية، وبأي معايير وفي أي اتجاه. ولا أحد أيضا يعرف حول ماذا بالضبط يمكن إجراء مباحثات بين الساسة الأتراك والمصريين. إن تصريحات جاويش أوغلو شبيهة بتصريحات رئيسه ورئيس حكومته التي تتعلق بسوريا وبالوضع في المنطقة وبدعم الإخوان المسلمين والمنظمات الدينية المتطرفة. فهذه التصريحات التي تخلط الأوراق تذكرنا بوضع العربة أمام الحصان ورغبتنا “الصادقة جدا” في قطع أطول مسافة ممكنة في أقل فترة زمنية.