رغم توقعات بأن أسعار العقارات ستشهد مزيدا من الانخفاض هذا العام تواصل شركات التطوير العقاري في دبي تنفيذ خطط البناء الموضوعة غير عابئة بما علق بالأذهان من ذكريات عن الانهيار الذي ألم بالسوق عام 2008.
ويقول خبراء القطاع العقاري إنه رغم تراجع حجم المبيعات في الإمارة فمن المنتظر أن يضمن إجراء تغييرات هيكلية في السوق – مثل تشديد القواعد التنظيمية وتراجع أعداد المضاربين – للشركات المطورة أن تمر الأزمة بسلام وألا يتكرر ما حدث في المرة السابقة.
لكن آخرين يشعرون بالقلق لتداعيات هبوط أسعار النفط على السوق العقاري وذلك رغم أن دبي منتج صغير للنفط الخام مقارنة بإمارة أبوظبي ويتساءلون عن كيفية تمويل كل المشروعات التي يعلن عنها.
وقد شهدت أسعار العقارات في دبي تقلبات في السنوات العشر الأخيرة أكثر مما شهدته مناطق أخرى.
وتقدر شركة كلاتونز للاستشارات العقارية أن أسعار العقارات السكنية في الإمارة انخفضت بنسبة 50% من الذروة التي بلغتها في الفترة من الربع الثالث من عام 2008 إلى منتصف عام 2009 ومنيت بتراجع آخر في أوائل 2010.
ثم انتعشت الأسعار من 2011 في أعقاب تدفق أموال وأعداد من الوافدين النازحين بسبب الانتفاضات التي شهدتها عدة دول عربية لتقترب من ذروتها عام 2008 لا يفصلها عنها سوى 18%.
ولكن الأسعار عاودت تراجعها منذ أواخر 2014. وتقدر شركة كلاتونز أن الأسعار هبطت بما بين ثلاثة وخمسة في المئة وتتوقع هبوطا مماثلا هذا العام. أما شركة سي.بي.آر.إي المنافسة فتقول إن الأسعار انخفضت نحو 15% العام الماضي وتتوقع انخفاضا آخر بنسبة عشرة في المئة في 2016.
ويبدو أن هذه التوقعات لم يكن لها تأثير يذكر على المطورين.
وتقول شركة إعمار العقارية إنها لن تغير خططها رغم انخفاض ايرادات المبيعات بنسبة 28% إلى 7.51 مليار درهم (2.04 مليار دولار) في الأشهر التسعة الأولى من عام 2015.
وقال متحدث باسم إعمار التي تولت إقامة برج خليفة أعلى مبنى في العالم “إعمار تسير وفق البرنامج في كل المشروعات التي بدأتها.”
وتبلغ قيمة المشروعات قيد التنفيذ لدى الشركة 24.1 مليار درهم في دولة الإمارات كلها. وإعمار واحدة من أكبر أربع شركات عقارية في سوق دبي.
وقال المتحدث “الاستفسارات عن المبيعات مستمرة على قوتها بفضل اهتمام كبير من المستثمرين الاقليميين والدوليين.”
والعوامل التي تدفع أسواق العقارات نفسية بقدر ما هي العرض والطلب ولذلك فربما كان من الممكن تفهم هذا التقييم المتفائل. غير أنه يتجاهل انخفاضا بنسبة 19% في مبيعات الوحدات العقارية في دبي وهبوطا بنسبة 24% في قيمة المبيعات الاجمالية في 2015 وذلك وفق تقديرات سي.بي.آر.إي.
ويردد هذا أصداء ما حدث عام 2008 عندما أعلنت شركة نخيل العقارية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام خططا لبناء برج يبلغ ارتفاعه كيلومتر أي ما يزيد بنحو 200 متر على ارتفاع برج خليفة.
وبعد قرابة العام سعت نخيل لإعادة جدولة ديون قيمتها نحو 11 مليار دولار وشهدت أسعار العقارات هبوطا حرا. واليوم توجد محطة لقطارات المترو في دبي تحمل اسم المشروع الضخم لكن البرج نفسه مازال فكرة لم تتحقق.
وقد ضاعفت دبي رسوم الصفقات العقارية وفرضت شروط إيداع أكثر تشددا على المقترضين للأغراض العقارية. ورغم أن هذا كان له دوره في الاتجاه النزولي الحالي فإن ما نتج من مشاكل عن هذه القيود قصيرة الأجل قد يقلل في نهاية المطاف من التقلبات وذلك بتقليص المضاربات.
وقال فيصل دوراني الشريك ورئيس الأبحاث في كلاتونز إن هذا يمثل تغيرا كبيرا عن عام 2008. وأضاف “ديناميات السوق هذه المرة تختلف اختلافا كبيرا … فالعوامل الأساسية (في السوق) أقوى بكثير.”
وتقول شركة داماك العقارية أكبر شركات التطوير العقاري المستقلة في دبي إنها لم تعمل على إبطاء حركة البناء وإن الطلب مازال ينتظر الوفاء به.
وقال متحدث باسم داماك “سيظل العرض قليل من الوحدات الجاهزة في السوق بناء على النمو الاقتصادي في دبي وسيفوق الطلب العرض.”
وحافظ المسؤولون في دبي على تفاؤلهم بشأن النمو الاقتصادي في الإمارة التي عمدت إلى تنويع النشاط ليشمل مجالات مثل السياحة أكثر من غيرها من الامارات والدول المنتجة للنفط. وفي ديسمبر/ كانون الأول قدر مسؤول حكومي النمو في عام 2015 بنحو 4% بما يجعله قريبا من مستوياته في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك قالت دولة الإمارات إنه سيكون من الصعب تحقيق نمو يتجاوز 3% على مستوى البلاد هذا العام.
ومازال شبح زيادة العرض على الطلب يؤرق السوق العقارية بعد الانهيار الذي كان أحد أسبابه وفرة كبيرة في الوحدات التي تم تشطيبها في وقت واحد تقريبا.
ولتحاشي تكرار ما حدث من المعتقد على نطاق واسع أن شركات التطوير العقاري ترجيء تسليم الوحدات عند اكتمالها رغم ما يعنيه ذلك من عدم حصولها على أموال منها لحين استكمال الصفقات.
وتقدر شركة جيه.إل.إل أن المشترين لم يتسلموا في أي عام من الأعوام خلال السنوات الخمس الماضية سوى نحو 35 % من الوحدات السكنية المخصصة للتسليم.
من المعتقد أن النفط لا يمثل سوى نحو 4 أو 5% من اقتصاد دبي لكن أثر هبوط أسعار النفط الخام سيظل أكبر مما يوحي به هذا الرقم.
وقال آلان روبرتسون المدير التنفيذي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جيه.إل.إل إن ثمة تداعيات لأسعار النفط على الطلب على المكاتب ونشاط الفنادق والشركات وعدد الرحلات الجوية والإنفاق في قطاع تجارة التجزئة.
وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى تقلص السيولة. وقال بنك أبوظبي الوطني إن الايداعات الحكومية في الجهاز المصرفي بالإمارات انخفضت بمقدار 56 مليار درهم في الاثنى عشر شهرا حتى سبتمبر/ ايلول 2015.
وقال دوراني من كلاتونز “سيكون لهذا تأثير مباشر على سوق الرهون العقارية التي هي مقيدة للغاية.”
ومن المرجح أن يمثل تمويل المشروعات مشكلة هذا العام.
وقال كريج بلام رئيس أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى جيه.إل.إل “هناك مشروعات كثيرة يعلن عنها لكن من أين ستحصل كلها على المال؟”
ومن بين شركات التطوير العقاري الأربع التي تهيمن على السوق في دبي تخضع ثلاثة هي إعمار ونخيل ودبي العقارية لسيطرة الحكومة الأمر الذي يسهل عليها مهمة تنسيق المعروض.
ومن العوامل الأخرى تقلبات أسعار الصرف. وتقول شركة سي.بي.آر.إي إن الأجانب كانوا يمثلون أربعة أخماس القيمة الإجمالية للمشتريات العقارية في دبي العام الماضي وإن الهنود والبريطانيين والباكستانيين من بين أكبر المشترين من الأجانب.
وقد ارتفع الدولار الذي تربط الإمارات به عملتها الدرهم بنحو الخمس مقابل اليورو والجنيه الاسترليني منذ منتصف عام 2014. وكذلك تراجعت الروبية الهندية.
وجعل ذلك العقارات في دبي أغلى ثمنا للمشترين المحتملين من أصحاب هذه العملات لكنه عوض أيضا الانخفاض في قيم العقارات للملاك الحاليين ممن ينتمون للأسواق التي تستخدم فيها هذه العملات.
وقال الكسندر فون ساين فيتجينستاين مدير المبيعات في شركة لوكسهابيتات للعقارات الفاخرة “من يريدون فعلا البيع مستعدون لقبول أسعار أقل كثيرا.”
وأضاف “السعر الرسمي قد يكون هو نفسه لكن عندما يقدم مشتر عرضا أقل كثيرا يكون البائع أكثر مرونة وعلى الأرجح سيقبل سعرا لم يكن ليقبله قبل عام.”
وقال بلام من جيه.إل.إل “العوامل الأساسية هي نفسها بصفة عامة مثل أسعار النفط وانخفاض إنفاق الدولة وحاجة الحكومات لزيادة الضرائب والتي ستزيد الضغوط التضخمية.”
ويتنبأ معظم المحللين بأن استضافة دبي لمعرض اكسبو 2020 ستساهم في تحسن سوق العقارات السكنية خلال الاثنى عشر شهرا المقبلة. كذلك فإن الاتجاهات السكانية مواتية أيضا إذ من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان المدينة ليصل إلى 5 ملايين نسمة بحلول عام 2030.
وإذا صح ذلك فسيفيد حركة البناء.
وقال دوراني “نحن بحاجة لمدينة أخرى بحجم دبي الحالي. وهذا يشير إلى أن قصة تطور دبي لا يزال أمامها شوط طويل.”