نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً يعرض حال مدينة غازي عنتاب المحاذية للحدود الشمالية لسوريا، التي أضحت تجمع الدواعش من جانب، واللاجئين الفارين من ويلات الحرب السورية من جانب آخر.
ويروي مراسل الصحيفة دانيال بوفري مشاهداته في المدينة التي قابل فيها مجموعة من اللاجئين السوريين الذين يعانون من تبعات الأزمة في بلادهم وأجندات تنظيم داعش الإجرامية.
وحين يسأل الصحفي البريطاني مواطنا سورياً يدعى رامي الخطيب جاء من حلب بعد اشتداد الأزمة فيها، إذا كان متفائلاً حيال المستقبل”، يميل بظهره إلى الخلف وهو يسحب أنفاساً من سيجارته، لتظهر على وجهه ابتسامة ساخرة ولكنها تبرق بالإحباط ويجيب “هناك سؤالان لا يجب ان تسألهما لأي سوري.. وهذا أحدهما”. أما السؤال الثاني فهو “أين ترى نفسك بعد 5 سنوات؟”.
ويكمل رامي “كيف أكون متفائلا بالمستقبل وقد فقدت العديد من الأصدقاء وأفراد عائلتي مع وجود هذا الصراع الفوضوي والإبادة الجماعية”.
“تمكين”
الخطيب يعمل مع 26 شخصاً منهم 18 سوريا في مدينة غازي عنتاب جنوب شرق تركيا في أحد برامج التنمية الممولة من قبل بريطانيا يدعى “تمكين”.
وهناك أكثر من 76 مواطناً سورياً يعملون لحساب البرنامج داخل سوريا في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في كل من مدينة إدلب وحلب ودرعا، وبعض مناطق ريف دمشق، حيث تتعرض قوات المعارضة للحصار الشديد من قبل نظام الأسد.
وتفيد مديرة البرنامج ليلى كاتيك “نحن لا نستطيع الخروج أو الدخول الى مناطق ريف دمشق لذلك فإننا لم نتمكن من رؤية أحد منهم ولكن نتواصل عبر سكايب”.
وتمتاز غازي عنتاب بجمالها، ومبانيها الممتدة ومآذن المساجد الكثيرة التي تملأ أفق المدينة المحافظة، التي شهدت اغتيال نشطاء صحفيين على يد عملاء داعش أمثال ناجي الجرف الذي قتل في وضح النهار في وسط المدينة شهر كانون أول الماضي لقيامه بتصوير فيلمين عن تنظيم داعش، كما تم اغتيال مذيع قناة “حلب اليوم” محمد زاهر الشيرقاط الشهر الماضي، بالقرب من الموقع الذي تم فيه اغتيال ناجي.
وانفجرت الأسبوع الماضي إحدى السيارات المزروعة من قبل داعش مخلفة قتيلين من الضباط وعشرات الجنود على مقربة من أحد مراكز الشرطة، وتم اعتقال أكثر من 30 شخصاً مشتبهاً به منذ ذلك الهجوم.
خلايا داعش النائمة
كانت مدينة غازي عنتاب قبل الحرب من المدن الشهيرة بصناعة حلوى البقلاوة، أما اليوم فتبدو محط أنظار الجواسيس واللاجئين وعمال الإغاثة، والأخطر من ذلك أعضاء خلايا داعش النائمة.
وفي غازي عنتاب يستعد مراهقون أوروبيون للانضمام لداعش، وتم العثور على العديد من المتفجرات وأحزمة الانتحاريين المتفجرة من الرصاص والقنابل اليدوية وأسلحة الكلاشنكوف، مخبأة في إحدى الشقق.
وفي هذه المدينة أيضاً تم اعتقال ابراهيم الباقوري أحد الأخوين المتهمين بتنفيذ هجوم أدى إلى مقتل 32 شخصاً في بروكسل شهر آذار الماضي وتم ترحيله إلى هولندا فيما أصرت بلجيكا على عدم تورطه بالحادثة.
تبدو بعض المظاهر المتمدنة في المدينة حيث يوجد مقهى ستاربكس ومركزي تسوق يحويان العديد من الماركات العالمية، تقول إحدى العاملات الأجنبيات أن والدتها تخشى عليها من الذهاب لهذه المتاجر قائلة “ولكني أذهب للتسوق من محل مارك وسبنسير الشهير”.
مدينة الخطر الداهم
ينذر المظهر العام للمدينة بالخطر، حيث يتم تحذير موظفي هيئات الإغاثة من التواجد في بعض الأماكن، مثل المحلات والمطاعم التي تبيع الخمور، فهناك شائعات تقول بأن العديد من عملاء داعش يدخلون المدينة بكثرة، والعديد من الجهاديين تغطي وجوههم اللحى الكثيفة، ويرتدون الجوارب الطويلة التي تصل الى سراويلهم القصيرة، وهو اللباس الخاص بمقاتلي داعش، حيث يحظر عليهم ارتداء الملابس الطويلة.
في هذه الأثناء تترامى الشقق التي تزدهر بالدعارة، حيث يتم بيع زوجات وبنات الرجال السنة الذين قتلوا من قبل تنظيم داعش لرفد خزينة الخلافة. بعد انتهاء هذه الحقبة القديمة من بيع الجواري على طريق الحرير تعود غازي عنتاب لتكون نقطة البداية.
وتقول سورية تعمل لدى إحدى منظمات الإغاثة تدعى مروى بوكا “نحن نتلافى التواجد في الأماكن العامة”.
ويقول الخطيب أنه قلق جداً مما قد يحدث هنا، حيث أن زوجته وهي صحفية أسترالية ولكنها في سيدني الآن، غادرت بعد اغتيال ناجي لأنها لم تعد تشعر بالأمان، ويضيف الخطيب بأن على رفاقه أن يتخذوا الحيطة والحذر في كل لحظة، ولكن هذا غير ممكن مع اضطرار الموظفين لاستقبال العديد من الناس في مكاتبهم.
التمسك بالعودة
وبينما لا يجد السوريون أملاً بمستقبل بلادهم، يرفض أغلبهم الخروج من سوريا إلى الأبد، حيث يملأ الرعب وجوه اللاجئين كلما سمعوا صوتاً يذكرهم بالقصف الشديد على مدنهم التي هربوا منها.
وتقول أماني الزهراوي وهي إحدى العاملات في منظمات الإغاثة التي هربت من حلب بعد اشتداد القصف إلى غازي عنتاب زحفاً بعد أيام من إنجابها بعملية قيصرية ” كنت أمشي في إحدى المرات مع أطفالي في الشارع في غازي عنتاب عندما مرت طائرة من فوقنا وأصيب أبنائي بالهلع، كانوا يختبئون ويصرخون، انهرت في تلك اللحظة ونذرت بألا أعيدهم إلى سوريا مجدداً، أما بالنسبة لي فأنا على استعداد للعودة في أي لحظة.”