أعلنت قيادة أركان عملية “البنيان المرصوص” في ليبيا عن استعادة السيطرة على ميناء مدينة سرت، الذي كان يسيطر عليه تنظيم “داعش”.
وقال رضى عيسى، عضو المركز الإعلامي في غرفة العمليات لتحرير سرت، إن القوات الحكومية بدأت اقتحام الميناء، يوم الجمعة (10/06/2016)، قبل أن تُحكم السيطرة عليه بالكامل يوم السبت؛ مضيفا أن وحدات عسكرية تتمركز حاليا داخل الميناء.
آخر المعاقل
وتسير العمليات العسكرية لاستعادة مدينة سرت، والتي بدأت منذ نحو شهر من الآن، بوتيرة سريعة؛ حيث تقول الحكومة في طرابلس إنها أحكمت الحصار على التنظيم الإرهابي في مربع لا يتجاوز خمسة كيلومترات داخل سرت.
وأعرب المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر عن دهشته لسرعة تقدم الكتائب التابعة لحكومة الوفاق نحو آخر وأبرز معاقل التنظيم في سرت. وتقول مصادر عسكرية في قيادة أركان عملية “البنيان المرصوص” إن بعض قادة التنظيم فروا من ساحة المعركة جنوبا باتجاه الصحراء الليبية.
سرعة سقوط المدينة ومحيطها في أيدي القوات الحكومية؛ أثار الكثير من علامات الاستفهام بين المراقبين. ويرجح غالبهم أن الدعم العسكري السري، الذي تقدمه الدول الغربية للقوات الحكومية، كان وراء نجاحها الباهر حتى الآن في دحر مقاتلي التنظيم الإرهابي؛ وقالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن وجود قوات خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا ساعد كثيرا في التقدم نحو سرت. وذلك، في إشارة إلى الدعم الذي يقدمه خبراء عسكريون من هذه الدول للقوات الحكومية التي تحارب “داعش”.
أين حفتر؟
وبات واضحا الآن للكثير من المراقبين أن قوات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس هي التي ستفوز بسباق تحرير مدينة سرت، على حساب قوات الجيش التابع للحكومة المؤقتة في طبرق، والتي يقودها الفريق خليفة حفتر.
وكان الطرفان قد أعلنا عن الشروع في عملية عسكرية لتحرير مدينة سرت من قبضة التنظيم الإرهابي الأعنف؛ وجاءت المبادرة من قوات الحكومة المؤقتة قبل أن تليها حكومة الوفاق، التي أنشأت غرفة عمليات خاصة بهذا الغرض.
ولئن كان الهدف المعلن من قبل جيش الكرامة الذي يقوده حفتر هو تحرير سرت لتعزيز الموقع السياسي للحكومة المؤقتة، فإن مراقبين يعتقدون أن حفتر أراد عبر المبادرة بإعلان الحرب على “داعش” جر القوات الحكومية في طرابلس وكتائب مصراتة إلى مستنقع سرت، لاستنزاف قواتها وتكبيدها خسائر فادحة، ما قد يسهل مهمة جيشه في حال تحركه بالفعل نحو سرت.
وتذهب بعض التحليلات إلى أن حفتر كان يريد نصب فخ لكتائب ثوار مصراتة والمليشيات المتحالفة وإدخالها في أتون حرب أهلية، خاصة أن القبيلتين الرئيستين في منطقة سرت هما: قبيلة الفرجان التي يتحدر منها حفتر نفسه، وقبيلة القذاذفة التي يتحدر منها الزعيم الراحل معمر القذافي.
وعلى الرغم من الخسائر البشرية المرتفعة نسبيا، فقد حقق التحالف، بين ثوار مصراتة وقوات حرس المنشآت النفطية، تقدما مذهلا باتجاه سرت، بعكس قوات جيش الكرامة الذي لم يتقدم خطوة نحو مقاتلة “داعش”، كما وعد بذلك حفتر في الثالث من مايو/أيار الماضي.
الخطوة الموالية
وتتوجه الأنظار حاليا إلى سرت بانتظار إعلان تحريرها بالكامل من قبضة التنظيم. وهو الانتصار الذي وعد رئيس الحكومة فايز السراج الليبيين والعالم بأنه سيتحقق خلال الأيام القليلة المقبلة. انتصار إن تحقق فسيعزز ثقة العالم بحكومة الوفاق الوطني، وقد يزيد من شعبيتها داخل ليبيا؛ لكنه حتما لن يمنحها ثقة البرلمان الليبي في طبرق، والذي أخفق حتى الآن في التصويت لها، بسبب ضغوط كبيرة تمارسها أطراف وازنة في الحكومة المؤقتة، والجيش الذي يقوده خليفة حفتر.
وتعرب أوساط في حكومة الوفاق الوطني عن قلقها من ظهور جيوب اجتماعية معارضة لسيطرتها على مدينة سرت. وهو ما عبر عنه بيان صادر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق دعا فيه “جميع القوى الموجودة في الميدان إلى الانضمام إلى القوات المنتصرة (قوات عملية “البنيان المرصوص”)، وتحييد المدنيين الأبرياء والحفاظ على حياتهم”.
لكن المثير فعلا هو أن سرت قد تمثل خط تماس مباشر بين القوتين المتنازعتين، وخاصة أنها تتوسط ما يعرف بمنطقة الهلال النفطي، وتضم العديد من المنشآت المهمة والحساسة، بالإضافة إلى أنها مفترق الطرق المؤدية لجميع المناطق.
ورغم حدوث انشقاقات وتصدعات في حلف القوات المسيطرة على شرق ليبيا، فإن التركيز في المرحلة المقبلة يجب أن ينصب على البحث عن ثُغَر لاختراق جدار الأزمة السياسية، تسمح لحكومة الوفاق بنيل الثقة الدستورية؛ ما يضمن إشراك جميع الأطراف في إعادة هيكلة البلاد، والعبور بها إلى بر الأمان.