إن الصيام الذي فرضه رب العزة – سبحانه وتعالى – في شهر رمضان له ثمار كثيرة، فقد سن سبحانه
وتعالى على لسان نبيه صيام أيام أخرى غير رمضان، ليحصل للإنسان هذه الثمار في رمضان وغير
رمضان.
فمن ثمرات الصيام أنه يقوي العزيمة ويصلح النفس، وتُغفر به الذنوب، وتزداد به الحسنات وتُرفع به الدرجات، ويُدخل صاحبه من باب الريان ويشفع لصاحبه، ويُصلح البدن ويُبرئ من السقم، ويقرب العبد من ربه إلى إن يصل إلى تقوى الله.
وإذا كان رب العزة – سبحانه وتعالى – قد أمرنا بعبادته وحده لنصل إلى أسمى الغايات وهي تقوى الله: ﴿
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة:21].
فقد اختص الله سبحانه – المؤمن إذا صام بنيل هذه الدرجة الرفيعة هي درجة التقوى.
وهي أعظم ثمرة من ثمار هذا الصوم.
لنأخذ ذلك بشيء من التفصيل.
1- الصوم ينبت التقوى في القلوب: قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
والتقوى هي: (الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل).
أو هي: (أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تبتعد عن معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله).
وحيث إن سبيل التقوى هو الإحسان، والإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
والصيام فيه ترك المباح في وقت محدد استجابة لأوامر الله ومسارعة لرضاه، ولا يطلع على صدق العبد
في صيامه إلا الله، فهي عبادة لله: (كأنك تراه)، فهي موصلة إلى الإحسان وهو سبيل يوصل إلى التقوى.
2- الصائم يوفى أجره بغير حساب: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله
وسلم: قال الله – عز وجل-: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا
الصوم فهو لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذَّته من أجلي، ويدع
زوجته من أجلي، ولخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر،
وفرحة حين يلقى ربه).
رواه البخاري ومسلم وابن خزيمة واللفظ له.
3- صيام يوم في سبيل الله يباعدك عن النار سبعين سنة: عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله – صلي الله عليه وآله وسلم -: (ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله تعالى إلا بَاعَدَ اللهُ بذلك
اليوم وجْهَهُ عن النارِ سبعينَ خريفًا).
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
4- صوم رمضان إلى رمضان يغفر ذنوب ما بينهما: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلي
الله عليه وآله وسلم – قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما
بينهن إذا اجتنبت الكبائر). رواه مسلم.
5- الصوم لا عدل له: وعن أبي أمامة قال: (أتيت رسول الله – صلي الله عليه وآله وسلم – فقلت: مرني
بعمل يدخلني الجنة، قال: ( عليك بالصوم فإنه لا عدل له).
ثم أتيته الثانية، فقال: (عليك بالصيام). رواه النسائي وأحمد والحاكم.
6- الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة: عن عبد الله بن عمرو أن النبي – صلي الله عليه وآله وسلم – قال:
الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني
فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: (فيشفعان). رواه أحمد.
7- صوم رمضان إيمانًا واحتسابًا يغفر ما تقدم من ذنوب الصائم: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
– صلي الله عليه وآله وسلم – قال: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه). رواه
البخاري ومسلم.
وعلينا أن نعرف أن الصائم لرمضان لا يستحق هذا الأجر وهو غفران ما تقدم من ذنبه إلا إذا صامه إيمانًا
واحتسابًا.
أما من صامه رياء وعدم احتساب فلا ينفعه صيامه، والله غني عن صومه، وقد قال – صلي الله عليه وآله
وسلم -: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). رواه البخاري
والترمذي والنسائي.
8- تفتح في شهر رمضان أبواب الخير وتغلق أبواب الشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله – صلي الله عليه وآله وسلم -: (إذا جاء رمضان فُتِّحتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار وصُفِّدتْ
الشياطين). رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: (فتحت أبواب الجنة، وفتحت أبواب السماء، وأغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين).
وفي رواية: (فتحت أبواب الرحمة…).
9- الصائمون يدخلون من باب خاص من أبواب الجنة: عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي –
صلي الله عليه وآله وسلم – قال: (إن في الجنة بابًا يقال له الرَّيَّانُ يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل
منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد). رواه البخاري ومسلم.
10- الصيام يقي صاحبه من اقتراف الذنوب: لقوله – صلي الله عليه وآله وسلم -: (يا معشر الشباب من
استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء).
وقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه
وشرابه). رواه البخاري والترمذي والنسائي.
وقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: (الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا
يجهل، فإن سابَّه أحد فليقل إني امرؤ صائم). رواه البخاري ومسلم.
وقوله – صلي الله عليه وآله وسلم -: (ورُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش). رواه أحمد.
11- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك: لقول رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: (
والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). رواه البخاري.
12- يُعطى من فطر صائمًا نفس ثوابه دون أن يَنْقُصَ من ثوابه شيء: لقول رسول الله – صلي الله عليه
وآله وسلم -: (من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا يَنْقُصَ من أجر الصائم شيء). رواه النسائي
وأحمد.
13- العمرة في رمضان تعدل حجة: لقوله – صلي الله عليه وآله وسلم -: (عمرة في رمضان تعدل حجة).
رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: (حجة معي).
14- في الصيام نعمة القيام وغفران الخطايا والآثام: كان قيام الليل هو دأب النبي وأصحابه. قالت عائشة –
رضي الله عنها -: (لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله – صلي الله عليه وآله وسلم – كان لا يدعه، وكان إذا
مرض أو كسل صلى قاعدًا).
وقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: (كان رسول الله – صلي الله عليه وآله وسلم – يرغب في قيام
رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).
فتوفي رسول الله – صلي الله عليه وآله وسلم – والأمر على ذلك. رواه البخاري ومسلم.
15- صلاة القيام مع الإمام تعدل قيام الليل كله: عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: (صمنا مع رسول الله
– صلي الله عليه وآله وسلم – رمضان، فلم يقم بنا شيئًا من الشهر، حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث
الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله!
لو نفلتنا قيام هذه الليلة، فقال: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) فلما كانت
الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت:
ما الفلاح؟ قال: السحور.
ثم لم يقم بنا بقية الشهر). رواه أصحاب السنن وغيرهم.
16- أن في شهرالصوم ليلة القدر: قال تعالى:
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1-5].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم – قال: (من صام رمضان إيمانًا
واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه). رواه البخاري ومسلم.
فَحَرِيٌّ بك أخي المسلم أن تقتطف هذه الثمار، وأن تنتفع بها.
تقبل الله منا ومنكم.
وصلى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم.