يبدو أن إثارة مجلس النواب المصري مؤخرًا لموضوع الإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك، إضافة إلى تقدم عدد من أعضائه بمشروع قانون لاعتراف القاهرة بالإبادة، شجع جمهورية أرمينيا على طلب وثائق لدى مصر تؤكد وقوع تلك الإبادة.
فقد بدأت أرمينيا بالسعي لدى مصر بهدف الحصول على وثائق حول الإبادة الجماعية التي أقدمت عليها تركيا بحق الأرمن في نهاية القرن التاسع عشر وصولا إلى عام 1915 وراح ضحيتها ما بين 1.5 و 3 ملايين أرميني.
في هذا الصدد، توقعت مصادر في البرلمان المصري أن تسلم القاهرة جمهورية أرمينيا ما يصل إلى 5 آلاف وثيقة تتضمن، صورًا واعترافات من مسؤولين بالدولة العثمانية وحكومة الاتحاد والترقي التي كانت تحكم تركيا في نهاية حكم الدولة العثمانية حول المذابح التاريخية التي ارتكبت في حق الأرمن.
وقالت المصادر إن “هذه الوثائق تحمل إدانات مباشرة لتركيا إذ تشمتل على شهادات من أفراد عايشوا تلك المذابح، إضافة إلى صور للمقابر الجماعية التي تم تنفيذها في تلك السنوات”.
ورأت المصادر أن “هذه الوثائق قد تساعد أرمينيا في الضغط على تركيا للاعتراف بالإبادة الجماعية أو تضييق الخناق على أنقرة أمام المجتمع الدولي، لإقرار المسؤولية عن تلك المذابح”.
وأكدت المصادر أن “هذه الوثائق موجودة في دار الوثائق المصرية ومكتبة مجلس النواب وأرشيف وزارة الثقافة، وأرشيف وزارة الخارجية”، لافتة إلى أن “الحكومة الأرمينية طلبت هذه الوثائق من القاهرة أكثر من مرة، وقد تجددت المطالب الأرمينية عند إثارة الموضوع من جديد في مجلس النواب المصري عبر التقدم بمشروع قانون تعترف من خلاله مصر بالإبادة الجماعية على يد الأتراك بحق الأرمن”.
ومذابح الأرمن التي تعرف أيضا باسم المحرقة الأرمينية والمذبحة الأرمينية أو الجريمة الكبرى، تشير إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل القسري التي كانت عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين.
وقد تم العثور على العديد من المنشآت التذكارية التي تضم بعض رفات ضحايا المذابح، ويعتبر يوم 24 نيسان/إبريل من كل عام ذكرى مذابح الأرمن، وهو اليوم نفسه الذي يتم فيه استذكار المذابح، وفيه تم اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن في إسطنبول.
من ناحيتها تنفي تركيا وقوع المجازر التي تؤكدها الأمم المتحدة، في حين وجهت بالسنوات الأخيرة دعوات متكررة لأنقرة للاعتراف بالأحداث بأنها إبادة جماعية.
وحتى الآن اعترفت أكثر من عشرين دولة رسميًا بمذابح الأرمن بأنها إبادة جماعية، في الوقت الذي تعتبر فيه أغلبية المؤسسات الأكاديمية أن ما قامت به الدولة العثمانية بحق الأرمن يرتقي إلى الإبادة الجماعية ومن بين هذه المؤسسات الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية.
من ناحيته، اعتبر رئيس الجالية الأرمينية بالقاهرة الدكتور أرمين مظلوميان أن “الاعتراف من جانب القاهرة بالإبادة الأرمينية على يد الأتراك هو بمثابة حق، لأن الأرمن الموجودين حاليا في مصر الذين هربوا من المذابح واندمجوا بالمجتمع وأصبحوا مصريين، يجب أن يلمسوا الاعتراف بما تعرض له أجدادهم من أبشع المجازر”.
وقال مظلوميان إن “القرار الذي يتجه إلى إقراره البرلمان في مصر إنساني ولا يتعلق بسوء العلاقات بين مصر وتركيا”، مشيرا إلى أن “اعتراف القاهرة سيكون من أهم الاعترافات لأنه صادر من أكبر دولة عربية وإسلامية”.
ونوه رئيس الجالية الأرمينية في مصر إلى أن “الاعتراف من جانب دول وحكومات العالم بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك، يعتبر أداة ضغط ليس أكثر”، لافتا إلى أن “المهم في القضية هو الاعتراف التركي اللازم والضروري للبدء بالتفاوض حول التعويضات المطلوبة لأهالي الضحايا”.