تظاهر أنصار العماد ميشال عون بالآلاف اليوم على طريق “القصر الرئاسي” في بعبدا، مستعيدين ذكرى الـ 13 من تشرين الأول 1990، التاريخ الذي شهد إخراج رئيس الحكومة الانتقالية، آنذاك، العماد عون، عنوة، من القصر الرئاسي بهجوم شنّه الجيش السوري، آنذاك.
وتبدو هذه التظاهرات التي عمّت اليوم طرق لبنان وسدّت مداخل بيروت إشارة “تهديدية” كامنة من عون لمن لا يزالون يعارضون وصوله الى رئاسة الجمهورية الشاغرة منذ عامين ونصف العام، والتي يصرّ “حزب الله” الداعم الأول لترشيح عون على مقايضتها برئاسة الحكومة لرئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري وفق شروط معينة.
وأخيرا بدأ الرئيس الحريري مشاورات داخلية وإقليمية مستمزجا الآراء حول إمكانية ترشيح عون.
والواقع أن الحريري متحمّس للعودة الى رئاسة الحكومة اللبنانية أكثر من حماسته لوصول عون الذي لا يحظى بتأييد الشارع السنّي.
لكن الحريري لم يعد مهتما بهوية الرئيس العتيد بعدما وصل الى حالة صعبة مادّيا من خلال انهيار شركته “سعودي أوجيه”، وبسبب تراجع شعبيّة تياره في لبنان والذي تبدى بشكل واضح في الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة، وخصوصا في مدينة طرابلس التي خسر فيها المجلس البلدي برمته لصالح لائحة مدعومة من وزير العدل المستقيل أشرف ريفي.
ويحتاج الحريري الى إعادة “ضبضبة” البيت الداخلي و”قصقصة” أجنحة بعض المتمردين وفي طليعتهم الوزير ريفي، ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ورئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة.
وبالتالي فإن عودة الحريري لرئاسة الحكومة تمنحه السلطة وتلمّع صورته الإقليمية وتمحضه وزارات خدماتيّة يستعيد عبرها شارعه فيمسكه مجددا، فيعود الى السعودية ويتم استقباله مجددا من العهد الجديد.
وهو قرر تحريك الملف الرئاسي مجددا عبر التلميح بقبوله بالعماد عون دون الإعلان عن ذلك على الملأ وذلك بعد ان تبيّن له أن ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية وصل إلى حائط مسدود.
ويبدو من خلال الاجتماع الذي انعقد أخيرا بين الحريري والعماد عون في الرابية بحضور مدير مكتبه نادر الحريري وصهر الجنرال عون وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بأن المحادثات أكثر من إيجابية وتمّ خلالها الاتفاق على بنود أساسية في طريقة إدارة الحكم.
“حزب الله” يمسك الرئاسة
لكن الكرة ليست فقط في ملعب الحريري الذي قبل عمليا بمرشح “حزب الله” أي العماد عون، لأن تعطيل الرئاسة الأولى يأتي أولا من “حزب الله” الذي لا تلائمه انتخابات رئاسية اليوم في حين ينغمس كليا في الحرب السورية، كذلك فإن “حزب الله” لا يمكنه القبول بملء الشغور الرئاسي في لبنان دون التفاوض على مكتسبات دستورية يمنحها له الدستور اللبناني في السلطة التنفيذية.
وبعد أن اقترح أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله تنظيم “مؤتمر تأسيسي” للحوار حول النظام، وهو يعني عمليا نسف اتفاق الطائف، وجد أن دون اقتراحه جدارا كثيفا من المعارضة، فاستبدل المؤتمر التأسيسي بما سمّاه “السلّة” التي تسلّم تسويقها حليفه رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة “أمل” نبيه برّي، وتحوي هذه السلّة قانون انتخابات جديد على أساس النظام النسبي، ومداورة في وظائف الفئة الأولى: مديرية المخابرات، قيادة الجيش، حاكمية مصرف لبنان، ووضع آلية لمجلس الوزراء تخفف من صلاحيات رئيس الحكومة وسواها من التفاصيل المتعلقة أيضا بالبيان الوزاري ودور المقاومة والثلث المعطّل.
ويبدو أن ثمة عقبات قوية تحول دون توصل “حزب الله” الى هذه “السلة” أولها إمكانية ترشيح الحريري فعليا لعون ما يسقط من يده سلاحا قويا، وثانيا موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي رفض ربط رئاسة الجمهورية بـ”السلة”.
يراهن بعض الأفرقاء اللبنانيين وفي مقدمتهم “القوات اللبنانية” ورئيسها سمير جعجع على أن اكتشاف عون لمناورات “حزب الله” سيجعله يفكّ ارتباطه معه ويُخسّره الغطاء المسيحي الذي يحتاجه الحزب بقوّة، إلا ان أوساطا مسيحية أخرى تشير الى أن العماد عون يدرك أكثر من سواه مناورات “حزب الله” ويجاريه فيها، وهو يدرك أن “حزب الله” تخلى عنه في اتفاق الدوحة عام 2008 لصالح ميشال سليمان لكنّه مستمرّ في معركته الرئاسية حتى آخر رمق.
وتشير الأوساط الى أن فكّ عون الارتباط مع “حزب الله” لا يصبّ أيضا في مصلحته.
هذا الواقع يؤول الى أن “حزب الله” لن يتخلى عما اكتسبه في الدوحة عام 2008 من “الثلث المعطّل”، وقانون الانتخاب، واليوم يريد النظام الانتخابي النسبي والمداورة في الوظائف الأولى ونظام داخلي لمجلس الوزراء ويزيد برّي على هذه الطلبات وزارة المالية التي لا يمشي أي قرار بالدولة بلا توقيع وزير المالية.
كلّ ذلك يعني بأن طموحات العونيين الرئاسية لا تزال “على طريق” القصر الرئاسي ووصولهم وقائدهم الى داخل “قصر الشعب” في جلسة الانتخاب الـ44 في الـ31 الجاري دونها عقبات جمّة.