شكّل التوجّه الجديد للمملكة العربية السعودية شرقًا، بالانفتاح على جمهورية الصين الشعبية، الرّد الأبرز على قانون “جاستا” الأمريكي، الذي وجّه ضربة موجعة للعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتّحدة، لتجد المملكة ضالّتها في العملاق الآسيوي عبر اتفاقيّات ضخمة تخدم خطط المملكة الجديدة.
وفي ظلّ تعطّش الصين للنفط، تسعى المملكة إلى فتح أسواق جديدة للتعويض عن الاكتفاء الأمريكي، وهبوط أسعار النفط.
وتُعدّ الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، كما تحتلّ المرتبة الأولى عالميًا من حيث حجم التجارة.
يؤكّد الكاتب السعودي، علي الخشيبان، في مقال له نشرته صحيفة “الرياض” السعودية، اليوم الاثنين، حمل عنوان “بين عطش الصين للبترول وارتواء أميركا، أين يكمن المستقبل؟” بأن “تعطش الصين للبترول الخليجي مهم ويجب على الخليجيين أن يساهموا في دفع الصين لتعاطي المزيد من ماء البحر المالح لمضاعفة عطشهم للبترول الخليجي في المرحلة المقبلة؛ لأن أميركا الآن تشعر بالاكتفاء التام”.
ويرى الكاتب أنه “ليس أمام الخليج العربي بدوله البترولية سوى مزيد من استثمار العطش الصيني وبناء سياسات اقتصادية مطلقة مع الصين، دون إقحامها في سياسات المنطقة لأنها لن تفعل مهما كانت الأسباب”، في إشارة إلى ضرورة التركيز على تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين دون التعويل على التوافق السياسي.
الصين أكبر شريك تجاري للسعودية
وكانت تقارير محلية سعودية ذكرت أن الصين تُعدّ أكبر شريك تجاري للمملكة، كما تتصدّر السعودية التنافس على واردات مصافي تكرير النفط الصينية المستقلة، إلى جانب مشتريات من شركات حكومية عملاقة مثل “سينوبك” و”بتروتشاينا”.
وفي ظلّ توجه شركة “أرامكو” إلى الحفاظ على النموذج الخاص بالعقود طويلة الأجل، يبدو أن عملاق النفط السعودي بحاجة إلى مرونة أكثر في شروطه المستندة على التفاوض على بيع كميّات كبيرة إلى مجموعة من شركات التكرير المستقلة في الصين بعقد سنوي واحد، إذ تتجه شركات التكرير الصينية المستقلة إلى الشراء من البائعين الذين يعرضون شروطًا أكثر مرونة فيما يتعلق بالتسليم وأحجام الشحنات والدفع من تلك التي يقدمها مورّدو الشرق الأوسط الذين يسعون في العادة لإبرام عقود طويلة الأجل مع العملاء.
وفي نيسان/ إبريل الماضي، باعت “أرامكو” أوّل شحنة من الخام العربي الثقيل إلى إحدى شركات التكرير الصينية المستقلة من “أوكيناوا” في شحنة فورية تجريبية.
وتتطلّع السعودية أيضًا لامتلاك طاقة تخزين في الصين، إذ وقّع البلدان مذكرة تفاهم لبحث هذه المسألة في وقت سابق هذا العام.
وظلّت السعودية أكبر مورد للصين في الفترة من كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى أيلول/ سبتمبر الماضي، لكنها على أساس شهري لم تتصدّر قائمة المورّدين لها إلا ثلاث مرّات هذا العام، إذ تدخل في منافسة مع روسيا وأنغولا.
أسواق السعودية تستقطب استثمارات الصين
وكان صالح العواجي، وكيل وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية لشؤون الكهرباء، رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للكهرباء، أكبر شركة مرافق عامّة في منطقة الخليج، أكّد أمس الأحد، على “وجود رغبة جادّة وسعي حثيث من قبل الشركات الصينية لزيادة استثماراتها في قطاع الكهرباء في المملكة، وأن المدّة المقبلة ستشهد نقلة نوعية في حجم الشراكات والاستثمارات الصينية في مصادر الطاقة المختلفة في المملكة لإنتاج الكهرباء”.
وقال العواجي، في تصريحات له على هامش انعقاد الدورة الخامسة لـ “مؤتمر التعاون العربي الصيني في مجال الطاقة” في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في العاصمة الصينية بكين، إن رفع حجم الاستثمارات السعودية الصينية في مجال الطاقة الكهربائية، من شأنه أن “يستهدف أيضًا تصدير الكهرباء إلى الأسواق الإقليمية والدولية، والحرص على تنفيذ مشاريع الربط الكهربائي التي تدعم هذا التوجه لتطوير سوق كهرباء عربية على الأمد القريب، والتخطيط للتوسع في السوق ليشمل الربط مع تركيا على الأمد المتوسط، ومع شبكة كهرباء أوروبا على الأمد البعيد”.
“جاستا” يخلق شرخًا في العلاقات مع أمريكا
وصوّت مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكيّان، بأغلبية كبيرة، بالموافقة على القانون الذي يسمح لأُسر من قُتِلوا في هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، بالمطالبة بتعويضات من الحكومة السعودية.
ويضع قانون “جاستا” الكثير من الدول عرضة للاتهام أمام السُّلطات القضائية الأمريكية، في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية، نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات، أو نتيجة لحالات وفاة تحدث داخل أمريكا، وتنجم عن فعل إرهابي أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظّف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة تولّيه منصبه، بغض النظر إذا كانت العمليّات الإرهابية تمّت أم لا، ومنح القانون المواطن الأميركي حقّ تقديم دعوى ضدّ أيّة دولة أجنبية.
وسعت السعودية جاهدة لحشد الرفض لقانون “جاستا” وهو اختصار لـ “قانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب” قبل التصويت، وحذّرت من أنه سيقوّض مبدأ الحصانة السيادية؛ وقالت الحكومة السعودية إن قانونًا أمريكيًا يسمح للمواطنين بمقاضاة المملكة، بشأن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، يمثّل تهديدًا للعلاقات الدولية.
ويبدو أن توتّر العلاقات مع الولايات المتحدة، يشكّل حافزًا للمملكة لفتح أسواق جديدة والبحث عن علاقاتٍ تخدم تطلّعاتها الاقتصادية، ليمثّل التوجّه التجاري الجديد شرقًا، انعكاسًا للسياسة الخارجية السعودية، في أحدث صورها