تحدى العاهل المغربي محمد السادس الاثنين، الحكومة الجزائرية بعودة بلاده إلى هياكل الاتحاد الأفريقي في قرار منطقي وليس تكتيكيا وبعد تفكير عميق، مؤكدا أن المغرب لا يطلب الإذن من أحد للعودة إلى مكانه الطبيعي.
وعلى غير العادة، اختار محمد السادس العاصمة السنغالية دكار لإلقاء الخطاب الملكي السنوي بمناسبة مرور 41 سنة على المسيرة الخضراء التي سيطر فيها المغرب على الأراضي الصحراوية بعد خروج الاحتلال الإسباني منها.
رسائل من السنغال
وبعث العاهل المغربي من السنغال رسائل تفيد بأن بلاده “لا تتدخل في السياسة الداخلية للدول، ولا تنتهج سياسة التفرقة”، معربا عن أمله بأن “تتعامل كل الأطراف مع هذا القرار بكل حكمة ومسؤولية لتغليب وحدة أفريقيا ومصلحة شعوبها”.
وأضاف محمد السادس من دكار أن “السنغال كان دائمًا في طليعة المدافعين عن الوحدة الترابية للملكة ومصالحها العليا، وأكثر من ذلك فقد أثبت السنغال أن مسـألة الصحراء بمثابة قضية وطنية”.
الملك يتحدى الجزائر
ورغم أن الملك المغربي تجنب ذكر الجزائر لتجنب إحراج السنغال مع هذا البلد الجار، إلا أن خطابه جاء في مجمله مستهدفًا الجارة الشرقية بلهجة امتلأت بعبارات التحدي، وذلك على خلفية اعتراض الجزائر على الشروط المسبقة التي وضعتها الرباط للعودة إلى المنظمة القارية بعد عقود من الانسحاب.
وطالب المغرب الأفارقة بطرد الجمهورية العربية الصحراوية من الاتحاد الأفريقي، لكن الجزائر وبضع دول أفريقية ترفض هذا “المطلب التعجيزي” على اعتبار أن الصحراء الغربية عضو مؤسس في الاتحاد الأفريقي والمغرب لم ينضم أبدا إلى هذا الكيان الذي خلف منظمة الوحدة الأفريقية إذ كانت الرباط عضوًا فيها.
ويضم الاتحاد الأفريقي حاليًا 54 دولة وكان يسمى منظمة الوحدة الأفريقية التي انسحب منها المغرب عام 1984 احتجاجًا على اعترافها بجبهة “البوليساريو” التي تطالب بتحرير الصحراء الغربية من الوجود المغربي.
الصراع على أفريقيا
بعيدا عن النزاع الصحراوي المغربي، أثارت الجولة التي يقوم بها منذ أيام الملك محمد السادس إلى بلدان أفريقية، اهتمام الخبراء والمحللين في الجزائر والمغرب على حد سواء، إذ أجمع هؤلاء على أن القارة السمراء قد أضحت ساحة جديدة للصراع بين البلدين الغريمين.
وتحرص الدولتان في الآونة الأخيرة على “شن حملات دبلوماسية واقتصادية” في القارة الأفريقية، إذ تحاول الرباط العودة بكل السبل إلى المشهد القاري عبر طلب الانضمام للاتحاد الأفريقي، وإعادة ترميم علاقاتها المتأثرة ببعض الدول على خلفية موقفها الداعم لمقترح تقرير مصير الصحراويين.
بدورها، تبذل الجزائر جهودا معتبرة لترتيب أولوياتها مع الأفارقة، وتمتين علاقاتها الاقتصادية في إستراتيجية تبدو واضحة للعيان بأنها تعتمد على استدراك ما فات برفع مبادلاتها التجارية مع البلدان الأفريقية، وفق مقاربة اقتصادية جديدة تعتمد بالأساس على خلق شراكات تجارية وتعاون اقتصادي فعال، لتعويض الخسائر التي تكبدتها جرّاء تهاوي أسعار النفط في السوق العالمية.
ويتنافس قادة البلدين الغريمين على تنظيم زيارات “دولة” إلى بلدان أفريقيا، إذ يقود الملك المغربي محمد السادس بنفسه جولات مكوكية، بينما أوفدت الجزائر بعثات حكومية بعضها أشرف عليها رئيس الوزراء عبد المالك سلال، وأخرى تولاها وزراء ونواب فاعلون ضمن خطة تبدو مضبوطة بإحكام يزاحم بها هذا الطرف ذاك.
مؤتمر أفريقي لبعث شراكات جزائرية جديدة
تخطط الجزائر لاحتضان المنتدى الأفريقي للاستثمار والأعمال مطلع الشهر المقبل، إذ قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الاثنين إن “هذا المنتدى سيكون فرصة لتعزيز الجهود التي تبذلها بلاده من أجل تنويع الاقتصاد وتكييف نموذج نموها، بواسطة الاستفادة من المزايا التي توفرها القارة السمراء بوصفها خزانًا كبيرًا للإنتاجية وإنتاج الثروات والنمو”.
واعتبر لعمامرة أن “انعقاد هذا الموعد الذي يرتقب مشاركة أكثر من 2000 متعامل اقتصادي من شتى القطاعات، ستكون فرصة لمباشرة هذا المسعى”، مضيفًا بأن “أفريقيا تملك مزايا توفرها لمن لديه الشجاعة والإرادة للتوجه إليها والجزائر أكبر بلد أفريقي وعربي تعد جزءا لا يتجزأ من أفريقيا ومن مصيرها”.
وتابع الوزير الجزائري بأن”وضع الاقتصاد الجزائري والإصلاحات الحالية لا تمنع البلد من أن تكون له طموحات في أفريقيا، وأن يلعب دور قاطرة الاندماج الاقتصادي الأفريقي”، منوها إلى أن “الوضع الأمني في بضع بلدان أفريقية لا يشكل هو الآخر عائقا لولوج أسواق القارة”.
وشدد لعمامرة على أنه “في المستقبل غير البعيد سنتفاوض حول اتفاقاتنا التجارية بشأن دولتي مالي والنيجر، وكذا مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”، مشيرا إلى أن “الجزائر التي تحظى بصفة ملاحظ ضمن هذه المنظمة، تفكر في إجراءات أخرى تشجع توجه الاقتصاد الجزائري نحو الاقتصاديات الأفريقية الأخرى”.