العراق المنظمة: كافة الأطراف تورطت في ارتكاب جرائم حرب في الموصل .. والمدنيين عالقين بين إرهاب “داعش” وبين جرائم القوات النظامية والميليشيات الموالية لها

تعرب المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن عميق إدانتها لجرائم الحرب التي ارتكبها مختلف الأطراف المنخرطة في معركة الموصل، والتي وضعت المدنيين بين سندان “داعش” ومطرقة الحكومة والميليشيات التابعة لها.
ورغم أنه من المستحيل عملياً حصر الجرائم المرتكبة وأعداد الضحايا من المدنيين غير المنخرطين في النزاع، إلا أن العشرات من الجرائم المتنوعة تشكل نماذج صارخة على فداحة ما يتعرض له المدنيون من جرائم الحرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والتي يرقى بعضها إلى حد التطهير العرقي.
فبعد سلسلة الجرائم المتنوعة التي ارتكبها تنظيم “داعش” الإرهابي في الأسابيع السابقة على معركة الموصل، لإحكام السيطرة ومنع بعض العشائر من المشاركة في المعركة ضده، وخاصة القتل خارج نطاق القانون وتنفيذ إعدامات جماعية، فقد استخدم التنظيم الآلاف من المدنيين كـ”دروع بشرية” للحيلولة دون تقدم القوات العراقية والميليشيات الموالية لها، وكذا لمنع الطيران من شن غاراته على مفاصل التنظيم الذي تمركز بصفة رئيسية في المناطق المدنية.
ولم يشفع للمدنيين كونهم ضحايا للتنظيم الإرهابي، فلم يكترث التحالف الدولي ضد “داعش” بسلامة المدنيين والأهداف المدنية خلال العشرات من الغارات الجوية التي شنها على مدينة الموصل وأكثر من 50 قرية وبلدة في المناطق التي يحتلها تنظيم “داعش”.
وبينما حرصت الحكومة العراقية بداية على استبعاد ميليشيات “الحشد الشعبي” من المشاركة في المعركة في ضوء السجل المخزي من جرائم استهداف العرب السنة على أسس مذهبية، وهو السجل الذي تعاظم خلال معارك تكريت والأنبار والفلوجة، فقد فشلت الحكومة بداية في منع قواتها النظامية من ارتكاب جرائم القتل على الهوية بحق المدنيين، وخاصة من الذكور الشباب الذين جرى احتجازهم بدعوى الاشتباه في صلتهم بتنظيم “داعش” الإرهابي، وبينهم العشرات من الأطفال دون الـ15 سنة، ولم تفرض الحكومة أي نوع من الرقابة والمساءلة على هذه الجرائم، بل وعمدت إلى إخفاء الحقائق والمعلومات عن هذه الجرائم والفظاعات، أو تبريرها باعتبارها تصرفات فردية.
كما فشلت الحكومة في منع ميليشيات “الحشد الشعبي” من الانخراط في المعركة، حيث أكدت المصادر الميدانية المشاركة الواسعة لهذه الميليشيات مصحوبة بجرائم وفظاعات في عدد من القرى والبلدات التي هرب منها فلول تنظيم “داعش”، وجرى إسناد السيطرة عليها لهذه الميليشيات.
وهو ما اضطر الحكومة في وقت لاحق مطلع الشهر الجاري للإقرار بصورة غير مباشرة بمشاركة ميليشيات “الحشد الشعبي” في المعركة، وذلك عبر الإعلان عن “بدء” مشاركتها بقيادة ضباط في الحرس الثوري الإيراني على امتداد المحور الغربي للموصل.
وقد ترافق ذلك مع قيام ميليشيات “البيشمركة” التابعة لحكومة إقليم كردستان بمنع النازحين العرب الذين فروا في وقت سابق من جرائم “داعش” في كركوك، وارتكاب سلسلة من جرائم التطهير العرقي بحق السكان العرب في العديد من القرى والبلدات، وهو ما يترافق مع سياستها الهادفة لتغيير الطبيعة الديموغرافية في تلك المناطق لتعزيز الهيمنة الكردية عليها.
وقد عبرت المنظمة مراراً خلال العامين الماضيين عن خشيتها من أن سياسة القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها وبمساندة التحالف الدولي ضد “داعش” تؤدي حتمياً إلى تهجير السكان العرب السنة من مناطق سكناهم باتجاه مناطق النزوح في شمال وغرب البلاد، والذي يترافق مع تدمير للبنى التحتية يمارسه كل من تنظيم “داعش” قبل انسحابه والميليشيات الموالية للحكومة عقب دخول المناطق، وعلى نحو يقوض فرص العودة الطوعية للسكان وبما يؤدي إلى ترسيخ حقائق ديموغرافية جديدة على الأرض.
وتؤكد المنظمة على مسئولية المجتمع الدولي قطعياً عن وقف هذا التدهور المريع في أوضاع حقوق الإنسان، وعلى ضرورة تبني إجراءات المساءلة والمحاسبة بشكل عاجل، وتحذر من أن التسامح إزاء هذه الأنماط الجسيمة من الانتهاكات وجرائم الحرب سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية، ويوفر دعماً غير محدود للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، ويدفع وتيرة الصراع المذهبي المدمر إلى حدود تؤثر على حفظ السلم والأمن الدوليين.
وتطالب المنظمة بعقد جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للنظر في تبني تدابير عاجلة للتحقيق والمساءلة، وحث مجلس الأمن الدولي على الاضطلاع بمسئولياته، وهي مسئوليات أساسية في ضوء قراراته الصادرة وفق الفصل السابع في العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *