إن إعادة انتخاب المملكة لعضوية مجلس حقوق الإنسان بتأييد 152 دولة من بين إجمالي عدد الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغ 193 دولة له دلالة كبيرة على ما تحظى به المملكة من مكانة وعلى ما تقوم به من دور إنساني هام لمساعدة الشعوب المحتاجة ولدفاعها الدائم عن حقوق الشعب الفلسطيني ووقوفها مع حقوق الشعب السوري واليمني ومواصلة حماية حقوق الإنسان في الداخل والحرص على تطبيق القانون على الجميع، خصوصاً بعد ما استجد حول ذلك من إجراءات وفقاً لــرؤية المملكة 2030. وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف الـ 10 من ديسمبر كل عام، نستعرض مجهودات المملكة ونتائج مسيرتها منذ التأسيس في وضع منظومة لحماية وحفظ حقوق الإنسان.
كفلت المملكة العربية السعودية وفق أحكام الشريعة الإسلامية حماية حقوق الإنسان وصونها، باعتماد أنظمة لذلك، وهي “نظام الحماية من الإيذاء، نظام حماية الطفل، نظام رعاية المعوقين، نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، لائحة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم”، إضافة إلى الأنظمة السياسية وأنظمة التعليم والصحة والعمل والقضاء والرعاية الاجتماعية والبيئة والإجراءات الجزائية والمطبوعات والنشر ومكافحة الجرائم المعلوماتية وغيرها.
وقد وقَّعت المملكة على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على حميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، واتفاقية حقوق الطفل، والبرتوكول الاختياري لاتفاقية الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، والبرتوكول الاختياري لاتفاقية الطفل والمتعلق ببيع الأطفال وبغائهم واستغلالهم في المواد الإباحية، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والميثاق العربي لحقوق الإنسان. هذا وقد سارعت المملكة في المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان.
كما اتخذت المملكة العربية السعودية عددًا من المبادرات لتفعيل حماية وصون حقوق الإنسان، منها مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز –يرحمه الله- للحوار بين اأتباع الثقافات، وافتتاح مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز –يرحمه الله- العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، وبرنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان في المملكة، وإنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وإنشاء لجنة وطنية دائمة لمكافحة الاتجار بالأشخاص.
هيئة حقوق الإنسان:
من بين الجهود السعودية لحماية حقوق الإنسان في المملكة، إنشاء هيئة مستقلة لحقوق الإنسان ، تحت مسمى “هيئة حقوق الإنسان”، ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، وتهدف إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيزها وفقا لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات، بما في ذلك نشر الوعي بها والإسهام في ضمان تطبيق ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، وتكون هي الجهة الحكومية المختصة بإبداء الرأي والمشورة فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان ، ومن بين أبرز اختصاصات الهيئة ما يلي:
1. التأكد من تنفيذ الجهات الحكومية المعنية، للأنظمة السارية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والكشف عن التجاوزات المخالفة للأنظمة المعمول بها في المملكة والتي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في هذا الشأن.
2. زيارة السجون ودور التوقيف في أي وقت دون إذن من جهة الاختصاص، ورفع تقارير عنها إلى رئيس مجلس الوزراء.
3. تلقي الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان ، والتحقق من صحتها واتخاذ الإجراءات النظامية في شأنها.
4. وضع السياسة العامة لتنمية الوعي بحقوق الإنسان، واقتراح سبل العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان في المملكة بين أفراد المجتمع، والتوعية بها، وذلك من خلال المؤسسات والأجهزة المختصة بالتعليم والتدريب والإعلام وغيرها.
الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان:
ومن بين الجهود السعودية أيضا للمحافظة على حقوق الإنسان، إنشاء “الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان”، التي تنبثق من المجتمع المدني، ومن بين اختصاصاتها العديدة، وفق ما نص عليه نظامها الأساسي ما يلي:
1. التأكد من تنفيذ ما ورد في النظام الأساسي للحكم، وفي الأنظمة الداخلية في المملكة ذات العلاقة بحقوق الإنسان.
2. التأكد من تنفيذ التزامات المملكة تجاه قضايا حقوق الإنسان، وفق ما ورد في إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، وميثاق الأمم المتحدة، والمواثيق والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
3. تلقي الشكاوى ومتابعتها مع الجهات المختصة، والتحقق من دعاوى المخالفات والتجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان.
4. التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في الهيئات الدولية بشكل عام والمنظمات الدولية غير الحكومية بشكل خاص.
تطابق القوانين والأنظمة السعودية مع المعايير الدولية
وفيما يلي عرض لتطابق الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية كما جاءت في العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان مع الإطار النظامي لحقوق الإنسان في المملكة:
تضمنت أنظمة المملكة نصوصاً صريحة تهدف إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وعلى رأسها النظام الأساسي للحكم ونظام القضاء ونظام ديوان المظالم ونظام الإجراءات الجزائية وغيرها من الأنظمة العدلية، كما تضمنت الأنظمة الأخرى كأنظمة العمل والصحة والتعليم والتأمينات الاجتماعية وغيرها من الأنظمة واللوائح والقرارات التي من شأنها حماية حقوق الإنسان مباشرة والتي تمثل الإطار النظامي بحقوق الإنسان.
تضمن النظام الأساسي للحكم مبادئ وأحكام أساسية تهدف الى حماية وتعزيز حقوق الإنسان تمثل تلك المبادئ والاحكام في مجملها الاطار النظامي لحقوق الإنسان في المملكة. وقد نصت المادة 26 من النظام الأساسي للحكم على أن: “تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية” وهذا ينطبق على المواطنين والمقيمين بدون تفرقة على اساس جنسي أوعرقي أو مذهبي أو ديني، وقد أكد النظام على جملةٍ من الحقوق الأساسية ومنها:
الحق في العدل والمساواة، حيث نصت المادة 8 على أن “يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية”.
وفي مجال المساواة أمام القضاء، فقد نصت المادة 47 على أن: “حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة”.
وباعتبار ان الحق في الأمن هو اللبنة الأساسية لجميع حقوق الإنسان، وأن إعماله لا ينبغي أن يؤثر على الحق في الحرية، فقد نص النظام بشكل قاطع في مادته 36 على أن: “تُوفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، ولا يجوز تقييد تصرفات أحد، أو توقيفه، أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام.”
وكفلت أنظمة المملكة حق أي متهم في محاكمة عادلة، من خلال توفير العديد من الضمانات النظامية انطلاقاً من أحكام الشريعة الإسلامية، التي أوجبت الحكم بالعدل بين الناس، حيث نصت المادة 64 من نظام المرافعات الشرعية أن تكون المرافعة علنية، كما جاءت المادة 154 من نظام الإجراءات الجزائية بذات المبدأ، وأكدت المادة 164 من نظام المرافعات الشرعية على ضرورة النطق بالحكم في جلسة علنية وجاءت الفقرة 1 من المادة 181 من نظام الإجراءات الجزائية مؤكدةً لهذا المبدأ.
وقد كفل النظام حق المتهم وقت إيقافه بمعرفة سبب الإيقاف، وحق الاتصال بمن يرى إبلاغه كما ورد في المادة 116 منه وكذلك حقه في الاستعانة بمحامٍ للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة وعدم جواز عزله عن وكيله أو محاميه الحاضر معه كما جاء في المواد 4 و 65 و 70 من النظام.
ونصت المادة 2 من نظام الإجراءات الجزائية على أنه “لا يجوز القبض على أي إنسان أو تفتيشه أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامياً، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكلً منهما، وللمُدّة المحددة من السلطة المختصة، ويُحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً أو معنوياً كما يُحظر تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة.”
وتعزيزاً لمبدأ “براءة المتهم حتى تثبت إدانته”، نصت المادة 34 على أنه يجب على رجل الضبط الجنائي أن يستمع لأقوال المقبوض عليه ولا يجوز احتجازه أكثر من 24 ساعة إذا لم تتوفر الادلة الكافية لإرساله لجهة التحقيق، والتي يجب أن تحقق معه فوراً، حيث تنظم المادة 109 فترات الإيداع لديها، قبل توجيه تهمة محددة للموقوف.
هذا، وقد يحظر القانون السعودي خلال المادة الثانية من نظام الاجراءات الجزائية جميع اشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة جسدياً أو معنوياً ووجوب التعامل مع المقبوض عليهم بما يحفظ كرامتهم الإنسانية ويتحمل ضباط التحقيق الجنائي مسؤولية أي سوء يتم استخدامه للسلطة وذلك انطلاقاً من تعاليم الشريعة الإسلامية ويحظر على القضاه قبول الاعترافات التي يتم انتزاعها بالاكراه ويحظر استخدام الاجراءات القسرية ضد المتهمين للتأثير على شهادتهم.
وبالنسبة للملكية الخاصة والحرية الشخصية، فقد نصت المادة 18 على أن: “تكفل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها ولا يُنزع من أحدً ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يُعوض المالك تعويضاً عادلاً.”
كما نصت المادة 40 على أن: “المراسلات البرقية والبريدية والمخابرات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال مَصُونة، ولا يجوز مصادرتها أو تأخيرها أو الاطلاع عليها أو الاستماع إليها إلا في الحالات التي يبينها النظام.”
وفي مجال الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، فقد نصت المادة 27 على أن: “تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ، والمرض والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الحق في العمل، حيث تضمنت المادة 28 تيسير الدولة العمل لكل قادرٍ عليه وتسن الأنظمة التي تحمي حقوق العامل وصاحب العمل.
وفي مجالات الصحة والتعليم، فينص النظام على أن تُعنى الدولة بتوفيرهما لكل مواطن.
وفي مجال المشاركة الثقافية، فقد نصت المادة 29 على أن: “ترعى الدولة العلوم والآداب الثقافية، وتُعنى بتشجيع البحث العلمي، وتصون التراث الاسلامي والعربي وتُسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية.”
أما فيما يتعلق بالحق في البيئة المناسبة، فقد نصت المادة 32 على أن: “تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها.”
حقوق المرأة:
لا يوجد أي نص قانوني في أنظمة المملكة يميز ضد المرأة، فالرجل والمرأة متساويان في الحقوق مساواة مطلقة لا تمييز لها، وتشارك المرأة مشاركة سياسية واقتصادية كاملة، بل ووضعت المملكة التنظيمات التي تراعي الطبيعة الفسيولوجية للمرأة، عند الوضع، ورعاية المولود، وعدة الوفاة، بحيث تتمتع بإجازات مدفوعة الأجر عند الوضع لمدة 60 يوماً، وتتمتع بإجازة رعاية المولود لمدة ثلاث سنوات بربع الراتب، كما يحق لها التمتع بإجازة مدفوعة الأجر عند وفاة زوجها لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام. وأن ما تفرضه المملكة من تنظيمات فالهدف منه حماية ورعاية المرأة، وضمان حريتها وعدم تعرضها لأي مخاطر.
كما أن الرؤية السعودية 2030 تضمنت رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30% وجاء فيها نصاً: ( سيمنح اقتصادنا الفرص للجميع، رجلاً ونساءً، صغاراً وكباراً، لكي يسهموا بأفضل ما لديهم من قدرات…) وذكرت الرؤية أيضاً ما نصه :(كما أن المرأة السعودية تعد عنصراً مهماً من عناصر قوتنا، إذ تشكل ما يزيد من (50%) من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين. وسنستمر في تنمية مواهبها واستثمار طاقتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية المجتمع والإقتصاد).
حقوق الطفل:
تعمل المملكة دوماُ على ضمان حق الطفل في الحماية من الاستغلال والإهمال وسوء المعاملة وتجنيبه المخاطر البدنية والثقافية. وفي هذا السياق، صدر مرسوم ملكي رقم م/14 وتاريخ 25/11/2014م، ومن أبرز ملامح هذا النظام، أنه يؤسس لمنظومة حماية لكل شخص لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، تهدف إلى مواجهة الإيذاء –بكافة صوره- والإهمال الذي قد يتعرض لهما الطفل في البيئة المحيطة به، مؤكداً في ذلك على حقوق الطفل التي قررتها الشريعة الإسلامية وقررتها الأنظمة والاتفاقيات الدولية التي أصبحت المملكة طرفاً فيها، وينص النظام على اعتبار عدد من الأفعال بمثابة إيذاء أو إهمال بحق الطفل ومن بينها التسبب في انقطاع تعليمه، وسوء معاملته، والتحرش به أو تعريضه للإستغلال، والتمييز ضده لأي سبب عرقي أو اجتماعي أو اقتصادي.
حرية التعبير:
وتأكيداً لحرية الرأي والتعبير، وانطلاقاً من أحكام الشريعة الإسلامية التي حرمت الإساءة للأشخاص والمساس بكرامتهم، وتماشياً مع المعايير الدولية التي أخذت بمبدأ التقييد النظامي لحرية الرأي والتعبير حماية للحقوق الأساسية، فقد نصت المادة 39 منه على أن: “تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالمملكة وبأنظمة الدولة وتُسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها ويُحظر ما يؤدي الى الفتنة والانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يُسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك.”
وكذلك، فإن حقوق الإنسان مكفولة للجميع في إطار الشريعة الإسلامية، فمبادئ الشريعة الإسلامية غير قابلة للمساومة ويتعين احترام خيارات الشعوب الإسلامية ومنهجها في الأخذ بكافة أساليب النمو والتطور وعدم إقحام أنظمتها وشؤونها كمادة لتحقيق أغراض سياسية داخلية، مما يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الودية بين الدول.