صدَّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 92 لسنة 2016، الخاص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، والذي أقره مجلس النواب مؤخرا.
القانون، الذي نُشر في الجريدة الرسمية الاثنين الماضي 26/12/2016، يمنح رئيس الوزراء الحق بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون خلال 3 أشهر من تاريخ نشره بعد أخذ رأي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة.
وكان مجلس النواب المصري قد وافق بأغلبية ثلثي أعضائه واعتراض 4 نواب فقط، في جلسته العامة يوم 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بشكل نهائي على مشروع قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام “قانون الهيئات الإعلامية”.
ويتضمن القانون 89 مادة. وبحسب القانون، يختص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي والصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويهدف إلى ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام في إطار من المنافسة الحرة.
كما يتولى المجلس وضع وتطبيق القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحافي والإعلامي والإعلاني بالتنسيق مع النقابة المعنية.
ويتولى المجلس أيضاً تلقي وفحص شكاوى ذوي الشأن عما ينشر بالصحف أو يبث بوسائل الإعلام ويكون منطوياً على مساس بسمعة الأفراد أو تعرض لحياتهم الخاصة، وله اتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية في حال مخالفتها للقانون أو مخالفتها لمواثيق الشرف وله إحالة الصحافي أو الإعلامي
وبحسب مواد القانون، فإن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يتولى وضع وتطبيق القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحافي والإعلامي والإعلاني بالتنسيق مع النقابة المعنية.
بيد أن القانون الذي أصبح نافذا للعمل به، جوبه باعتراضات من بعض الأوساط الإعلامية، والتي ترى أن حالة الإعلام ستظل كما هي، لأنه لا يوجد قانون من الأساس وأن هذه الهيئات ستمارس اختصاصاتها وفقا للقوانين القديمة، مدللة على ذلك بأن المجلس الأعلى للإعلام المتوقع صدور قرار بتشكيله قريبا، ليس من حقه إصدار تراخيص للمواقع الإلكترونية لأن القوانين القديمة لم تتطرق إليها، وفي حالة إصدار تراخيص لأي قناة تلفزيونية فإنه سيطبق بالقانون القديم.
ومن الملاحظات على القانون المؤسسي للإعلام أن ممثلي الحكومة بالهيئات أكثر من الهيئات المستقلة. فالرئيس يختار رؤساء الهيئات الثلاث واثنين من أعضاء المجلس، إضافة إلى أن نقابة الصحافيين والإعلاميين ترسل له 4 أسماء ليتم الاختيار من بينهم، وذلك يعد سيطرة من جانب السلطة التنفيذية على الهيئات.
وبمقتضى القانون، فإن مهمة الهيئة الوطنية للصحافة هي إدارة الصحف المملوكة من الدولة “الصحف القومية”، بحيث تتبع الصحف الخاصة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي تخضع له وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والصحف الخاصة والقومية كافة.
هيمنة الدولة
وأشار المعارضون إلى أن مشروع الإعلام الموحد الذي وضعته الجماعة الصحافية كان يضمن للعاملين حقهم في وظائفهم وترقيتهم، بينما يحصلون على إجمالي دخولهم من المجلس والهيئتين في إطار من القوانين المعمول بها بالدولة، وهو ما تم مخالفته في النسخة الأخيرة.
ويؤكد هؤلاء أن “قانون الهيئات الذي وافق عليه البرلمان ألغى العقوبات كافة التي كان يقررها القانون الموحد على ممارسة رئيس وأعضاء المجلس والهيئتين، لأعمال تتعارض مع طبيعة المهمة المكلفين بها، وهو ما يفتح الباب واسعا لتضارب المصالح والإخلال بالقانون”.
وأشار المعارضون إلى أن هدف المجلس الأعلى للإعلام الرقابة على المهنة وتلبية حق الجمهور في المعرفة، فيما يعوق تشكيل الجانب الأكبر من السلطة التنفيذية أهدافه الأساسية، مؤكدين أن ما حدث تبديد لجهد الجماعة الصحافية، التي وضعت المسودة النهائية للقانون، وانتهاك هذه المواد بوضع مواد مختلفة لتكون الأمور في قبضة الحكومة.
لجنة التشريعات في نقابة الصحافيين بدورها رأت أن قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الذي قدمته الحكومة إلى البرلمان وتم التصديق عليه ونشره بالجريدة الرسمية، جاء مخالفًا في كثير من نصوصه لما تم التوافق عليه بين اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والحكومة طوال شهور من التفاوض.
وأوضحت اللجنة أن الأمر لم يقف عند حد تقسيم القانون إلى قانونين، وهو ما يثير العديد من المخاوف حول توجهات من وضعوا المشروع، بل تعدى ذلك للنيل من فلسفة المشروع الرئيسة القائمة على الحرية والمسؤولية والاستقلال، وتحرير الصحافة والإعلام من هيمنة السلطة التنفيذية تنفيذًا لروح الدستور الحالي، بخاصة المادة (72)، التي تنص على التالي: “تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحافية ووسائل الإعلام المملوكة لها بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام”.
أما مؤيدو القانون الجديد، فيرون أن قانون تنظيم الصحافة والإعلام سيساهم في إصلاح المؤسسات الإعلامية ويعد انتصارا للجماعة الصحافية، وسيوقف حالة الانهيار التي تعانيها. ويؤكدون أن التصديق عليه هو بداية مهمة لإصلاح الأوضاع الصحافية، ووضع حد لحالة الانهيار التي تعانيها هذه المؤسسات، ويعد انتصارا للجماعة الصحافية والإعلامية وحماية للقانون من الطعن بعدم الدستورية.
وردا على ما أثاره بعضٌ من اعتراضات على القانون، قال هؤلاء إن القانون هو المشروع نفسه الذي واقفت عليه نقابة الصحافيين وشاركت في جلسات إعداده، مع اختلافات بسيطة تتعلق بالضبط والصياغة القانونية. ثم ليس هناك داع للخلاف على القانون. وكل ما تم تغييره يتعلق بحذف مادة السجن من القانون والاكتفاء بالغرامة فقط، ذلك أن النص الأصلي الوارد في المشروع هو: يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه كل من خالف أحكام المادتين 12 و40 من القانون، واللتين تتحدثان عن قيام عضو المجلس الأعلى أو الهيئتين بأي عمل لا يتفق واستقلال الهيئة.
وأشار أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب إلى أن مشروعي قانون الصحافة والإعلام، وهما “التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام” و”قانون الإعلام الموحد”، تمت مناقشتهما جيدا ولم يُسلق المشروعان كما يروج بعضٌ”، موضحاً أن هناك حالة رضا تام وإجماع من جانب الجماعة الصحافية على القانون الذي تم التصديق عليه.
ويبقى انتظار تشكيل المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، خطوة ضرورية لإعادة تشكيل المؤسسات الصحافية والإعلامية، ما سيفتح الباب واسعاً أمام تغيير الوجوه التي تسيّدت الساحة الإعلامية لعديد من السنوات.