تناقش اللجنة التشريعية في مجلس الأمة الكويتي، اليوم الأحد، اقتراحا لسن قانون يفرض من خلاله ضريبة على التحويلات المالية للوافدين، وذلك ضمن جهود تقليص عجوزات الموازنة العامة للدولة في أعقاب الانخفاض الكبير المتصل بأسعار وعوائد النفط.
إلا أن شخصيات ومؤسسات اقتصادية اعترضت على المقترح من منطلق أن له آثاراً سلبية قوية على العديد من القطاعات الاستهلاكية والعقارية والتنموية، فضلاً عن احتمالات نشوء سوق سوداء وشيوع انطباعات تحد ّمن قدرة الأسواق الخليجية على استقطاب الاستثمارات الخارجية والعمالة الماهرة.
يشار الى أن إجمالي التحويلات من دول الخليج العربية تجاوزت 100 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لأرقام البنوك المركزية الخليجية، وتأتي السعودية ثاني أكبر دولة بعد أمريكا في حجم تحويلات الأجانب، في المرتبة الأولى بين دول الخليج بقيمة 43 مليار دولار، تليها الإمارات بـ 33 مليار دولار، والكويت بـ 15 مليار دولار، وقطر بـ 11 مليار دولار.
الإجراءات السعودية والكويتية
النائب الكويتي فيصل الكندري كان تقدم باقتراح قانون ينص على أن تفرض ضريبة على كل من يقوم بتحويل مبالغ مالية خارج حدود دولة الكويت، على أن تقسم ضريبة التحويلات، والتي يذهب ريعها مباشرة لخزينة الدولة بواقع 2% لما دون الـ 100 دينار، و4% للمبالغ من 100 حتى 499 ديناراً، و5% للمبالغ أعلى من 500 دينار.
وأقر مجلس الشوري السعودي في ديسمبر/كانون الأول الماضي فرض ضريبة تتراوح ما بين 2% إلى 6% على تلك التحويلات النقدية التي يقوم بها الوافدون بالمملكة، على أن يتم فرض نسبة 6% على التحويلات في السنة الأولى من تاريخ تطبيق الضريبة، لتقل تدريجياً وتتوقف عند 2% في العام الخامس.
وكان التبرير السعودي في حينه يذهب إلى أن القرار يهدف إلى تشجيع العاملين الأجانب المقيمين في المملكة على انفاق مدخراتهم النقدية أو استثمارها داخل المملكة، كما يهدف إلى الحد من ممارسة العاملين الأجانب لأعمال إضافية والحصول على دخل بشكل غير نظامي، وذلك بعد وجود تحويلات المقيمين إلى الخارج خلال الأشهر الستة الأولى من العام الماضي بلغت 79.5 مليار ريال.
أما المبادئ الأساسية التي قام عليها التشريع السعودي فهي “ما شهدته وتشهده المملكة في الآونة الأخيرة من متغيرات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية تعد في جملتها دافعاً رئيساً لتطوير المزايا والمرافق والخدمات التي يستفيد منها العاملون الأجانب المقيمون في المملكة ومرافقوهم، وما تسعى إليه الأجهزة التنفيذية لتطوير الأداء وفق أنظمة الدولة، إضافة إلى أهمية رفع مستوى ثقة العاملين الأجانب المقيمين في المملكة بالاقتصاد السعودي”.
تحذيرات صندوق النقد
وكان صندوق النقد الدولي حذر في تقريره الأخير قبل شهرين من أن فرض ضريبة على تحويلات الأجانب سيترتب عليه كلفة إدارية وتشغيلية، قد تخفض من الإيرادات، فضلاً عن مخاطر تتعلق بسمعة الدولة بين العمال، وتراجع تنافسية القطاع الخاص، فضلاً عن فرض قيود على قطاع الصرافة، وتعدد سعر التحويل.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإنه يبلغ حجم التحويلات السنوية للأجانب من الدول الخليجية نحو 84.4 مليار دولار، مبينا أن فرض ضريبة بنسبة 5% على تلك التحويلات، سينتج عنه إيرادات تصل إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، أي 4.2 مليار دولار
لكن خبراء اقتصاديين خليجيين قالوا إن تحويلات الوافدين الأجانب ما زالت تعتبر إحدى أهم التدفقات المالية الخارجة من منطقة الخليج، وأصبحت تشكل عبئا ماليا على اقتصادات المنطقة التي تأثرت مداخيلها من تصدير النفط والغاز بين 50 و60% بسبب هبوط الأسعار العالمية.
ويضيف أصحاب هذه النظرية أنه “في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، تصبح فرضية إقرار ضرائب على الحوالات حقا مشروعا رغم تخوف الكثيرين منها”.علما أن أي قرار مرتبط بفرض ضريبة على التحويلات في الخليج، يحمل جانبين: الأول، إيجابي باعتباره سيرفد خزينة الدولة بإيرادات جديدة؛ والآخر سلبي يؤدي لظهور سوق سوداء للحوالات، فضلا عن أن فرض ضريبة على تحويلات الأجانب في الخليج قد يؤدي إلى فقدان المنطقة جاذبيتها للعمالة الماهرة على المدى القصير، واعتبار المستثمرين لها “جنة الضرائب”.
ويذهب بعض معارضي فرض مثل هذه الضريبة الى أن هناك خيارات أخرى أفضل ، مثل تشجيع العاملين الأجانب على انفاق مدخراتهم النقدية أو إعادة استثمار التحويلات أو جزء منها داخل بلدان المنطقة، من خلال السماح للوافد باستثمار أمواله في الصناديق الاستثمارية أو صناديق التأمين أو العقارات.
ويعيش أكثر من 17 مليون أجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي الست، ويرتفع العدد الكلي إلى 23 مليونا أو أكثر، بعد إضافة أفراد أسر العمالة الوافدة، بحسب أرقام المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون.
البنك المركزي والسوق المالي
الكثير من صانعي الخطط الحكومية الكويتية بمن فيهم البنك المركزي وسوق الأوراق المالية وهيئة تشجيع الاستثمار المباشر، وأصحاب الأعمال التجارية، علاوة على المؤسسات الدولية، يعتقدون أن فرض رسوم على تحويلات الوافدين، بمثابة تحدٍّ كبير من شأنه إعاقة خططهم ومشاريع التنمية المستهدفة في البلاد.
فيما يُعتقد أن مثل هذه القرارات تصعب على الجهات المعنية بالترويج للكويت، خططها لتحسين بيئة الأعمال، وتحويل الكويت إلى نموذج أعمال مرن مستقطب للأموال وليس منفراً.
علاوة على ذلك، لدى المستثمر سواء الأجنبي أو المحلي، حساسية مفرطة من إمكانية سيطرة الرأي السياسي على القرار الفني، ومن أن يؤدي ذلك إلى وجود خلل مستقبلا، في منطقة معروف عنها أن المنافسة على المستثمر الأجنبي مشتعلة، وجميعها يعمل على تخفيف القيود على حرية انتقال رؤوس الأموال.
قلق..
يشار إلى أن القلق في أوساط الوافدين تجاه مشروع ضريبة التحويلات ، يأتي من فوق مصادر قلق سابقة تمثلت بزيادة الرسوم والضرائب وأسعار الوقود والخدمات، الأمر الذي دفع الآلاف خلال الأشهر الأخيرة إلى تسفير عائلاتهم إلى بلدانهم في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
وزارة الصحة الكويتية فرضت في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، زيادة أسعار الخدمات الصحية للزائرين، فضلا عن اعتزامها تطبيق نظام جديد للرعاية الصحية يقضي بعلاج الوافدين في مستشفيات غير حكومية، وتعمل بنظام الشراكة بين القطاع العام والخاص ويتم من خلالها زيادة الرسوم السنوية للخدمات الصحية للوافدين بنسبة تصل إلى 200% عن المعدلات المعمول بها حاليا.
وسبق أن قررت وزارة التربية خفض بدل الإيجار الذي يتقاضاه المعلمون الوافدون من 150 دينارًا (490 دولارًا) إلى 60 دينارًا (200 دولار)، وهو إجراء واجه انتقادات حادة، وتسبب بموجة نزوح كبيرة من الشقق ذات المستوى المتوسط في البلاد أدت إلى تأثر القطاع العقاري الاستثماري.