رسالة إلى الرئيس أردوغان

 
شهدت العلاقات التركية الأوروبية مناورات سياسية.. ومعارك دبلوماسية كثيرة ومتعددة… حاولت خلالها «تركيا أردوغان» أن تستغل أوراقًا بعينها وظروفًا بذاتها.. أملاها الواقع المتأزم في سوريا!!!.. وما ترتب عليه من آثار ونتائج!!… من أجل أن تمارس تركيا ضغوطًا على أوروبا لقبولها وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كامل…
وفي الأيام القليلة الماضية كست أجواء من الضبابية على العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.. وذلك لعدم سماح السلطة الهولندية بهبوط طائرة وزير الخارجية التركي إلى أراضيها وقد تصاعدت الأزمة بينهما بطرد وزيرة الأسرة التركية من «روتردام» عاصمة هولندا.. وأجبرتها على التوجه إلى ألمانيا!!…
الأمر الذي أثار حفيظة «أردوغان»!!… ودعاه إلى أن يتوعد بالرد على «هولندا».. بل واتخاذ إجراءات قاسية ضدها.. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا اتخذت هولندا هذا الموقف الجديد إزاء الأتراك؟؟!!..
ولماذا استخدمت الشرطة الهولندية أساليب القمع غير المبررة للمتظاهرين الأتراك المنددين بما قامت به السلطات الهولندية تجاه سياساتهم؟؟!!…
وقبل أن نتناول الإجابة بالشرح والتحليل.. أود أن أكشف أولًا عن الأسباب التي دفعت هؤلاء السياسيين الأتراك إلى التوجه لأكثر من عاصمة أوروبية بشكل منظم ومحدد!!… إذ يرجع السبب إلى أن تحركات واسعة تقوم بها تركيا في العواصم الأوروبية لإقناع الأتراك بداخلها لما اتجهت إليه «تركيا أردوغان» من تغيير النظام البرلماني بها إلى نظام رئاسي!!!!…
فهل منعت أوروبا الساسة الأتراك من تنظيم هذه التجمعات خوفًا من أن تمتد التوترات في تركيا إلى جالياتها في الخارج؟؟!!…
وإذا كانت الإجابة بالإثبات!!.. فلماذا استخدمت الشرطة الهولندية العنف مع المتظاهرين السلميين.. – على الرغم من أن أعدادهم قليلة إذ قدروا بالمئات فقط- لتفريقهم بكل الوسائل التي تبدي أوروبا دائمًا الاعتراض عليها إذا ما حدثت بعيدة عن أراضيها ودولها تحت دعاوى الحريات والديموقراطيات وحقوق الإنسان!!!… فأين إذن هي الديمقراطيات التي تتشدق بها أوروبا؟؟؟!!!… وأين هي حرية الرأي والتعبير في ذلك؟؟!!…
تتذكرون من فترة وجيزة اعترضت أوروبا على تفريق مظاهرة أقيمت في ميدان التقسيم بتركيا جمعت بين المثليين!!!..
فهل مظاهرة المثليين في تركيا تعد حلالًا ومباحًا في الفكر الأوروبي طالما على أرض تركية؟؟!!.. بينما مظاهرة السلميين الأتراك ومنعهم من أبسط حقوقهم في الاجتماع مع ذويهم لمناقشة أمر يتعلق بمصلحة بلادهم العليا يعد محرمًا ومجرمًا؟؟!!…
ولم يكتف الأمر عند منع التظاهرات في هولندا وقمعها بل إن دولًا أوروبية أخرى كسويسرا والسويد وألمانيا ألغت تجمعات مماثلة «لأنصار أردوغان»!!!!…
وإذا كانت أوروبا تسعى لمنع أي تحركات داخل أراضيها «لأنصار أردوغان».. فلماذا تسمح لمعارضيه بالتحرك في طول أوروبا وعرضها؟؟!!..
هل تخشى أوروبا من أردوغان؟؟!!… وتحاول أن تحجم نشاطه داخل أوروبا؟؟!! أم أنها تضع العراقيل أمامه لكي تعطل هذا القطار الذي يسير ويقطع أوروبا إلى حيث يريد!!!…
ولعل ما يظهر بوضوح هكذا أن منع التجمعات المؤيدة للتعديلات الدستورية المقرر الاستفتاء عليها 16/4/2017 المقبل.. والتي تعزز من صلاحيات أردوغان قد تخيف أوروبا!!!… لذلك اتخذت أوروبا قرارًا سريعًا بمنع المساعدات عن تركيا!!… تضامنًا مع هولندا؟؟!!…
لتكون الصوة على ذلك أكبر وضوحًا وهي أن «الاتحاد الأوروبي» هكذا قد انحاز بصورة كبيرة لهولندا… وإلا فما معنى دعوته «لأردوغان تركيا» دونما هولندا للتخفيف من التصريحات التي من شأنها أن تزيد من حدة التوتر في علاقاتها مع هولندا..
وإلا فما معنى إعلان رئيس وزراء الدنمارك «لارس لوكه راسموس» عن اقتراحه بتأجيل زيارة رئيس الوزراء التركي «بن علي يلدريم» إلى الدنمارك هذا الشهر.. والذي قال بالحرف الواحد «في ظل الخطاب الهجومي الحالي من تركيا على هولندا – على حد وصفه- لا يمكن النظر للاجتماع بمعزل عما يحدث.. والحكومة الدنماركية تراقب التطورات في تركيا»…
وصحيح أن بريطانيا وفرنسا قد رحبتا بتحركات الساسة الأتراك في دولتهما للدعوة إلى إقناع الأتراك بالنظام الرئاسي والمصالح التي تعود على تركيا منه.. ولكن في المقابل بريطانيا خرجت من الاتحاد وحتى إن لم تتم الإجراءات النهائية بعد… أما فرنسا.. فقد عارض ساسة فرنسيون كثر التحركات التركية على أراضيهم… على الرغم من الترحيب من قبل الحكومة بدعوة «أردوغان» إلى النظام الرئاسي.. إذن وهذا يعني ضمنًا وصراحةً أن الاتحاد الأوروبي له موقف واحد من أردوغان وإن اختلفت أشكاله وردود أفعاله!!..
وهذا يعني أن أوروبا تحاول أن تستغل أي ثغرة للضغط على «تركيا أردوغان» للحد من تحقيق أحلامه التي لا نهاية لها.. لأنها تدرك أن تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي سيتيح تحركات أوسع «لأردوغان» وسلطات أكبر!!.. مما قد ينعكس بالسلب في معظمها على أوروبا!!…
وإذا كانت أوروبا تراوغ «أردوغان» في انتقال تركيا إلى اتحادها.. فيبدو أن تركيا باتت لا تحرص على الانضمام كما كانت من ذي قبل وإلا فكيف نفهم تصريح رئيس بلدية أنقرة «مليح كوكشيك» الذي قال: «الشعب – يقصد التركي- لم يعد يرغب في الانضمام إلى أوروبا وصرح بأن أوروبا تخاف من (تركيا أر دوغان)»..
ومع ذلك فكثير من المراقبين والمحللين يرون أن ما تشهده العلاقات الأوروبية التركية انزلاق عابر وليس بالخلاف العميق.. الذي يدفع بهذه العلاقات إلى الانحدار.. فبينهما ملفات استراتيجية وأمنية عديدة ومصالح اقتصادية وتجارية متشابكة قوية وخطوط عبور الطاقة فضلًا عن مسألة اللاجئين التي أعطت «تركيا أردوغان» فرصة كبيرة للضغط على الاتحاد.. ومكنته إلى حد كبير منهم.. لذلك بات من الصعوبة إغلاق الأبواب الأوروبية دون «تركيا أردوغان»..
والحق أن الاتحاد يمر بظروف صعبة في هذه المرحلة الراهنة لم يشهدها من قبل.. نتيجة لموقف حليفهم الأمريكي الجديد الذي يتسم بالغموض.. وعدم الوضوح من ناحية.. ومن ناحية أخرى جارهم الروسي الذي يزداد رسوخًا وثباتًا يومًا بعد يوم وثقة منحته إملاء رأيه ونفاذ حكمه على الجميع.. ولك أن تضيف خروج بريطانيا الضلع القوي من الاتحاد..
لذلك سيتعامل الاتحاد الأوروبي مع «أردوغان» وسيحرص على احتواء هذه الأزمة.. على الرغم من كل هذه الأجواء..التي يتصاعد منها دخان.. سرعان ما ينقشع..
وعلى الرغم من موقفي الشخصي من «أردوغان».. وهجومي عليه ومعارضتي له لأسباب كثيرة منها بالضرورة ما يقوم به تجاه مصر.. وتدخله الصارخ في شئونها.. الأمر الذي لا يقبل البتة.. إلا أنني أتعاطف معه في هذه المسألة!!!.. مما يؤكد حياديتي في معالجتي للقضايا باستثناء انحيازي الكامل لوطني!!.. فضلًا عن أنني في هذه القضية تحديدًا لانحيازي المطلق معه كمسلم.. ورفضي لكل نعرة وعنصرية ضد ديني!!..
وأسأل أليس من حق «أردوغان» أن يخاطب جماهيره وأبناء وطنه في أي بقعة من أوروبا!!!… خاصة أنهم يعدون بالآلاف الكثيرة…
وأخيرًا.. أبدي دهشتي وتعجبي مرة أخرى من رد فعل «هولندا» وتعنتها خاصة مع تركيا!!.. وتتبدد دهشتي عندما أسمع صوتًا عنصريًا عاليًا فيها يتكلم بلسان قطاع عريض.. ويمثله!!!.. وهو «خيرت فيلدرز» الذي يشغل رئيس حزب اليمين المتطرف في هولندا.. والذي أعلن وكتب تغريدة تحتوي على موقف عدائي ظاهر من الإسلام!!… ويعلن عن رفضه دخول تركيا في الاتحاد بسبب هذا الدين!!..
لذلك كان رد أردوغان في نظري موجهًا إليه -«فيلدرز» – بالتأكيد حين يتهم هولندا بالعنصرية.. بكل تأكيد رد على تصريح هذا المسئول حين اتهم هولندا بالعنصرية.. والبعد كل البعد عن الممارسات الديموقراطية السليمة.. بل أعتقد أن أردوغان على حق حين ذكر هولندا بمذبحة «سريرنيتشا» التي راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف من مسلمي البوسنة.. على أيدي الهولنديين..
مما يجعلني أوجه إلى الرئيس «أردوغان» رسالة جديدة اليوم وهي أنه: عليه أن يستفيد من هذا الدرس ويدفعه إلى التوجه إلى أمته التي ينتمي لها.. والتي لن يكون دونها الأمة الإسلامية.. وعلى رأسها التعجيل باحتواء أزمته مع مصر.. التي تمثل قوة لا يستهان بها في أمتنا العربية والإسلامية على الإطلاق..
لعل تلك الأزمة التي آلمت المصريين لإخوانهم الأتراك في هولندا وغيرها تكون سببًا في توحد سريع وعاجل بينه وبين شعبه وبين المصريين قيادةً وشعبًا..
ومن قبل ومن بعد أرجوه رجاءً حارًا أن يكون رحيمًا عادلًا بأبناء شعبه المسلمين حتى يجد رحمة الله وعدله خارج حدود بلاده.. بلاد المسلمين!!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *