قال ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إن المملكة تعمل بثقة للدفع نحو إصلاحات اقتصادية واجتماعية، وتنمية قطاع الترفيه، مشيرًا إلى أن السماء هي الحد لطموحات السعوديين.
وأبدى ابن سلمان في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست”، تفاؤله بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال إنه سيعيد أمريكا إلى مسارها الصحيح، مؤكدًا أن ترامب استعاد جميع تحالفات واشنطن.
وبعد مرور عامين على حملته المحفزة للتغيير في المملكة العربية السعودية، يبدو أن ولي ولي العهد السعودي، بدأ العمل بثقة، واضعاً نفوذه للدفع بجدول أعماله للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، فقد قام بتوضيح خططه في لقاءٍ بمكتبه استمر لمدة تسعين دقيقة، في مساء يوم الثلاثاء، وقال مساعدوه إن هذه كانت هي المقابلة الأولى المطوّلة له منذ أشهر.
وتحدث الأمير بشكلٍ تفصيلي حول مواضيع عدة، مثل السياسة الخارجية، وخطط خصخصة الشركة العملاقة في مجال النفط، واستراتيجية الاستثمار في الصناعة المحلية، وتنمية قطاع الترفيه على الرغم من معارضة البعض.
طموحات السعوديين
وقال الأمير محمد بن سلمان “إن الشرط الأساسي والجوهري للإصلاح هو رغبة الشعب في التغيير”، مضيفًا ان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إذا ما كان الشعب السعودي غير مقتنع، وفي حال كان الشعب السعودي مُقتنعاً، فالسماء هي الحد الأقصى للطموحات، بحسب تعبيره.
ويبدو أن هناك رغبة كبيرة بالتغيير في هذا البلد فقد قال رئيس مركز لقياس الرأي العام، عبدالله الحقيل، إن استطلاع الرأي الذي أجراه المركز مؤخراً أظهر أن “ما يقارب 77% من الذين شملهم الاستطلاع يؤيدون خطة الإصلاح “رؤية 2030″ التي تقوم بها الحكومة، وأن هناك 82% ممن يفضلون العروض الترفيهية في التجمعات العامة”.
وعلى الرغم من أن هذه الأرقام غير مؤكدة بشكلٍ مستقل إلا أنها “تشير إلى توجهات المشاعر الشعبية، التي يقول عنها السعوديون إنها مدعومة بالأدلة”، حسب الصحافي ديفيد أغناطيوس.
ترمب سيعيد أميركا لمسارها الصحيح
وقال ولي ولي العهد، إنه كان “متفائلاً جداً” بالرئيس ترمب، ووصفه بأنه الرئيس الذي سيعيد الولايات المتحدة إلى مسارها الصحيح بعد باراك أوباما، الذي لا يثق فيه المسؤولون السعوديون، قائلا: “على الرغم من أن ترمب لم يُتمم بعد 100 يوم في كرسي الرئاسة إلا أنه استعاد جميع تحالفات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين”.
وكانت الزيارة التي قام بها وزير الدفاع جيمس ماتيس للمملكة هذا الأسبوع إشارة إلى ترحيب المملكة بإدارة ترمب، وفي حين أن إدارة أوباما قامت بانتقاد الحرب السعودية في اليمن، ناقش ماتيس إمكانية تقديم دعم أمريكي إضافي للسعودية إذا لم يوافق الحوثيون على تسوية من قبل الأمم المتحدة.
وكان الأمير محمد بن سلمان يتكلم بشكل دبلوماسي عن روسيا والولايات المتحدة، وقد طرح تفسيراً مثيراً عن هدف السعودية بهذه الدبلوماسية، قائلا: “الهدف الرئيسي من هذا هو ألا تضع روسيا جميع أوراقها خلف إيران في المنطقة”.
ومن أجل إقناع روسيا بأن المملكة تُعد رهاناً أفضل من طهران في المنطقة، أضاف الأمير السعودي: “نحن قمنا مؤخراً بتنسيق سياساتنا النفطية مع موسكو، وهذه قد تكون أهم صفقة لروسيا في العصر الحديث”.
خطة الإصلاح
وقد بدت خطط الإصلاح على أنها تتقدم بثبات وإن كانت بطيئة، وقال الأمير: “إن العجز في الميزانية قد انخفض، وإن الإيرادات غير النفطية قد ارتفعت بنسبة 46% من عام 2014 إلى عام 2016، ومن المتوقع أن تنمو بنسبة 12% إضافية هذا العام”.
واستطرد قائلاً: “إن البطالة والإسكان لا يزالان يُمثلان مشكلة، وإنه من المرجو حدوث تحسن في هذين الجانبين بحلول فترة 2019-2021”.
وأكبر تغير اقتصادي هي خطة لخصخصة 5 بالمئة من شركة أرامكو السعودية، والتي قال الأمير محمد إنها “خطوة سوف تتم في العام المقبل”.
تصنيع السلاح
وذكر المسؤول السعودي أهدافاً استثمارية أخرى وهي إنشاء صناعة محلية لتصنيع السلاح وتقليل ما قدره 60-80 مليار دولار أمريكي مما تنفقه المملكة على شراء الأسلحة من الخارج، وإنتاج مركبات القيادة في السعودية لكي تحل محل ما تنفقه الحكومة سنوياً على المركبات المستوردة والتي تقدر قيمتها تقريباً بـ 14 مليار دولار أمريكي، وإنشاء قطاعات محلية للترفيه السياحي، وذلك للحصول على جزءٍ مما ينفقه السعوديون سنوياً، حينما يسافرون للخارج، حيث تُقدر تلك الأموال بـ 22 مليار دولار.
قطاع الترفيه
قطاع الترفيه ليس إلا واجهة أمامية للغزٍ أكبر وهو كيفية فتح الاقتصاد السعودي، وقد بدأت التغييرات تجري فعلاً، إذ أحيت فرقة أوركسترا يابانية حفلاً أُقيم هنا في الشهر الحالي، وذلك أمام جمهور من العوائل، علاوة على ذلك، فهناك فعالية لـ”كوميك كون” أُقيمت في جدة مُؤخراً، حيث ارتدى فيها الحضور أزياء شخصيات مسلسلات تلفزيونية، مثل مسلسل “سوبر ناتشورال” وغيرها من مسلسلاتهم المفضلة، كما تحتوي النوادي الكوميدية على ممثلي السكتشات الكوميديين، ولكن ليس من بينهم أي نساء.
هذه الخيارات ليست إلا ثورة بسيطة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، التي كانت مواقع الترفيه تقتصر فيها إلى حد قريب على المطاعم والأسواق فقط، وبات العالم المعاصر يقترب، سواءً كان ذلك سيؤدي إلى نتائج أفضل أو أسوأ.
كما استضاف استاد الملك_فهد الدولي في الرياض في الشهر الماضي حدثاً خاصاً بــ”مونستر جام” محتوياً على الشاحنات ذات المحركات القوية والكبيرة، كما أن هناك خططاً لإنشاء مدينة “Six Flags” في جنوب الرياض.
هيئة الترفيه السعودية
وقالت السيدة مي العذل في لقاء لها، وهي إحدى عشرات الشبان الذين يعدون الخطط في الهيئة العامة للترفيه، إنها تريد أن تجلب “متحف المثلجات” إلى السعودية، شبيهاً بالمتحف الذي زارته في مدينة نيويورك.
من جهةٍ أخرى، قال مصرفي الاستثمار السابق أحمد الخطيب، الذي يترأس الآن هيئة الترفيه: “نحن نريد تحسين ثقافة الترفيه”، وهو يهدف لإنشاء 6 خيارات ترفيهية عامة في كل نهاية عطلة أسبوع من أجل السعوديين، ولكن الهدف الأكبر بحسب حديثه هو نشر السعادة، ويبدو أنه يرد على من يقول إن بلاده في بعض الأحيان مصابة بالكآبة.
القوة المحركة خلف محاولة إعادة تصوير شكل المملكة هو ولي ولي العهد البالغ من العمر 31 عاماً، إذ بسلوكه المفعم بالطاقة والحيوية، فهو يناقض تماماً التحفظ الصحراوي التقليدي، وعلى خلاف الكثير من الأمراء السعوديين فهو لم يتلق تعليمه في العالم الغربي، مما مكنه من الحفاظ على طاقته القتالية التي تعد سبباً لجاذبيته لدى الشريحة السعودية الشابة.
التحالف والشراكة مع أمريكا
المهمة التي أمام محمد بن سلمان هي الحفاظ على علاقة التحالف مع الولايات المتحدة من دون أن يقبل أن يكون دُميةً في يد واشنطن، حيث قال بن سلمان: “لقد تأثرنا كثيراً من الولايات المتحدة، وذلك ليس بسبب ممارسة أحدهم الضغط علينا، فلو قام أحدهم بممارسة الضغط علينا لسلكنا الاتجاه المعاكس تماماً، ولكن لو وضعت فيلماً في دار السينما وشاهدته فقد أقتنع بما شاهدت”.
الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترامب
إن الأمير محمد بن سلمان محافظ حينما يتحدث عن القضايا الدينية، إذ يتعامل مع السلطات الدينية كحلفاء موثوقين له ضد التطرف ولا يعاملهم كخصوم، ويكرر الأمير “أن النهج الديني المتطرف في المملكة هو ظاهرة حديثة نسبياً، نتيجة للثورة الإيرانية التي وقعت في عام 1979، واحتلال المسجد الحرام في مكة من قبل متطرفين في ذات العام كردة فعل للتطرف الشيعي”.
وقال الأمير السعودي: “أنا شاب، وسبعون بالمئة من مواطنينا هم من الشباب، نحن لا نريد أن نُضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال 30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، والتي سببت التطرف والإرهاب، نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن”.
ويكمل حديثه قائلا “نريد الاستمتاع بالأيام القادمة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا كأفراد وأسر، وفي نفس الوقت الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979.. لقد ولى زمان تلك الحقبة”.