في تغطياتها الإخبارية لحالة الارتباك السياسي والإعلامي التي سقطت فيها دولة قطر منذ منتصف ليل الثلاثاء وطوال يوم الأربعاء جراء ما بثته وكالة الأنباء الرسمية ونشر على الشريط الإخباري للتلفزيون من تصريحات للأمير ولوزير الخارجية، وجرى لاحقًا التنصل منه بدعوى أنه اختطاف خارجي لهذه الأجهزة، تفاوتت تقييمات الصحف والمواقع الإخبارية البريطانية والأمريكية، ومعها الوسط الدبلوماسي العربي في لندن، لتفسير ما حصل، لكنها اتفقت تقريبًا على نقطتين أساسيتين.
النقطة الأولى هي: أن الفوضى والارتباك الذي وقعت فيه قطر أحدث شللًا غير مسبوق وُصف بأنه “اختطاف نظام وتعريته ليظهر على حقيقته الهشة وبحجمه الكاريكاتيري” حسب تقرير الإنسايدر، الذي يرصد الأحداث السياسية والأمنية ويوزع يوميًا باشتراكات على مجلس العموم البريطاني والسفارات الأجنبية.
فالمفارقة الأكبر في حالة “اختطاف” قطر، كما عرضها التقرير، هي أنه يأتي اليوم من البوابة الإعلامية التي طالما تباهى النظام بأنها سلاحه الأشرس وقلعته التي يحتمي بها للرماية على الآخرين.. فالإعلام القطري هو الذي كسر شوكة النظام وكشف هزاله، حسب وصف التقرير، ولا فرق في ذلك إن كان حصل ذلك نتيجة اختراق إلكتروني، أو بسبب نزق صبياني من قمة النظام، جرى التراجع عنه نتيجة شد وجذب بين مراكز القوى في الدولة.
الملاحظة الثانية التي أوردتها صحيفتا الإندبندنت البريطانية والواشنطن بوست الأمريكية، هي أن ما حصل فجر الأربعاء في الدوحة يذكّر تمامًا بل ويستحضر ما حصل بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي في عامي 2013 و 2014، عندما أوصلت قطر علاقاتها مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي إلى حد سحب سفرائهم من الدوحة. وارفقت تلك الصحف تقاريرها بروابط إخبارية قديمة تعرض كيف أن الدوحة خضعت في النهاية لاستحقاقات الغضبة الخليجية واضطر أميرها أن يقبل رأس العاهل السعودي، مع تقديم قطر تعهدات سياسية ومسلكية إعلامية لم تلتزم بها، وتعود اليوم وتكرر نفس الفعلة التي اتضح في نهاية يوم الأربعاء المشهود، أن عواقبها هذه المرة ستكون مختلفة.
انكشاف حجم النظام وهشاشته
التقييم الإعلامي لما حصل في الدوحة واعتباره “سقطة مرتبكة كشفت ضآلة حجم الدولة وهشاشة تركيبة النظام”، أيّده اثنان من السفراء العرب في لندن، أحدهما يعتبر نفسه قريبًا من تفكير رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق جاسم بن حمد آل ثاني الذي لم يكن يخفي ملاحظاته السلبية على ممارسات النظام الحالي، والذي عاد للأضواء في الدوحة بظروف تتزايد فيها التكهنات عن مستجدات ملفتة في العلاقات بين مراكز القوى في دائرة القرار الضيقة.
أحد هذين السفيرين اللذين طلبا عدم الإشارة لاسميهما، كان رأيه أن النظام في قطر يبدو أنه لم يدرك أن التنصل من تصريحات الأمير ووزير الخارجية، ورميها على زعم اختطاف أجهزة الإعلام واختراقها إلكترونيًا، كان خطأً أكبر من الذنب، “فأي دولة هذه التي تختطف أجهزتها السيادية المربوطة بالقصر والمخابرات، عند منتصف الليل وعندما تصحو من غفلتها ترتبك ولا تعرف ما تعمل، ولا تجد أفضل من وكالة أنباء الأناضول لتسعفها في الخروج من الشلل؟”.
وكان السفير في تساؤله هذا يخلص إلى القناعة بأن قطر بعد أربعاء 24/5/2017 لا يمكن أن تعود قطر ما قبل هذا اليوم الكابوسي، ليس فقط لأن سلاحها الإعلامي الذي تنفق عليه 4 مليارات دولار سنويًا، حسب تقديراته، جرى كسره، وإنما أيضًا لأن عودة قطر للسرب الخليجي لن تكون سهلة هذه المرة، فهي ستكون ملزمة بالكف عن المخاتلة والازدواجية وستحتاج إلى إثبات لحسن السلوك بشكل يومي، لأن تاريخها فيه ما يكفي من دواعي الريبة، حسب قوله.