تناولنا منذ عدة حلقات موضوع الدجال، وحاولنا أن نستعيد صورته للأذهان حتى نستعيذ بالله منه ومن شروره وفتنته، التي ستنال من الكثيرين نتيجة غفلتهم وعدم اكتراثهم.
كما تناولنا منذ عدة حلقات موضوع علامات الساعة الكبرى بعد أن تحقق الكثير من الصغرى، وبينّا الفوائد التي تعود على المسلم من الإيمان بالغيب باعتبارة جزء العقيدة الأكبر بعد الإيمان بالله العلي القدير، وكشفنا عن هذه العلامات مما أوردته النصوص الصريحة والصحيحة، واخترنا أن نبدأ بقصة الدجال وفق ما جاء في ترتيبها في الأحاديث الصحيحة، وحاولنا أن نلم بالموضوع من جوانبه المختلفة كما قمنا بالرد على الأسئلة التي عادة ما تثار حول الدجال، ولعل من أهمها الأسئلة التي أجبنا عليها لماذا لم يذكر الدجال في القرآن الكريم؟؟؟؟؟ هذا بالإضافة لما يثار حوله من خلاف واسع هل ولد أم لم تحن بعد ساعة ولادته؟؟؟؟ فضلًا عن الإجابات الطويلة التي سجلناها وكشفناها عن وصفه وقدراته وأعماله وفتنته وتحريم المدينة عليه ومكة وغيرهما إلى غير ذلك من موضوعات، وها نحن نشرع في الحديث حول خروج يأجوج ومأجوج وطبيعة فتنتهما وعلاقتها بالسد الذي بناه الرجل العظيم الذي جمع بين علوم الشرع وعلوم الحياة وأبعد فيهما وضرب به المثل في التفوق والنبوغ فضلًا على الشجاعة والإقدام ونكران الذات، وهو ذو القرنين.
وإذا كان الدجال لم يرد صراحة في القرآن فإن يأجوج ومأجوج قد وردا في القرآن الكريم في موضعين الأول في سورة الكهف، يقول تعالى: }حَتّى إِذا بَلَغَ بَينَ السَّدَّينِ وَجَدَ مِن دونِهِما قَومًا لا يَكادونَ يَفقَهونَ قَولًا ﴿٩٣﴾ قالوا يا ذَا القَرنَينِ إِنَّ يَأجوجَ وَمَأجوجَ مُفسِدونَ فِي الأَرضِ فَهَل نَجعَلُ لَكَ خَرجًا عَلى أَن تَجعَلَ بَينَنا وَبَينَهُم سَدًّا ﴿٩٤﴾ قالَ ما مَكَّنّي فيهِ رَبّي خَيرٌ فَأَعينوني بِقُوَّةٍ أَجعَل بَينَكُم وَبَينَهُم رَدمًا ﴿٩٥﴾ آتوني زُبَرَ الحَديدِ حَتّى إِذا ساوى بَينَ الصَّدَفَينِ قالَ انفُخوا حَتّى إِذا جَعَلَهُ نارًا قالَ آتوني أُفرِغ عَلَيهِ قِطرًا ﴿٩٦﴾ فَمَا اسطاعوا أَن يَظهَروهُ وَمَا استَطاعوا لَهُ نَقبًا ﴿٩٧﴾ قالَ هـذا رَحمَةٌ مِن رَبّي فَإِذا جاءَ وَعدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَكانَ وَعدُ رَبّي حَقًّا ﴿٩٨﴾وسورة الأنبياء يقول تعالي ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴿٩٦﴾ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٩٧﴾{.
وفي الآيتين الكريمتين دلالة واضحة وظاهرة على كون خروجهما من أشراط الساعة، كما أن الآيتين تشيران إلى حقيقة هامة، وهي إذا فتحت يأجوج ومأجوج فإن ذلك دليل على اقتراب الوعد الحق يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وبنيه.
ولما كانت الآيتان في حاجة إلى شرح وبيان لما فيهما من معانٍ ودلالات وحقائق وآيات نستهل ذلك بالوقوف على حقيقة يأجوج ومأجوج.
هما اسمان أعجميان عند الأكثر، وقيل بل عربيان واختلف في اشتقاقهما، فقيل من أجيج النار وهو التهابها، وقيل من الأجة بالت وهي الاختلاط أو شدة الحر، وقيل من الأج وهو سرعة العدو، وقيل من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة، وقيل مأجوج من ماج إذا اضطرب، ويؤيده ما جاء في القرآن الكريم: }وتركنا بعضهم يوميذ يموج في بعض{، وجميع ما نسب من اشتقاقهما مناسب لحالهما.
وقبل أن نكشف عن حقيقتيهما نود أن نقف على أمرين أراهما في غاية الأهمية، وهما القصص القرآني بصفة عامة وذو القرنين بصفة خاصة، وذلك لأن القصص القرآني يحتاج دائمًا إلى نظرات وتأملات كثيرة، فهو علم لم يحظ بالاهتمام الأمثل، وبالضرورة جاءت اللحظة المناسبة التي نستعرض فيها أهميتها والتي من الصعب أن نحصرها في كلمات وعبارات موجزات، ولكن سنحاول أن نلقي الضوء قدر الطاقة والله المستعان.
شاء المولى عز وجل أن يجعل القرآن الكريم آخر الكتب السماوية نزولًا كما جعل الإسلام ختامًا للرسالات السماوية، لذلك جاء ذكر الأولين في كتابه يحتل جزءًا كبيرًا منه، تناول فيه حياة الناجين والهالكين، كما تناول بالتفصيل أحيانًا والإجمال أحيانًا أخرى حياة الأنبياء والمرسلين مع أممهم، وذلك لتعرف الأمة الأخيرة لماذا هلكت الأمم السابقة ونجت الأخرى، ومن المؤسف أننا نقرأ القرآن الكريم وما فيه من قصص بصورة عابرة دون تأمل أو تدبر أو وعيّ ودون الاستفادة من أخطاء الآخرين أو سبل الناجين.
والعجيب أن القصص فيها عرض وشرح مستفيض لعواقب الطغيان والاستبداد والاغترار بالمال، ولك عزيزي القارئ أن تقف مليًّا مع قول الله تعالى: }تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٨٣﴾{ ﴿القصص﴾، لندرك المعنى من وراء الآية والدلالة التي تشير إليها.
فأحداث الزمان ووقائع الأيام وتاريخ الأنام مخزن العبر ومعلم الأمم والمرأة التي تنجلي فيها سنن الله في الكون.
ومن هنا نقول: من عرف سنن الله في الوقائع والأحداث وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد تعلم من أخطاء الآخرين وكان له بهم عظة، فالسعيد من وعظ بغيره واقتبس مما عندهم من خير.
فالتاريخ ذاكرة الشعوب وإشعاعها الكوني، وهو أيضًا بكل تأكيد النهر الكبير الذي تتدافع بين شطيه أمواج الحضارة.
وهو الكنز الذي يحفظ مدخرات الأمة في الفكر والثقافة والعلم والتجارب، وهو الطريق الوحيد لاستئناف الأمة دورها لذلك يتطلب الأمر أن ننظر إليه ونقف أمامه، بل وعلينا أن ندرك ونعي ونستوعب ونستفيد من السنن والقوانين التي تحكمه ففيه من القيم والتوجيهات التي لا تستغني عنها الإنسانية في سائر الأزمان.
وهو وحده لاغير يبقي المسؤل عن كل ما تصير إليه المجتمعات والأمم والحضارات، لذلك من أكبر عوامل التربية والبناء في حياة الأمم كيف لا ومنه تستمد العبر وتستنبط، والتي بدورها تقوم الاعوجاج وتصحح الأخطاء.
فالأمم الخالية والأجيال البالية التي أفرغت حمولتها الحضارية في هذا الحوض التاريخي الإنساني الممتد الأرجاء طولًا وعرضًا، قد حوى القرآن الكريم أخبارها وأحصى أعمالها ومواقفها للتأمل والاعتبار والاقتداء بالصالحين منهم وتجنب الطالح.
فهل من معتبر؟؟؟؟؟
إن القرآن الكريم ينفخ الحياة في القرون الهامة فإذا هي حية تسعى بيننا نسمع فيها ضجيج العراك بين المحققين والمبطلين.
لقد اهتم القرآن الكريم بإعادة شريط الحياة بكل ما كان فيها من أحداث ووقائع ليعيد علينا مراحل مضت من تاريخ الدنيا، لنرى من سبقونا في إله وجده وغيرهم ورشدهم في اعتدال وفي كبريائهم واستقامتهم واعوجاجهم.
يعرض حقائق ووقائع لا مكان فيها للخيال، قال تعالى: }كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ ما قَد سَبَقَ وَقَد آتَيناكَ مِن لَدُنّا ذِكرًا ﴿٩٩﴾ مَن أَعرَضَ عَنهُ فَإِنَّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزرًا ﴿١٠٠﴾{ ﴿طه﴾.
لقد نبه القرآن الكريم وعنى واهتم بعرض الأشفية الإلهية للعلل البشرية، وذلك بالنظر في أحوال الماضين وتقلبهم في البلاد إلى أن يتوفاهم الله.
يخطئ من يظن أن الإنسان مهما امتد به الزمن أو تغير يصبح إنسانًا آخر، فهو هو مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة والمستويات الاجتماعية، فإن البشر متشابهون ودواؤهم واحد.
فالوقائع تتكرر والأحداث قد تتطابق وما أشبه الليلة بالبارحة، فإذا كان نوح عليه السلام قد واجهه قومه واتهموه، فلقد واجه النبي محمد نفس الاتهام من صناديد الشرك، قال تعالى: }فَقالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ ما نَراكَ إِلّا بَشَرًا مِثلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذينَ هُم أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأيِ وَما نَرى لَكُم عَلَينا مِن فَضلٍ بَل نَظُنُّكُم كاذِبينَ ﴿٢٧﴾{ ﴿هود﴾، كما قال تعالى: }وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿٧﴾ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ﴿٨﴾ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴿٩﴾ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿١٠﴾{ ﴿سورة الأنعام﴾.
لذلك نؤكد أن دراسة التاريخ للعبرة تضيف إلى تجارب الإنسان الذاتية تجارب غيره من البشر خلال القرون الغابرة، من مبدأ حياته كائن له تاريخ وهو الكائن الحي الوحيد الذي له إنتاج سواء كان إنتاجه في عالم المادة أو على المستوى الفكري أو الثقافي والأدبي ومن خلال تنوع إنتاجه وتعاقبه يتكون له تاريخ.
وبهذا نفهم مدى عناية القرآن بالقصة التي تتناول صفحات متعددة ومتناثرة ومؤثرة من التاريخ.
أما عن القصة القرآنية، فتمتاز أولًا بعرض الحقائق، كما أنها تجعل لكل قصة في موضعها إيرادًا مقصودًا وأثرًا مغايرًا يحتاج إليه السامع لتكتمل به الحقيقة التاريخية والعناصر التربوية، وبهذا نرد عن من يتساءل عن تكرار أحداث القصص القرآني في مواضع مختلفة في القرآن الكريم.
وإذا القرآن الكريم قد اتخذ من القصة أداة للإقناع فقد اتخذها أيضًا وسيلة تربوية ومصدرًا للتوجيه، لما لها من تأثير كبير على النفس البشرية، فعادة الإنسان أن يعيش مع القصة وأحداثها بكليته، لذلك نرى كثرة القصص وتنوعها في موضوعاتها، فلم تقتصر على ذكر الناجين بل قص أحوال الهالكين كذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا الحِكَم بالغة والغايات سامية منها على سبيل المثال لا الحصر؟
التذكرة والاعتبار وخاصة للظالمين ونهاياتهم والمستكبرين ومآلاتهم والتحذير منسوب مسلكهم، ولك عزيزي القارئ أن تعيش مع سورة الأعراف، فلكم ذكرت لنا العديد من السادة الأنبياء مع أقوامهم ومدى عنادهم واستكبارهم معهم، وأوردت أهم المهالك في الدنيا والآخرة قال تعالى: }لَقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ فَقالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ ﴿٥٩﴾ قالَ المَلَأُ مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في ضَلالٍ مُبينٍ ﴿٦٠﴾ قالَ يا قَومِ لَيسَ بي ضَلالَةٌ وَلـكِنّي رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ ﴿٦١﴾ أُبَلِّغُكُم رِسالاتِ رَبّي وَأَنصَحُ لَكُم وَأَعلَمُ مِنَ اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ ﴿٦٢﴾ أَوَعَجِبتُم أَن جاءَكُم ذِكرٌ مِن رَبِّكُم عَلى رَجُلٍ مِنكُم لِيُنذِرَكُم وَلِتَتَّقوا وَلَعَلَّكُم تُرحَمونَ ﴿٦٣﴾ فَكَذَّبوهُ فَأَنجَيناهُ وَالَّذينَ مَعَهُ فِي الفُلكِ وَأَغرَقنَا الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا إِنَّهُم كانوا قَومًا عَمينَ ﴿٦٤﴾{ (الأعراف)، كما ذكر لنا القرآن الكريم قصة فرعون الذي بلغ من الفساد والإفساد في الأرض حدًا دفعه إلى أن قال أنا ربكم الأعلى، فاستحق النهاية التي انتهى إليها هو ومن معه، قال تعالى: }فَانتَقَمنا مِنهُم فَأَغرَقناهُم فِي اليَمِّ بِأَنَّهُم كَذَّبوا بِآياتِنا وَكانوا عَنها غافِلينَ ﴿١٣٦﴾{ (الأعراف).
وقال تعالى: }نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هـذَا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ﴿٣﴾{ (يوسف)، ومن الحكم كذلك تثبيت قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه، فلقد ذكر الله تعالى ابتلاء الأنبياء وأتباعهم بالمكذبين وابتلاءه بني إسرائيل لفرعون وما جرى لهم على يديه من الذل والهوان، قال تعالى: }وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هـذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ (١٢٠){ (هود) كما قال سبحانه: }تِلكَ مِن أَنباءِ الغَيبِ نوحيها إِلَيكَ ما كُنتَ تَعلَمُها أَنتَ وَلا قَومُكَ مِن قَبلِ هـذا فَاصبِر إِنَّ العاقِبَةَ لِلمُتَّقينَ ﴿٤٩﴾{ (هود).
ومن الحكم أيضًا الاقتداء والتأسي بالأنبياء والصالحين، والثبات على الحق والصبر على الدعوة وتحمل أذى المؤذين، قال تعالى: }وَما قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدرِهِ إِذ قالوا ما أَنزَلَ اللَّـهُ عَلى بَشَرٍ مِن شَيءٍ قُل مَن أَنزَلَ الكِتابَ الَّذي جاءَ بِهِ موسى نورًا وَهُدًى لِلنّاسِ تَجعَلونَهُ قَراطيسَ تُبدونَها وَتُخفونَ كَثيرًا وَعُلِّمتُم ما لَم تَعلَموا أَنتُم وَلا آباؤُكُم قُلِ اللَّـهُ ثُمَّ ذَرهُم في خَوضِهِم يَلعَبونَ ﴿٩١﴾{ وقال جل وعلا: }نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنوا بِرَبِّهِم وَزِدناهُم هُدًى ﴿١٣﴾{.
ومن الحكم رفع الخلاف في قضايا عقائدية اختلف الناس فيها قبل إنزال القرآن، فسجلها ووضحها بما يزيل الخلاف كحقيقة عيسى عليه السلام وطهارة أمه مريم عليها السلام، قال تعالى في حق عيسى وحقيقته: }إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٥٩﴾ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿٦٠﴾ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴿٦١﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا اللَّـهُ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿٦٢﴾{.
وفي شأن السيدة مريم يقول تعالى: }ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴿٤٤﴾{.
هذه هي بعض الحكم من ذكر الهالكين والناجين ولعل من قصص الناجين والصالحين بعد الأنبياء والمرسلين قصة هذا الرجل الذي جمع خصالًا كثيرة من الخير، فقد أعطاه الله الحكم والقوة فجال بجيشه في الأرض يدعو إلى الله تعالى على بصيرة من أمره، نعم خصه الله بالحكمة والقوة والعزة والعلم والخبرة، فلم يسكن قلبه الغرور أو التعالي عن الخلق وعلى الرغم من كثرة حركاته شرقًا وغربًا فقد ساد العالم وحكمه بالعدل، ولم يأخذه الكبر، وعلى الرغم من الفتوحات التي فتحها وحكمه الشاسع لم يكن هدفه جمع المال، وإنما الدعوة إلى الله ورفع الظلم والإحسان إلى الخلق والرحمة بهم كما تحلى بشيم العظام الكرام، فكان رفيقًا رحيمًا متواضعًا فسبحان من أتاه الملك ومكنه من الأرض وهيأ له أسباب القوة والنصر، هذا وقد بلغ في ملكه إلى أن وصل إلى أقصى شرق الأرض ومغاربها، وقد التقى في إحدى جولاته بقوم ناشد على أن يجعل بينهم وبين قوم يأجوج ومأجوج سدًا فقد بلغوا من الهمجية مبلغًا، ولقد شرع في بناء السد العظيم بين الجبلين، وطلب منهم إحضار الحديد والنحاس حتى يحكم تشيده، وعندما انتهى من بنائه فإذا به سد منيع لا يستطيع قوم يأجوج ومأجوج اختراقه واعتلاءه، وهم من ذلك اليوم يحاولون أن يفتحوا ثقبًا من هذا السد ولكن دون جدوى حتى يحين رب العالمين، وإلى الملتقى في الأسبوع المقبل إن شاء الله لنستكمل هذه العلامة الكبرى من علامات اقتراب القيامة، والله نسأل اللطف فيما جرت به الأمور.