علاقة تاريخية وحب متبادل يجمع بين أهالى قرية صفط تراب بمركز المحلة، وقبر الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن الحارث بن جزء بن عبد الله بن معد يكرب الزُبَيْدي “أبي الحارث”، نزيل مصر، الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث أخرجها له الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
السير تقول إن عبد الله بن الحارث الزبيدي جاء فاتحًا وقائدًا لفيلق من فيالق الجيش الإسلامي التي فتحت إمارة الوجه البحري الرومانية، ونشرت الإسلام في بقاع الوجه البحري، لكنه عشق “صفط تراب” وعاش ودفن بها وظل حب الناس فيها يتزايد له مد الدهر، وبات مدفنه والذي تحول إلى مسجد كبير يقصده القاصى والداني من بلاد المعمورة يستقبل وفودًا عربية وإسلامية وعالمية على مدار العام.
هو عبد الله بن الحارث صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى عليه وسلم ترجم له الكثير من علماء الحديث ونقلوا عنه مثل البخاري وابن سعد وأبو النعيم وابن الأثير.
وعن نسبه هو عبد الله بن الحارث بن جزء بن عبدالله بن معد يكرب الزبيدي وهو من بني مذجح، وهي قبيلة باليمن معروفة، وذات نسب عريض مع قبائل شبه الجزيرة العربية.
يقول عنه الطبري وابن الحكم فى “فتوح مصر”: إن “عبدالله” لم يكن اسمه الحقيقي بل كان يسمى سابقا بالعاص؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم تخير له الاسم، وذكر ابن الحكم في “فتوح مصر” عن عبد الله بن الحارث الزبيدي قال: “توفي رجل ممن قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عند القبر ما اسمك فقلت العاص، وقال للعاص بن العاص، ما اسمك فقال العاص، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: العاص أنتم عبد الله، قال: فوارينا صاحبنا ثم خرجنا من القبر، وقد بدلت أسماؤنا وكان من أصحاب الصفة، وهم عدد من أصحاب رسول الله زاهدي الدنيا فقراء إلى الله وروى أحاديث عديدة عن رسول الله ونقل عنه رواة الأحاديث، وامتاز بالفروسية والإقدام والشجاعة والورع والعلم والتقوى الشديدة والزهد بما في أيدي الناس.
حكاية قدومه إلى إمارة الوجه البحري
يقول أهالي قرية صفط تراب إن عبد الله بن الحارث أتى في فتح مصر بجيش عمرو بن العاص، وكان قائدًا في الجيش العمري تميز بالجسارة وبالإقدام وكان صاحب صولة وجولة فى المعارك، وحينما استقر الحكم الإسلامى بعد القضاء على الظلم الرومانى الذى كان ينشر الفساد فى أرض المحروسة، بدأ عبد الله بن الحارث ينشر الدعوة المستنيرة في بلاد مصر ووجهها البحري، وحينما وجده عمرو بن العاص على هذ النحو أقطعه عمرو بن العاص إحدى قرى المحلة وهي صفط تراب التابعة لمدينة المحلة، تلك القرية الضاربة بجذورها في التاريخ ما بين فرعوني وروماني وإسلامي، فبنى فيها مسكنه والذي تحول بعد وفاته سنة 86 من الهجرة إلى ضريح ومسجد كبير يقصده القاصي والداني.
ففى كتاب”سيرة ومسيرة” للقرضاوى ذكر صاحب القاموس أسماء سبع عشرة قرية بمصر اسمها سفط، وأضاف إليها الزبيدي شارحه في تاج العروس: أسماء ستة أخرى. وكان من السبع عشرة: سفط القدور قال الزبيدي: هي المعروفة بسفط عبد الله بالغربية، وبها توفي عبد الله بن جزء الزبيدي، وآخر من مات من الصحابة بمصر، وقبره ظاهر بها زرته مرارًا رضي الله عنه. اهـ. وذكر القاموس من (السفوط) (سفط أبي تراب) وقال شارحه: بالسمنودية. ولا يوجد بسمنود ولا ما حولها بهذا الاسم غير قريتنا، فهي قريبة من سمنود نسبيا، وإن كان الأولى نسبتها إلى المحلة الكبرى.
وفي اللغة العربية توجد كلمة (سفط) بالسين لا بالصاد، وبالفاء المفتوحة ومعناها: السلّة ونحوها مما يوضع فيه الطيب ويستطرد “القرضاوى” فى سيرته : كان عبد الله بن الحارث من شباب الصحابة الفاتحين الذين قدموا إلى مصر، مع القائد عمرو بن العاص فاتح مصر في عهد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتْحُ مصر بالإسلام وللإسلام: قصة يجب أن تعرف، فليس يتصور أن يفتح جيش من أربعة آلاف شخص، أمدوا بعد ذلك بأربعة آلاف مثلهم: أن يفتحوا بلدًا احتله الرومان واستعمروه لعدة قرون، لولا أن الشعب المصري نفسه، كان مرحبًا من أعماقه بالفاتحين الجدد، الذين نظر إليهم نظرة المنقذ من ظلم الرومان وبعد انتهاء الفتح والصدام مع جيش (المقوقس) حاكم مصر من قبل الامبراطورية الرومانية البيزنطية، ورحيل الرومان عن مصر وهدوء الأحوال، رجع من رجع من الصحابة الفاتحين مثل عمرو بن العاص، والزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت وغيرهم إلى جزيرة العرب، وبقي عدد آخرون من الصحابة وتلاميذهم في مصر، وتفرقوا في مدنها وقراه
علاقة “أبوريا” و”بن الحارث”
وحكى أهالي صفط تراب ومحبو الصحابي حكاية حب من نوع خاص بين العلامة الشيخ بيومي أبوريا، أحد علماء الأزهر الشريف بالغربية و”عبد الله بن الحارث”، فقد كان الشيخ أبوريا والذي عرف بتقواه وورعه وجهاده في سبيل الدعوة ونشر الفكر المستنير ومحاربة البدع بقرى ومدن الغربية يقيم حلقات الوعظ ويحارب البدع وينشر الفكر الوسطى للاسلام بين الناس في المسجد ثم يجاور مقام الصحابي الجليل ليقرأ القرآن لساعات طويلة حبًا وعشقًا لمجاورته صحابي رسول الله حتى وافته المنيه ليدفن بجواره في مقصورة خشبية ذات أعمده حمراء، وكأن جثة الشيخ أبوريا أبت أن تتحرك من مكانها حتى تدفن إلى جوار من أحبته وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم “الأرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”.
ويشعر أهالي صفط تراب بالفخر إزاء كونهم يحظون بوجود عبد الله بن الحارث الزبيدي بين ظهرانيهم “سيرة ورفاتا”، لكنه يتعجبون من أنه لم ينل حظه من الاحتفاء في ذكراه بين الناس، ربما لأن الكثيرين لم يعرف قيمته وعطاءه الإنساني الخالد.