ر
عندما تغرس بذرة في أرض و تربة صالحة، وتقوم بإسقائها بصورة منظمة و تهتم بها و تتابعها بإستمرار، فليس هناك من شك بأن هذه البذرة ستنمو تنمو حتى تصبح في نهاية المطاف شجرة وارفة الظلال و ذات ثمار تدخل الفرحة و البهجة على القلوب و النفوس، وهذا هو تماما ماجرى بالنسبة للتجمع السنوي العام للمقاومة الايرانية الذي يتم عقده في العاصمة الفرنسية باريس منذ عام 2004، وعندما نرى ماقد وصل إليه هذا التجمع و بلغه من مستوى خصوصا وإن کاتب هذه الاسطر کان شاهدا حيا على ذلك و واظب على حضورها عاما بعد عام، فإننا نستطيع القول بأن هذا التجمع لم يکن مجرد تجمع عادي لجماعة معارضة يقام من أجل تحقيق أهادف و غايات آنية أو مرحلية، بل هو تجمع لشعب يواجه أسوأ ديکتاتورية في التأريخ المعاصر.
عندما نصف النظام القائم في إيران بأنه أسوأ ديکتاتورية في التأريخ المعاصر، فإننا لانطلق وصفا إعتباطيا على هذا النظام خصوصا وقد تسنى لي شخصيا بأن أکون شاهد وعن قرب على مايجري في داخل إيران لقرابة 10 أعوام عجاف من عمري، إذ کل من أراد أو فکر في أن يبدي رأيا أو موقفا لايتفق مع التوجهات العامة للنظام، فإنه يعتبر تلقائيا عدوا لله و محاربا ضده، وهذا يعني بأن دمه مباح! وإن قانون”المحاربة”سيئ الصيت يٶکد مانتحدث عنه، هذا بالاضافة الى عقوبات قطع الايدي و الارجل و الرجم و فقأ الاعين وغيرها من العقوبات التي إندثرت مع إنتهاء القرون الوسطى، بل إننا نجد من الانصاف القول بأن مايجري في إيران هو أسوأ بکثير مما کان يجري في عصر الاستبداد الکنسي، خصوصا إذا ماأخذنا العامل الزمني بنظر الاعتبار، فإننا نجد إن الشعب الايراني يعيش يعيش في الالفية الثالثة بعد الميلاد ظروفا و أوضاعا قرووسطائية!
منذ عام 2004، بدأت المقاومة الايرانية مشوارها مع التجمع العام السنوي لها في حزيران أو تموز من کل عام، فقد إنفضحت و إنکشفت الکثير عن ماقام به هذا النظام بحق الشعب الايراني و بحق المعارضين ضده و بحق شعوب المنطقة و العالم، ويجب هنا أن نشير بأنه لولا هذه التجمعات و بالطريقة و الاسلوب الذي جرى، لما کان متيسرا معرفة الکثير من المعلومات الحساسة و بالغة الخطورة عن هذا النظام ويکفي أن نشير على سبيل المثال لا الحصر، إن الجنرال جورج شيلتون، قائد القوات الامريکية في العراق عام 2006، قد صرح بأن عملاء لإيران هم من قاموا بتفجير مرقدي الامامين العسکريين و الذي أدى الى فتنة کبيرة وقتها کان الهدف من ورائها إجبار الامريکيين على مغادرة العراق حتى يخلو لهم الجو في هذا البلد.
الجمهورية الاسلامية الايرانية التي کانت تتظاهر بأنها لاتهتم ولاتکترث بهذا التجمعات ولاتشير لها لامن قريب أو بعيد جريا على سياستها و نهجها بعدم إثارة عش الدبابير ضدها، لکن وعندما نجحت المقاومة الايرانية في عملية إستقطاب شخصيات و أحزاب و جماعات يمثلون دولا من خمسة قارات من العالموالشعار الاساسي الذي هو المحور الاساسي في هذه التجمعات هو الدعوة لتغيير النظام في إيران، فقد إضطرت وزارة الخارجية الايرانية الخروج عن صمتها و إصدار بيان ضد هذا التجمع و ضد الحکومة الفرنسية و حکومات بلدان شارك ممثلوها في التجمع وبالاخص الحضورين السعودي و المصري الصادمين لطهران، وقد جاء الموقف الرسمي هذا بعد أن صار حديث هذا التجمع عاما في الشارع الايراني(وهو أکثر شئ آلم و آذى طهران)، لکن مکمن و موضع الالم لم يکمن في هذه النقطة وانما في نجاح المقاومة الايرانية الکبير في إحضار أکثر من 110 ألف إيراني من أبناء الجالية الايرانية في سائر أرجاء العالم بل وحتى إن الکثيرين قد حضروا من داخل إيران لحضور هذا التجمع على الرغم من خطورة ذلك على حياتهم، والاخطر من ذلك هو وکما أسلفنا إهتمام و متابعة الشارع الايراني لهذا التجمع.
التجمع السنوي العام للمقاومة الايرانية من أجل التضامن مع الشعب الايراني و المقاومة الايرانية الذي سينعقد في ال30 من يونيو ـ حزيران القادم في باريس، نجح أخيرا في تحقيق هدفه الاکبر وهو جعله منبرا للشعب الايراني، خصوصا إننا يجب نأخذ بنظر الاعتبار کيفية نجاح منظمة مجاهدي خلق(أبرز فصيل في المقاومة الايرانية)، في الاضطلاع بدور قيادي لإنتفاضة 28 ديسمبر ـ کانون الاول 2017، وإن إنعقاد التجمع القادم في ظل ظروف و أحداث و تطورات داخلية إستثنائية من جراء تزايد الاحتجاجات الداخلية بصورة غير مسبوقة و الدولية و الاقليمية التي تتجه کلها بإتجاه رفض النظام و سياساته و الضغط عليه، سوف يکون تجمعا يتميز بخصوصية لم يحظى به أي تجمع سابق.