اختلطت الأوراق بشكل لم يألفه ولم يتمناه النظام الإيراني هذه المرة مع تشكل تحالف عربي أطلق عليه البعض “الصحوة العربية في وجه إيران”، وخوضه “عاصفة الحزم” التي دكت أوكار وكلاء نظام طهران في اليمن، يوازيها في ذلك تفهم دولي لموقف التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وتأييد مطلق من جانب أطراف عدة في الإقليم.
كما أن حرب الاستنزاف التي يعانيها نظام الملالي في سوريا قد طالت ولا مؤشرات في الأفق لنهاية قريبة لها تتوج صبر طهران خلال السنوات الماضية بعد أن اتخذت قرار الدعم المباشر عسكرياً ومالياً لنظام الأسد حتى النهاية، على الرغم من ثقل القرار سياسياً واقتصادياً على الدولة الإيرانية التي يعاني شعبها من عقوبات اقتصادية منذ سنين طويلة.
ويزيد اتفاق الإطار الأخيرة حول الملف النووي الإيراني حشر طهران في زاوية أخرى بعدما تم ربط الاتفاق بالبند السابع، أي أن استخدام القوة من جانب المجتمع الدولي وارد في حال تأكد تطويرها لسلاح نووي يكون مؤداه تهديد السلم العالمي.
وقد أدى توقيع اتفاق الإطار في “لوزان” السويسرية إلى إثارة الجدل في إيران على الرغم من سعي الحكومة الإيرانية إظهاره نصراً مؤزراً، إلا أن الانتقادات باتت تنهال حتى من جانب مسؤولين في النظام عينه، بعد أن أدركوا بشكل جلي بأن عيونهم التي كانت مسلطة على رفع العقوبات التي أنهكت البلاد لأكثر من 10 سنوات، قد عميت عن رؤية ضآلة المكاسب التي يمكن جنيها من هذا الاتفاق الذي أبقى طهران في دائرة الضوء، حتى أن الأنباء تضاربت حول آلية رفع العقوبات إن كانت بشكل مباشر عقب التوقيع على الاتفاق أم بشكل تدريجي.
ووصل الأمر إلى استياء رأس السلطة في طهران بعدما حذر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي في 9 نيسان/ ابريل بأن الاتفاق الإطار “لا يضمن لا الاتفاق بحد ذاته، ولا مضمونه، ولا حتى مواصلة المفاوضات حتى النهاية”، ليؤشر بذلك إلى حجم المأزق الذي يعيشه نظام الملالي، والضغوطات التي يئن تحتها لدرجة دفعت النظام إلى توقيع الاتفاق مرغماً.
وباتت طهران تدرك بأن “التضحيات” التي قدمتها بسبب الإصرار على إنجاز مشروعها النووي، والسعي للهيمنة على شعوب المنطقة، ومارست في سبيل ذلك سياسة العبث والتأليب المذهبي والتدخل المباشر في دول المنطقة على مدى سنين طويلة، أهدرت خلالها المليارات من ثروة البلاد، ربما بدأت تذهب أدراج الرياح.
حتى أن الحليف التقليدي في بغداد بدأ بشكل تدريجي يشق عصا الطاعة المفرطة لطهران، لا سيما عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لواشنطن، وأطلق تصريحات يبدي فيها شكواه من الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي العراقي، الأمر الذي يشكل حالة من الرعب لطهران فيما لو خسرت “حديقتها الخلفية” التي عملت على صناعتها منذ العام 2003، بعد إسقاط نظام صدام حسين.
هذا الانحسار الذي بدأت ترقبه طهران لسطوتها في المنطقة جعلها تفتش عن ساحات “تنفّس” من خلالها ضيق صدرها، وتصدر إليها أزمتها لصرف أنظار شعبها الذي بدأ تململه وغضبه من سياسات النظام تخرج عن السيطرة، حيث يظهر ذلك جلياً في الانتفاضات التي تشهدها أقاليم وشرائح مجتمعية في البلاد من حين لآخر، كما تظهره الأعداد الكبيرة للإعدامات للنشطاء السياسيين وأصحاب الرأي.
من أبرز هذه “التنفيسات” ما يقوم به نظام الملالي حاليا من تشويه ممنهج لصورة منظمة (مجاهدي خلق) المعارضة في الداخل والخارج، من خلال إطلاق الحملات الإعلامية، و”البروبجندا” السوداء التي اتخذت أشكالا عدة منها نشر إدعاءات بعلاقة مزعومة تجمع عناصر وقيادات المنظمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وأدواتهم في ذلك فبركة تصريحات لمسؤولين عراقيين ونواب في البرلمان يلمحون فيها إلى لقاءات تعقد بين (مجاهدي خلق) و(داعش).
إلا أن النواب العراقيين أعربوا عن رفضهم لمثل هذه الأساليب الرخيصة التي تتبعها وسائل إعلام مأجورة، وأخرى صنيعة المخابرات الإيرانية، تزج بأسمائهم في مضمار التحريض على المنظمة المعارضة التي تؤكد نبذها العنف كوسيلة للتغيير في إيران، وبناء مجتمع السلم والديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان.
محاولات نظام الملالي تشويه المعارضة الإيرانية تعبر بشكل واضح عن مأزق كبير تعيشه داخلياً وخارجياً، بعدما بدأت تلحظ بأن كيل الشعب الإيراني بدأ يطفح، فضلاً عن بداية انحسار نفوذها في المنطقة، وفشل سياساتها التسلطية.