وسط العواصف التي تجتاح المنطقة، وما قد ينتج عنها من إعادة تشكيل، أو رسم خرائط جيوسياسيّة جديدة، تلعب إيران دورًا محوريًا فيها، تغيب عن الأضواء قضايا مهمة، ومنها الدور النضالي للمقاومة الإيرانية وفي طليعتها منظمة “مجاهدي خلق”، في مُواجهة سياسة الإقصاء التي يمارسها نظام ولاية الفقيه، حيث يقوم بحملات قمع واعتقال وإعدام جماعيّة، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.
وحسب تقرير للأمم المتحدة، فإنه منذ تولي الرئيس حسن روحاني سلطاته “الذي يصنف بـ”المعتدل والإصلاحي” في 3 أغسطس – آب 2013، زادت أحكام الإعدام على 1400 حتى نهاية 2014، ومسلسل الإعدامات متواصل خلال العام 2015، وثمة سجل حافل من الانتهاكات الاجتماعية والسياسية والعرقية والمذهبية، وهذه قضايا غابت عن المفاوضات النووية، وهذا دليل آخر على ازدواجية المعايير، التي تتعامل بها واشنطن التي تقود المفاوضات، فهي هنا لا تهتم بالشعارات التي ترفعها عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بل يعنيها السلاح النووي وأمن إسرائيل، ولا يضيرها التعاون مع نظام بوليسي، إذا كان يخدم سياستها ومصالحها!.
“مجاهدي خلق ” تنظيم سياسي ديمقراطي علماني تحرري راشد، له تاريخ عريق في النضال ضد نظام الشاه، لكن ما أن سقط الشاه حتى استحوذ الملالي على السلطة، ومارسوا سياسة الإقصاء والتطهير، لكل القوى والمكونات السياسية الأخرى. والمنطق يقول إن “مجاهدي خلق” أقرب للسياسة و”القيم” الأمريكية من نظام ديني!. وأطرف ما صدر عن طهران مؤخرًا، اتهام “مجاهدي خلق ” بالتعاون مع داعش!.
لقد تعهّدت أمريكا والأمم المتحدة، بتوفير الحماية لسكان مخيم ليبرتي القريب من بغداد، وفق اتفاقية جنيف الرابعة، لكن واشنطن سلمت ملف حماية سكان المخيم “25 ألف لاجئ ومعارض إيراني ” إلى الحكومة العراقية عام 2009، وهي تعرف أن حكومة بغداد تربطها علاقات تبعية وثيقة مع إيران!، وتنفيذًا لإملاءات طهران، فرضت حكومة بغداد حصارًا غذائيًا وطبيًا قاسيًا، تسبب بوفاة ” 23″ شخصًا من سكان ليبرتي، بمشاركة وتحريض من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني، باعتبار العراق أصبح ساحة مفتوحة لهذا الحرس، حيث يظهر الجنرال قاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق القدس، يتجول ويقود الميليشيات الشيعية في العراق وكأنه صاحب البيت، إلى درجة أن رئيس الوزراء العراقي “العبادي”، يطالب إيران من واشنطن بما يشبه التوسل بأن تحترم سيادة العراق، وهو يعني بذلك التدخل العسكري، وأكثر مظاهره استفزازًا الدور الذي يقوم به سليماني!.
ويوم 14 أبريل- نيسان الجاري، قامت قوّات الأمن العراقية المكلفة بحماية “ليبرتي”، بتسهيل وصول عددٍ من عملاء المخابرات الإيرانيّة وفيلق القدس إلى المخيم وتعرفوا على أطرافه، تمهيدًا كما يبدو للقيام بعمليات تصفية لاحقة.
النظام الإيرانيّ أصبح لاعبًا إقليميًا أساسيًا في المنطقة، ويبدو ذلك جليًا في التدخل المباشر في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهو تدخل يندرج في إطار مشروع التوسع والهيمنة بغطاء طائفي، فنظام ولاية الفقيه يرى في العرب “حائطًا واطيًا” ورجلاً مريضًا يسهل الركوب عليه!، ولذلك فإن إيران لا تفكر في التدخّل بشؤون تركيا مثلاً، لأنها تدرك أن تركيا دولة قوية تمتلك إرادتها وقرارها المستقل، ولا تسمح لدولة أخرى بالعبث في شؤونها الداخليّة.
إيران تحاول استثمار الوضع العربي الراهن، لإعادة إنتاج إمبراطوريّتها الفارسية، بالتوسّع في المحيط العربي تحت غطاء ديني ؟، ولعل لسان حال نظام ولاية الفقيه يقول: ولمَ لا ؟، لقد خضع العرب للخلافة العثمانية مئات السنين!، ولماذا لا يقبلون بدولة “خلافة آل البيت”، وهناك خريطة تؤشر على هذه الأطماع التوسعيّة تضمّ “العراق والأردن وسوريا ولبنان ومصر واليمن” تظللها راية إيران، معلقة في مكتب خامنئي ومقرات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والأمن القومي “اطلاعات”، وقد كشف عن هذه الأطماع صراحة علي يونسي مستشار الرئيس روحاني، بقوله “إن إيران أصبحت إمبراطورية عاصمتها بغداد”!.
وطبقًا لنظرية “ولاية الفقيه” فإن تأثيراتها، تتجاوز الحدود الوطنية لإيران، و”الولي الفقيه” هو وريث الأئمة، ومرشد للثورة الإسلاميّة المتمثلة بالأئمة الاثني عشر وتجب طاعته، وهذا التفسير يعني نظريًا الولاية السياسية المباشرة على الشيعي في العراق ولبنان وأينما وجد، وطاعته مقدمة على طاعة النظام الذي يعيش في ظله، وفي موقع السيد علي خامنئي على الإنترنت ثمة إجابة له عن استفتاء يقول فيها” طبقًا للفقه الشيعي على كل المسلمين إطاعة الأوامر الولائية الشرعية، الصادرة من ولي أمر المسلمين والتسليم لأمره ونهيه، حتى على سائر الفقهاء العظام فكيف بمقلديهم ؟، ولا نرى الالتزام بولاية الفقيه قابلاً للفصل عن الالتزام بالإسلام وبولاية الأئمة المعصومين”!.
إيران تتدخّل بشكل سافر في محيطها العربيّ، وتصبّ الزيت على نار حروبهم الداخليّة، ويستطيع العرب حكومات وأحزابًا وقوى المجتمع المدني ووسائل إعلام وشخصيات، الردّ بتقديم دعم سياسيّ وإعلاميّ للمعارضة الإيرانية، التي تقارع نظامًا بوليسيًا توسعيًا ينشر فيروس الطائفيّة.