المدارس هى حقول نزرع فيها المستقبل ، فما نغرسه من بذور نحصده قوة بشرية وطاقات فكرية تحمل فى أعماقها ثمار لتنشرها بدورها فى العالم كله لا فى مصر وحدها ، يجب أن يتضمن التعليم الذى نريده تحقيق الديمقراطية بما تعنيه من حقوق ؛ حق التفكير ، حق الاعتقاد ، حق الاعتراض والاختلاف ، حق الترشح للمناصب السياسية ، حق التصويت ، وكذلك حق اختيار الانسان لنوع التعليم ، ديموقراطية لا تفرق فى الحقوق بين مواطنيها على أساس من اللون أو النوع أو الدين أو الثروة ، أى لابد من تاصيل العدالة الاجتماعية فى مجال التعليم بأن يكون عاما لجميع أبناء الشعب كالماء والهواء مجانا فى جميع مراحله بما فى ذلك التعليم الجامعى ، أى عاما فى اطار مدنى ، لذلك يلزم اخضاع المدارس الأجنبية والدولية والدينية للاشراف التام لوزارة التربية والتعليم وكذلك اخضاع الجامعات الازهرية والمعاهد الكنسية الى اشراف كامل من وزارة التعليم العالي ، ان ضمان العدالة فى مجتمع طبقى يستلزم التفكير فى ايقاف الجامعات الخاصة والتوسع فى المقابل فى الجامعات الحكومية والأهلية حفاظا على تكافؤ الفرص حتى لا يكون هناك من يتعلم بماله ، وبذلك نضمن تحقيق تعليم ديمقراطي عصرى وفرص تعليمية متكافئة لجميع المواطنين المصريين بغض النظر عن تنوعهم الطبقى او الدينى او البقعة التى يسكنوها على ارض مصر ، ولكن فى حقيقة الأمر تعانى الغالبية الساحقة من المواطنين اشد المعاناة من المنظومة التعليمية وما بها من مشاكل مثل ارتفاع كثافة الفصول وقلة اعداد المعلمين بالمقارنة باعداد التلاميذ مع ضعف رواتبهم ، واعتماد نظام التعليم على الحفظ والتلقين وعدم التفكير وقلة الإبداع الفردى والنقدى للطلاب ، وقد تختلف اشكال المدارس من حكومى عادى الى حكومى مميز الى حكومى دولى ثم خاص ويتحكم فى ذلك القدرة المالية للأسرة فى الحاق ابناءهم بالتعليم مع انسحاب الدولة من كفالة الحق فى التعليم عبر التوقف او الابطاء فى عملية بناء المدارس وترك الامر مفتوحا للقطاع الخاص الربحى يصول ويجول كيفما يشاء ، ومن اكبر مصادر المعاناه للطلاب كذلك الكتاب المدرسى بل لولى الامر والمعلم والوزارة نفسها ، فالوزارة تتكبد الملايين الطائلة لصناعة كتاب لا يهتم به احد الا شكليا رغم كل محاولات التحسين الا انه ظل الرأي السائد فيه انه سطحى ومخالف لنماذج الامتحانات ولا يعطى الفرصة للطالب للابداع والتفكير واقل تشويقا من الكتب الخارجية ولا يجنى الطالب من ذلك سوى أوجاع وآلام الظهر من ثقل حمله ، اما عن المعلم فهو يعانى الأمرين لضرورة البرهنه البيروقراطية على اعلاءه لهذا الكتاب فى الوقت الذى لا يمثل له اضافه حقيقية ، وفى النهاية ولى الامر يدفع مقابل هذه الكتب ثم يدفع مرة اخرى اثمان مضاعفه لبدائلها من كتب خارجية ، بالإضافة الى ان الكتب المدرسية تمتلئ باشكال الترويج لقيم سلبية ، منها على سبيل المثال تصوير الفلاح على هيئة رجل فقير كبير السن رث الملابس ملامحه مرهقة ، وعلى الجانب الآخر يصور الطبيب والمهندس شاب وسيم حسن الهندام ، وهذا التنميط مرفوض يغرس فى طفل الريف النقمة على الريف والرغبة فى هجر الارض ليعيش فى المدينة ويغرس فى طفل المدينة التعالى على سكان الريف ، وايضا تصوير المرأة دائما فى الكتاب المدرسى داخل المطبخ او تقوم بالكنس والتنظيف ، فهل المرأة ليس لها دور سوى ذلك … لقد نص الدستور المصرى على تخصيص 4% من الناتج القومى الاجمالى للتعليم قبل الجامعى ، ورغم ضآله النسبة بالمقارنة بالدول المتقدمة الا ان الحكومة لم تلتزم بها ، فلم يتجاوز ما يتم صرفه 2.3% من الناتج القومي الاجمالي مع وجود دعوات لالغاء المجانية واتخاذ إجراءات تمويلية كالقروض الميسرة للطلاب وكلها سياسات تصب فى خصخصة التعليم ، وهناك عبارة شهيرة تقول “اذا كنت تعتقد ان تكلفة التعليم باهظه فانظر الى تكلفة الجهل” ، فالجاهل يصدر الحديد خام اما المتعلم فيصدره منتج تام جرارات وادوات ومعدات وغيرها ، فلنقارن هنا بين ربح تصدير طن الحديد خام وارباح تصدير طن الحديد فى هيئة سيارات ومسامير جراحية وآلات … ان التعليم حق للمواطن وخدمة لا تهدف للربح المادى لكن تهدف لربح آخر لا يقدر بمال وهو تشكيل ايام المستقبل ويجب ان يكون مجانى فهو ممول من حصيلة الضرائب التى يدفعها المواطن الكادح … لذلك يجب ان ينال ابناء الوطن تعليما هادفا يمثل احتياجاتهم واحتياجات سوق العمل وينمى مواهبهم فى مدارس حكومية مثلما يحدث فى كل دول العالم حيث ابناء الرؤساء والوزراء والملوك تتم تنشئتهم فى المدارس العامة وسط ابناء الشعب ، ويجب ان يكون هناك رؤية ثم خطه للتنفيذ تتسم بتجاوز واضح للاساليب البيروقراطية والاستبدادية وتلتزم بمعايير العمل اللائق لجميع العاملين من اجر عادل وامان وظيفى وتامين اجتماعى وضمان المساواة ونبذ التمييز .