ردد الخامنئي عشرات المرات خلال تصريحات أدلى بها أمام عملائه في قوى الأمن الداخلي للنظام مفردات الأمن والانفلات الأمني والاقتدار. الأمر الذي يكشف النقاب قبل كل شيء عن مخاوفه العميقة إزاء الظروف الأمنية في المجتمع والخطر الذي يشعر به النظام من هذه الناحية.
وكان الخامنئي ينصح العملاء القمعيين في قوي الأمن الداخلي بشكل مستمر بأنه لا بد لكم أن تكونوا مقتدرين! وعليكم العمل في غاية الاقتدار! لأن السيادة تتمثل فيكم! وما يقصده الخامنئي هو أن يخشى المواطنون منكم وبالتالي من النظام؛ وذلك بالرغم من أنه كان يؤكد خلال هذه التصريحات على عدم الخلط بين الاقتدار و التعسف وإبداء المرونة والمروءة في بعض الأحيان.
وليس خافيا على أحد أن الجانب الأكبر من هذه التصريحات هو ينطوي على الدجل والشعوذة الخاصة بالملالي. ولكن الجانب الحقيقي للتصريحات يؤكد على أن الخامنئي ورموز النظام يعرفون أنهم يسيرون على حد السكين لأنه وفي الكثير من الأحيان لقد أفضى القمع الممارس بحق المواطنين إلى غليان السخط الشعبي واشتباكهم مع قوى الأمن الداخلي القمعية كما تخمضت عنه تحركات عصيانية في بعض الحالات.
إذا فإن ما يذعر منه الخامنئي هو الأجواء المحتقنة في المجتمع خوفا من ألا تكون هذه الاعتقالات وأعمال القمع والتكبيل بمثابة شرارة تشعل فتيل الحريق.
ومن جانب آخر تخالف وبشكل صريح تصريحات الخامنئي أمام قادة القوى القمعية للنظام، ما أدلى به روحاني من تصريحات قبل الخامنئي بيوم واحد. وكان من المعلوم تماما أنه شعر بالخوف عقب تصريحات روحاني فبدأ يرد عليه بصراحة. منها: بينما كان روحاني قد أكد لقوى الأمن الداخلي على أنكم لا تتحملون مسؤولية بشأن حفظ الإسلام وإنما واجبكم هو حفظ القانون، أو وصف الفقر والبطالة بالمنكر الأول وقال لهم لا تهتهموا بالمنكرات الفرعية أي سوء التحجب وظواهر الناس وشؤونهم الشخصية؛ فردّ الخامنئي على كلها تحت عنوان أن العدو يدفع شبابنا نحو المنكرات حيث قال: «ويعد حث الشباب على المنكرات انفلاتا أمنيا وعليكم أن تحولوا دون ذلك».
وفي سياق متصل وقبل أن يظهر الخامنئي في الساحة كانت الصحف التابعة لعصابته ردت على تصريحات روحاني. منها كتبت صحيفة جوان المحسوبة على ميليشيات الباسيج المعادية للشعب مقالا يحمل عنوان «ليست فروع الدين ساحة للتلاعب بها سياسيا» حيث كانت قد خاطبت روحاني وقالت: « وقد يأخذ إهمال القضية في المستقبل الغير بعيد بتلابيب المجتمع…» حيث «سيضيع الخيط والعصفور»!
والكلام موجه لروحاني ذاته ويحذره من أنه وبثغرة يخلقها في حاجز القمع والتكبيل بقوله لا ضير أن ظهرت شعرة للنساء، فإنه يمهد الطريق للانتفاضة. وكان موحدي كرماني خطيب الجمعة المؤقت للنظام في طهران قد أكد في إيلول/ سبتمبر 2014 بصلاة الجمعة أن سوء التحجب يعد قضية أمنية حيث و أن الغير ملتزمات بالحجاب يستهترن بقيم النظام!
لا شك في أن روحاني الذي كان سكرتير المجلس الأعلي لأمن النظام لمدة 16 عاما يطلق هذه التصريحات بعلم تام لأنه يعرف أن سائر الأدوات والأسلحة هي لا تعود تجدي نفعا وتلحق ضررا بالنظام. وبعبارة أخرى ها هي أزمة يواجهها النظام في مجال القمع والتكبيل حيث تتجلى في هذه التناقضات.
والحقيقة هي أن النظام وإن أراد أن يمارس القمع والتكبيل بحق المواطنين لهذه القضايا الفرعية قد يخلق شرارة تضره وإن أراد أن لا يقمع فإنه يفقد السيطرة ويتعرض لظروف خطيرة؛ وهذا هو الواقع المتأزم الذي يعيشه النظام.