إن عروض صلوات الجمعة للنظام الإيراني في هذا الأسبوع كانت صدى تصريحات الخامنئي ضد الملا روحاني. وعلى سبيل المثال كان الملا «إمامي كاشاني» ممثل الولي الفقيه في طهران قد كرر تصريحات الخامنئي ضد الملا روحاني قائلا: «إن المشكة تكون في البلاد، ويمكن حلها في داخل البلاد لا في لوزان ولا نيويورك ولا أثناء المفاوضات». وهذه هي جملة تفوه بها الخامنئي الأربعاء 29نيسان/إبريل أمام مجموعة كانت تدعى بــ «العمال». وجاءت الجملة ردا على تصريحات أدلى بها الملا روحاني قبل كلمة الخامنئي بيوم حين كرر ادعاءاته المثيرة للسخرية بشأن التضخم والانكماش والملف النووي وسبل معالجته بمثابة الخطوة الولى لحل المعضلات الأساسية مؤكدا على أنه «نظرا إلى الاتفاق النهائي الذي سنتوصل إليه في الأشهر القادمة فإن ظروف الإنتاج في إيران ستتحسن أكثر من هذا».
وفي اليوم نفسه 29نيسان/إبريل كان روحاني قد أكد قائلا «يقولون إن الحكومة الـ11 عيونها معقودة على الخارج بل إن الحكومة الـ11 عيونها معقودة أولا على السماء…».
وهذا السجال الدائر بين الخامنئي وروحاني قد بلغ ذروته منذ مطلع الأسبوع الماضي بينما تحول إلى صراع يومي بينهما. وفي غضون ذلك ظهر روحاني والخامنئي في الساحة مرتين حيث تداولت مشادات كلامية بينهما على شكل تلويحي واشارات. ولأول مرة خاطب روحاني في السبت 25نيسان/إبريل قادة قوى الأمن الداخلي وقال: «إن الشرطة لا تتحمل مسؤولية تطبيق الإسلام. لا ينبغي علينا أن ندخل في المأزق الفكري. إن الشرطة عليها أن تطبق القانون فقط». وفي اليوم التالي من هذه التصريحات ظهر الخامنئي في الساحة مخاطبا قادة قوى الأمن الداخلي وقال: «إن قوى الأمن الداخلي هي ممثلة للحكومة الإسلامية» إن عملكم هو «نصرة الإسلام ونصرة الدين». واستغل الخامنئي تقريرا رفعه قائد قوى الأمن الداخلي ليؤكد على ضرورة وجود «اتجاهات دينية وعقائدية» في «أجندات ومخططات» لقوى الأمن الداخلي. وعقب هذه التصريحات، بلغ السيل الزبى وتصاعدت هجمات عناصر زمرة الولي الفقيه ووسائل الإعلام التابعة له على روحاني بشكل غير مسبوق إلى أن أشار الملا «يزيدي» كونه رئيس مجلس الخبراء للنظام بوضوح إلى الملا روحاني وقال: «إذا لم تكف عن هذه المواقف المدمرة فإنك ستنهار في مستقبل قريب حيث يمارس الإسلام بحقك ما مارسه بحق الآخرين!» وامتدادا لهذا التلاسن والتشاحن الفئوي، كتب 121 عضوا في برلمان النظام الإيراني كتابا تحذيريا إلى الملا روحاني. كما وبلمحة من جانب الخامنئي ومن باب التحذير قد نبه 3ملالي كبار في حكومة ولاية الفقيه- الذين يدعون بـ«المراجع»- الملا روحاني في فترات متباعدة من الزمن.
وكان المواجهة الثانية بين الملا روحاني والخامنئي في الوقت الذي خاطب فيه الملا روحاني الأسبوع الماضي العمال معتبرا أن «حل الأزمة النووية» تعد «الخطوة الأولى لحل المعضلات الأسياسية» وقال: « إن الاتفاق النهائي الذي سنتوصل إليه في الأشهر القادمة سيجعل ظروف الإنتاج في إيران تتحسن أكثر من هذا». وردا على هذه التصريحات للملا روحاني وبعد مضي فترة قصيرة جدا، ظهر الخامنئي في الساحة لإلقاء الكلمة بمناسبة اليوم العالمي للعمال رافضا خلال تصريحاته الحل الاقتصادي في «لوزان وجنيف ونيويورك». واستأثرت تصريحات الخامنئي اهتماما بالغا لدى وسائل الإعلام وعناصر زمر النظام الإيراني وكما أشرنا إليه أن صلوات الجمعة للنظام الإيراني كانت آخر هذه الصراعات الدائرة بين الخامنئي وروحاني.
ولافت للنظر أن هذا السجال الدائر بين الطرفين كان في أعقاب اعترافات حكومة الملا روحاني ولاسيما وزير الداخلية لها بشأن مكافحة الفساد والأموال القذرة حيث استهزأ الخامنئي بهذه التصريحات وفي إشارة إلى «المسؤولين» قال: «إنكم لستم صحفا تتكلم عن الفساد… ما هي هذه الكلمات؟… علينا أن نتخذ إجراءا للحيلولة دون استشراء الفساد بكل معنى الكلمة!». وبهذا الشكل ألقى الخامنئي كرة مسألة الفساد إلى ملعب حكومة الملا روحاني.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو أن الصراع الدائر في رأس النظام الإيراني من خلال هذه المشادة الكلامية الجادة، إليم تشير؟
ومن خلال دراسة وإمعان النظر في الجولة الجديدة لصراع السلطة بين قادة النظام الإيراني، يمكننا أن نتوصل إلى نتائج مختلفة بشأن الوضع الراهن لنظام ولاية الفقيه الغارق في الوحل والتراب. والنقطة التي يجب أن نتوقف عندها هي قراءة موضوعية لتصعيد الصراعات في غضون الأسبوع الأخير بينما يمكننا أن ندرك من خلالها بأن الخامنئي لا يرغب في أن يفتقد زمام الحكم لامحالة وأن يقدم هيمنته لرفسنجاني في موازين القوى الداخلية. وعلى هذا السياق فإن تصريحات «كريمي قدوسي» وظهور سائر «المراجع الحكومية» في الساحة، كل ذلك يبين أن الخامنئي هو بصدد تصفية شركائه نظير رفسنجاني ليتخلص منهم في السلطة فور أن تسنح له فرصة. وعلاوة على ذلك فإن هناك عدة مؤشرات لدخول مثل هذا الإجراء حيز التنفيذ. لكن النظام الذي يعاني من مآزق مستعصية ومن ضربات استراتيجية خارجية من عيار الثقيل فلا سبيل أمامه سوى الهرولة نحو شرخ أساسي في داخله وهو ليس إلا إضعافه بشكل متصاعد.