فتح اتفاق سنجار، الذي أبرم مؤخرا بين الحكومة العراقية الاتحادية، وإقليم كردستان، لتطبيع أوضاع قضاء سنجار في محافظة نينوى، ملف وجود الحشد الشعبي في المناطق السنية، وسط مطالبات بإجراء اتفاق مماثل، في محافظات الأنبار وصلاح الدين.
وشكل الاتفاق الجديد صدمة للميليشيات المسلحة، التي كانت تسيطر على المدينة، وعبرت عن رفضها لبنود الاتفاق، بداعي أنه منح إقليم كردستان نفوذا في المدينة.
ونص الاتفاق، الموقع أخيرا، على إخراج المجموعات المسلحة، مثل الحشد الشعبي، وحزب العمال الكردستاني، وتسليم الملف الأمني إلى الشرطة المحلية، والأجهزة الاتحادية الأخرى حصرا.
دعوات لتطبيع الأوضاع في المحافظات السنية
وعلى إثر ذلك، برزت دعوات سياسية ومجتمعية، بضرورة تطبيع الأوضاع في المحافظات السنية، التي سيطر عليها داعش، 2014- 2018، واستعادتها القوات العراقية، لكن فصائل الحشد الشعبي، والميليشيات الأخرى، ما زالت تتغلغل في تلك المدن، وتفرض أجندتها، وهيمنتها على السكان المحليين، في محافظات الأنبار، كبرى المدن العراقية، وصلاح الدين، وغيرها.
ودعا النائب محمد الكربولي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى إنهاء سطوة ”الجماعات الدخيلة“ في المحافظات المحررة.
وقال الكربولي في تغريدة، وجّهها إلى الكاظمي: ”نقدر جهود الحكومة الرامية إلى إنهاء سطوة الجماعات الدخيلة على مدينة سنجار، كونها ستمهد لعودة أهالي المدينة وإعمارها“.
وأضاف أننا ”ندعو السيد رئيس مجلس الوزراء لإجراءٍ مماثل في بقية المحافظات المحررة، وإيجاد حلول عادلة لإنصاف الأبرياء الذين ظلموا في السجون“.
وتغذي مطالبات إخراج الحشد الشعبي، والفصائل المسلحة، الأخرى، ممارسات من بعض تلك الفصائل؛ مثل الاحتكاك بالقوات الرسمية والشرطة المحلية، وعدم الانصياع إلى أوامرهم، أو الدخول في سجالات مع السكان المحليين، وتنفيذ بعض عمليات الاعتقال والحجز التعسفي، ما يثير غضب أهالي تلك المناطق الذين يطالبون عبر سياسييهم في مجلس النواب بين الحين والآخر بإحلال قوات محلية مكان الحشد الشعبي.
نفوذ كبير للحشد
وقال الزعيم القبلي في محافظة صلاح الدين، عناد العبيدي إن ”فصائل الحشد الشعبي ما زالت تتمتع بنفوذ كبير في المحافظة، وتمتلك مقرات داخل الأحياء السكنية، وتفرض رؤيتها على أهالي المناطق التي يتواجدون فيها، فضلا عن مسألة وجود ابتزاز للمستثمرين وأصحاب المشاريع التجارية، وهو ما يجعل المدينة بيئة طاردة للاستثمار، حيث يشترطون دفع أموال إليهم كنسبة مستقطعة من الأرباح“.
وأضاف العبيدي، أنه ”بعد اتفاق سنجار، تواصلنا مع عدد من أعضاء مجلس النواب، بشأن طرح فكرة إخلاء المدينة من الجماعات المسلحة، وتنظيم أوضاعها، وتسليم ملفها الأمني بيد الشرطة والجيش، ولا بأس ببعض الفصائل التي أثبتت حرفيّتها ومهنيّتها في الحشد الشعبي، لكن أغلب تلك الجموعات مارست شتّى أنواع التعسف والظلم، وأمعنت في إرباك الوضع الإداري والأمني“.
وعلى رغم توقف العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، إلا أن فصائل مسلحة، مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء، وسرايا السلام، وكتائب سيد الشهداء، وغيرها عشرات الفصائل الصغيرة، ما زالت تنتشر في المحافظات الغربية، على رغم رفض الأهالي، فيما يقول محللون سياسيون إن هذا الوجود، يمثل أجندة لبعض دول الجوار، خاصة من قبل المجموعات التي لا تنتمي إلى هيئة الحشد الرسمية.
وقال محلل سياسي، من محافظة الأنبار، إن ”وجود تلك المجموعات، بدأ بالتضاؤل خلال الفترة الماضية، بسبب ملاحقتهم من قبل الولايات المتحدة، وتوجه حكومة الكاظمي، نحو إضعاف وكلاء إيران في المنطقة، لكن الأفضل لتلك المناطق، ولتعزيز الاستقرار فيها، هو منع دخول الفصائل المسلحة، وعقد اتفاق شامل بين المجتمع المحلي، لإحلال السلم، وإعادة النازحين“.
وأضاف المحلل أن ”كثيرا من تلك الفصائل تحولت إلى تكتلات اقتصادية، عبر السيطرة على المنافذ التجارية، والحدود، وعمليات التهريب، والتجارة غير الشرعية، وابتزاز رجال الأعمال، فضلا عن فتح مكاتب اقتصادية، تستخدم هذا النفوذ لمزيد من التوسع، ومنع الأعمال المنافسة، أو فرض إتاوات عليها“.
خطوة في المسار الصحيح
وما زالت العشرات من القرى والمناطق في محافظات الأنبار وصلاح الدين، وديالى، تخلو من سكانها النازحين، بسبب منعهم من العودة على يد تلك الفصائل.
وفي محافظة صلاح الدين، ما زالت قرى يثرب، والعوجة، وسليمان بيك، وأجزاء من طوزخورماتو، بانتظار عودة النازحين إليها، فضلا عن مدينة جرف الصخر، شمالي محافظة بابل، والتي يقطنها نحو 80 ألف نسمة، وأصبحت علامة فارقة على النزوح الداخلي، وعجز الحكومات المتعاقبة عن حل تلك القضية.
ويرى مراقبون للشأن العراقي أن خطوات حكومة الكاظمي، قد تصل إلى تسويات شاملة، لأوضاع تلك المدن، مع وجود الدعم الدولي، كالذي حظيَ به اتفاق سنجار، حيث رحبت الولايات المتحدة به، وبريطانيا، وفرنسا، وغيرها من الدول، التي رأت فيه، تطورا ملحوظا في مسار إعادة الاستقرار للعراق.