عندما وصل مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني في عام1979 من منفاه في باريس إلى طهران وانتصرت الثورة على الشاه محمد رضا بهلوي، عقد “المستضعفون” الآمال على جمهورية ولاية الفقيه، لكي تجلب لهم العدالة الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى الحريات والمساواة في بلد متعدد القوميات والمذاهب.
وفي الأيام الأولى، قال الخميني “أنا مجرد طالب علوم دينية”، مضيفاً “إني أفضل شعرة في رأس سكان الأكواخ على كافة أصحاب القصور”، وكان في كافة خطاباته يدافع عن “المستضعفين ضد المستكبرين”، ويعدهم بالمياه والكهرباء والمواصلات المجانية. وبهذا أدخل الخميني مصطلحي “المستضعف” و”المستكبر” في القاموس السياسي للغة الفارسية بإيران.
ولكن اليوم كلفة بناء مقبرته تفوق كافة مثيلاتها في العالم وبالمقابل يسقط المزيد من سكان إيران تحت خط الفقر نتيجة لصراع غير متكافئ مع أغنياء السلطة والبطالة والغلاء والتضخم، حيث بلغ عدد من يعيشون تحت هذا الخط، حسب موقع “ألف” التابع للنائب المتشدد “أحمد توكلي”، بلغ 15 مليون شخص، ولكن المصادر المستقلة تتحدث عن أرقام ضعف هذا الرقم في بلد سكانه 75 مليون نسمة.
مليارا دولار في أول سنتين
وذكر موقع دويتش فيلله الألماني أن تكلفة بناء الضريح والمراكز الدعائية والدينية التابعة للمقبرة في أول سنتين من وفاته (1989) بلغت ملياري دولار، إلا أنه لا توجد تقارير تكشف المبالغ التي خصصت لهذه المقبرة خلال 24 سنة الماضية.
وقامت مؤسسة “جهاد البناء” التي تأسست بعد الثورة للاهتمام بـ”المستضعفين” والحرس الثوري الإيراني الذي يعد أكبر مؤسس اقتصادية في إيران، بتحويل المقبرة إلى مركز للسياحة الدينية، يضم الأسواق التجارية وفنادق خمسة نجوم وصالات ومحلات تحيط بمقبرة عملاقة مزينة بمنارات مزخرفة وقبب مطلية بالذهب وجدران مكسوة بالفسيفساء الإيرانية، فهذه المجموعة يطلقون عليها “حرم إمام خميني” أو كما يحلو لبعض مؤيديه “إمام المستضعفين”.
وكانت صحيفة “اطلاعات” ذكرت في عام 1992: “أن المساحة المسقفة لمرقد ومصلى الإمام الخميني في مقبرة بهشت زهراء تبلغ 600 ألف متر مربع طولها كيلومتر واحد، وعرضها يزيد على نصف كيلومتر، وبهذا لا مثيل لها مقارنة بكافة الأبنية الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية، وحتى الأديان الأخرى.”
مقبرة مقاومة للزلزال
وبما أن محافظة طهران معرضة لزلازل مدمرة في أي لحظة، فقد أنشئت مقبرة الخميني لتقاوم هزة أرضية بقوة 10 درجات على مقياس ريختر، ويقول مهندس مشروع المقبرة بأنها أقوى من برج ميلاد الأعلى في طهران.
والهيكل الصلب الأساسي للقبة المطلية بالذهب وزنه 340 طن، وغطاؤه حوالي 50 طناً، وصممت أربع مآذن مطلية بالذهب، طول الواحدة منها 91 مترا لتحيط بالقبة ولرواق المقبرة خمسة أبواب رئيسية تؤدي إلى الباحتين الشرقية والغربية وتضم المجموعة متحفاً بمساحة 15 ألف متر مربع.
وهناك معرض باسم “شهر آفتاب”، أي مدينة الشمس من ضمن المجموعة بلغت تكلفته 800 مليار تومان إيراني، انتهى إنشاؤه في فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، ومن المقرر نقل معرض طهران الدولي إليه، وبما أن المجموعة تضم إلى جانب هذا مستشفى ومخفرا وفنادق وأسواقا ومحلات ومنشآت ثقافية وصالات، يبدو أن ثمة خطة لتحويلها إلى مدينة مذهبية على شاكلة المدن التاريخية الشيعية، مثل قم وكربلاء والنجف وغيرها.
ويقول الدكتور عطاء الله اميدوار الذي كان قد رافق الخميني في باريس: “خلال زيارتي لمتحف المجموعة كشفت أنها مكلفة جدا وأنفقوا عليها أموالا طائلة”.
وردا على بعض الانتقادات التي تقول إن الخميني كان يعيش حياة بسيطة، يقول محمد علي أنصاري مدير “لجنة تكريم آية الله خميني” إن المقبرة حالت دون الاستيلاء على الأراضي للبناء العشوائي وإيجاد محلات مكونة من الأكواخ، زاعما أنه مطلب شعبي.