أردوغان كان يستصغر الشرر طوال عام مضى على ما اتضح، ممن بدأوا يسمونه “أوباما الأكراد” بعد نتائج الانتخابات النيابية ليل أمس الأحد في تركيا، وهو صلاح الدين دميرطاش، زعيم “حزب الشعوب الديمقراطي” الذي فاجأ بحصوله على 12.87% من الأصوات، أعطته 79 مقعدا نيابيا، أي ما كان أردوغان يحتاجه ليحصل على ثلثي المقاعد النيابية لتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي يكون هو رئيسه، إلا أن شرارة دميرطاش التي لم يعرها اهتماما، لسعته وأيقظته من الحلم على كابوس.
دميرطاش ولد في ربيع 1973 بمنطقة “بالو” في محافظة “إلازغ” المعروفة عربيا زمن العثمانيين باسم “معمورة العزيز” في الشرق التركي بمنطقة الأناضول، وعاش مدة في عاصمتها التي تحمل الاسم الغريب نفسه، وهي العاصمة المتحدرة منها عائلات عربية شهيرة في سوريا ولبنان ومصر، منها عائلة الكوميدي السوري الراحل في 1993 بجلطة قلبية، نهاد قلعي، أو “بورزان” كما عرفناه في مسلسلات متنوعة، منها “غوار الطوشة” الشهيرة.
إلا أن دميطراش الذي أمضى معظم حياته فيما بعد بمدينة ديار بكر، والأب لابنتين من زوجته، واسمها باشاك، ليس كوميديا بل محام مارس المهنة بعد تخرجه بالحقوق من جامعة أنقرة، وهو يجيد الكردية والإنكليزية، ويفخر بأن سيرته الذاتية خالية مما يعيب، طبقا لمعلومات عنه، قرأت بعضها “العربية.نت” مترجما عن التركية، وأخرى في وسائل إعلام عالمية، فيها المهم عن حاضره وماضيه.
من أهم الصحف التي أشارت إلى خطورة دميرطاش على أردوغان، ولم ينتبه الرئيس التركي كما يبدو، هي “التايمز” البريطانية في تعليق مهم الأسبوع الماضي، وفيه وصفت الزعيم الكردي بأنه “وسيم وصاحب شخصية كاريزماتية عمره 42 عاما فقط” مضيفة أن حزبه “قد يصبح العامل الرئيسي بهزيمة لم يسبق لها مثيل للحكومة التي تتظاهر بالإسلامية” وأن نتائج الاستطلاعات أظهرت أن حكومة العدالة والتنمية قد تضطر إلى حكومة ائتلافية للمرة الأولى منذ وصلت إلى الحكم في 2002 حتى الآن”.
“هل قلمت ولو ظفر أحدهم قبل أن تقطع يده”
وخرج الأتراك الأكراد فرحين في مسيرات حتى في شوارع اسطنبول واستمرت حتى فجر اليوم الاثنين
ونجد في أرشيف استصغار أردوغان لمن سبب بخسارته غالبية كان يملكها طوال 13 سنة، أن دميرطاش كان يهاجم أردوغان بطريقة يجد معها صدى لدى الأكراد، وأحدثها هجوم شنه في 12 مايو الماضي على رئيس الوزراء التركي، أحمد داو أوغلو، لعدم اتخاذ حكومته أي إجراء بحق وزراء سابقين، متهمين بوقائع فساد ورشوة جرى التحقيق فيها بأواخر 2013 وكانت وما تزال حديث الأتراك للآن.
كان الهجوم، الذي أشار فيه إلى أردوغان، خلال مهرجان انتخابي أمام 20 ألف محتشد، وفيهم صرخ دميرطاش مناديا أوغلو: “زعمت أنك ستقطع أيدي أهل السرقة والفساد ولن تسمح لأحد بارتكاب هاتين الجريمتين، فهل قلمت ولو ظفر أحدهم قبل أن تقطع يده”؟ ومن تلك العبارات انطلق ليقول: “يخرج علينا شخص واحد ليقول عليكم أن تمنحونا كل الصلاحيات، ويحاول بالوقت نفسه تسويق ذلك وكأنه حملة ديمقراطية كبيرة” وكان يقصد أردوغان.
قبلها، في مارس الماضي، هاجم سعي أردوغان الى “عثمنة” تركيا، حين اتهم قيادة الدولة العثمانية بالعمالة لصالح ألمانيا خلال معركة جرت في مدينة “جنق قلعة” التركية، حيث شبّه العثمانيين بالدمية بيد الألمان، قائلا في رسالة نشرها لمناسبة مرور 100 عام على تلك المعركة، إن الحكومة العثمانية آنذاك “لعبت دوراً كبيراً بقتل الناس، وربطت مصيرها بمصير الإمبريالية الألمانية في الحرب العالمية الأولى، وساهمت بوقوع كارثة بشرية كبيرة” وفق تعبيره.
وشبه شاربه حتى بشارب هتلر، ولم يرد
من ترك برس لنتائج أهم 4 أحزاب، لشعار كل منها علاقة بالضوء، إلا حزب دميرطاش، فشعاره شجرة
وغازل دميرطاش، المعروف بأنه أول تركي من أصول كردية يترشح لرئاسة تركيا في الانتخابات التي فاز بها أردوغان، سكان الشرق والجنوب التركيين، مذكرا مما قرأت “العربية.نت” من أقواله: “بأن الميراث القيّم الذي تركته لنا شعوب الأناضول، من أتراك وأكراد وأرمن وغيرهم ممن حاربوا متكاتفين للدفاع عن هذه الأراضي قبل قرن، هو أن نستمر بالتكاتف والعيش بكرامة” كما قال.
وفي أغسطس الماضي، وصف دميرطاش رئيس مرشح “حزب العدالة والتنمية” بأنه نسخة عن هتلر، وخاطبه بحسب ما نقلت وكالة “جيهان” للأنباء: “بينما هناك أناس يتحدثون عن بناء مدن في القمر، أنت مشغول بتخويفنا بالأفكار الفاشية التي تعود إلى ما قبل مائة سنة” ثم تابع وقال: “كان شارب هتلر في 1940 أقصر قليلا من شارب أردوغان. هذا هو الفرق الوحيد بينهما”. إلا أن أردوغان ظل يستهين به.
وواصل دميرطاش هجوماته، وقال مرة إن تركيا “مهددة بحكم استبدادي من رجل واحد بعد الانتخابات الرئاسية في حالة فوز أردوغان” واختتم كلامه محذِّراً مؤيدي “حزب العدالة والتنمية” بضرورة “أن يدرك الإخوة المصوتون للحزب هذا الخطر ولا يخدعون أنفسهم. ربما يسعدكم الإدلاء بأصواتكم لصالح أردوغان، ولكنه سيكون سببا لتخويف وقمع جميع الناس من غيركم” على حد قوله.
لعبت الكرديات من الأتراك دورا مشهودا في الماكينة الانتخابية لحزب دميرطاش
ثم نال دميرطاش من رجب طيب أردوغان، بما يؤلمه أكثر، فقام مرات طوال الشهر الماضي، وأوائل يونيو الحالي، بالإشارة إلى “إسرافه غير القانوني وحياة الترف التي أحاطت به منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية” على حد ما ذكرت صحيفة “زمان” المؤيدة لدميرطاش، ومنها قوله: “إن قادة المسلمين، وعلى رأسهم الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعلمونا الثراء والعيش بإسراف وترف، فالرسول لم يترك ثروة بعد وفاته سوى أوامر الله تعالى ونمط معيشته في الحياة” وفق تعبيره.
كما فند مزاعم الرئيس التركي وأعضاء “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، بشأن سيرهم على منهاج النبي، وقال: “هل عاش الرسول الأكرم بقصر يضم 1500 غرفة”؟ ثم أشار إلى أن رئاسة هيئة الشؤون الدينية “باتت أسيرة ومولعة بالترف والإسراف” وأعطى مثلا عن سيارة رئيس الهيئة، محمد جورمز، ووصفها بفارهة، ثمنها مليون دولار، وقال: “كيف لك أن تشتري سيارة من أموال هذا الشعب”؟.
ولا نقرأ إلا ردا أردوغانيا واحدا، وجدته “العربية.نت” ونقلته وكالة “رويترز” عن مسعى أردوغان لكسب تأييد الأكراد المتدينين، حيث اتهم دميرطاش بأنه “يأكل لحم الخنزير” خلال تشكيكه قبل شهر بمدى التزام “حزب الشعوب الديمقراطي” بالدين، ووصف المنتمين إليه بأتباع “زرادشت” عبّاد النار، وقال: “أعتقد أن إخواني الأكراد الورعين سيعطونهم الرد المناسب في السابع من يونيو”. إلا أن رياح 7 يونيو هبت أمس على عكس ما اشتهت سفينته الانتخابية.