الإجراءات الأمنية المشددة التي أقرّتها السلطات التشادية، عقب استهداف مقراتها الأمنية، الأسبوع الماضي، بهجمات إرهابية، كان لها تبعات سلبية على المقيمين في البلاد بصفة غير شرعية، حيث وقع ترحيلهم ليكونوا بذلك من أوّل ضحايا عمليات مكافحة الإرهاب في البلاد.
وكانت السلطات التشادية قد أقرت عددا من الترتيبات الأمنية الوقائية على إثر استهداف مديرية الأمن المركزي ومدرسة للشرطة في العاصمة نجامينا، في هجوم نسب إلى “بوكو حرام”، وأسفر عن مقتل 34 شخصا وإصابة 105 آخرين.
أولى هذه الإجراءات تمثلت في قيام الأمن بعمليات تفتيش شبه يومية شملت بعض أحياء العاصمة نجامينا، على غرار حي مورسال وباريس-كونغو، بالدائرة السادسة من العاصمة، أمّنتها قوات مشتركة من الشرطة وعناصر من “الحرس البدوي التشادي”، وفقا لمصدر أمني تشادي.
المصدر ذاته أوضح سبب التركيز على هذين الحيين بالقول إنها أكثر الأحياء التي “تضمّ عددا من المهاجرين غير الشرعيين من النيجر ونيجيريا والكاميرون، لذلك ينبغي الضغط بهذه الطريقة للعثور على متهمين”.
وفي هذه الأثناء، قامت السلطات التشادية، الإثنين الماضي، بإيقاف أكثر من ألفي مهاجر غير شرعي، ينحدر أغلبهم من دول إفريقيا الغربية، وقد تم الاحتفاظ بهم في مخيم على مشارف نجامينا.
طاهر إيردا، المدير العام للشرطة التشادية، عقّب على هذه الإجراءات في حديث لوسائل الإعلام بالقول: “سنقوم بإيقاف جميع الأجانب ممن لا يمتلكون وثائق إقامة سواء بنجامينا أو في كامل التراب التشادي، في إطار التحقيق (مكافحة الإرهاب) الذي نجريه، ثم سيمثل هؤلاء أمام القضاء التشادي للقيام بما ينبغي القيام به، كما سيقع ترحيل الباقين إلى بلدانهم”.
وفي هذا الإطار، سجل حي باريس-كونغو، أمس الأربعاء، انتشار كثيفا لقوات الأمن، و”المكان مؤمن بالكامل”، بحسب قائد عمليات التفتيش بالمنطقة دجبرين محمد حميد، والذي أوضح في تصريح لوسائل الإعلام أنه “سيتم اقتياد التشاديين الذين لا يمتلكون وثائق رسمية إلى مخيم التجميع في المخرج الشمالي للعاصمة، فيما سيقع اقتياد الأجانب ممن لا يمتلكون وثائق إلى مخيم آخر”، دون توضيح مكان تجميع المهاجرين الأجانب.
شايبو آبا غوني شاب نيجيري مقيم بطريقة غير شرعية في نجامينا، وأوقفته الشرطة التشادية، الثلاثاء الماضي، فقد وقع نقل الرعايا القادمين من نيجيريا والنيجر عبر البر في شاحنات كبيرة إلى حدود بحيرة التشاد حيث وقع تجميعهم في مخيم، يقول : “سنبقى هنا في المخيم وستوفر لنا المنظمات العناية في انتظار أن نعود إلى بلداننا. لقد تركنا كل شيء في نجامينا، والشرطة لم تسمح لنا حتى بجلب أمتعنا، واقتيادنا إلى هنا شكّل معاناة بالنسبة لنا، فلقد تم تكديسنا في شاحنات كبيرة تحت شمس حارقة على مسافة 400 كيلومتر، ما أجبر البعض ممن كانوا صائمين على قطع صيامهم بفعل الحرارة والأتربة”.
وإن لم يصدرعن السلطات التشادية والمعارضة أي تعليق رسمي حول الموضوع، إلا أنّ ناغاريال وونغ غوتو موديست، الأمين العام لحزب “الإتحاد الوطني للديمقراطية والاشتراكية” المعارض، اعتبر في حديث له أن هذه الإجراءات “غير منطقية”، مضيفا: “لا ندري من أين جاء قرار طرد الأجانب، إن كان القرار صادرا عن الحكومة فهو مؤسف وغير منطقي، إذ لا يمكننا طرد أصدقائنا الذين يعيشون في هذا البلد منذ سنوات بهذا الشكل، الأمور بدأت تخرج عن سيطرة الحكومة”.
ومن جانبه، اعتبر الخبير السياسي والباحث في جامعة نجامينا، نغارلام تولدي، إن هذا القرار يمكن أن تترتب عنه “مشاكل دبلوماسية”، موضحا أنّ “الحكومة التشادية ليست على وعي بتداعيات ما يمكن أن يحدث، فعلى الرغم من أن إجراءات مكافحة الإرهاب داخل البلاد تعد أمرا محمودا، وتحظى بقبول جميع الفئات السياسية والمجتمع المدني التشادي، إلا أن عمليات طرد الأجانب غير الشرعيين، تجاوزت الحدود، ونحن نتجه رأسا نحو مشاكل سياسية”.
تاربي مورنودجي، مدير مركز العمل الاجتماعي في نجامينا، قال إنّ عمليات تجميع المهاجرين يكلّف الدولة غاليا، سواء “على مستوى عمليات النقل، أو تشييد أماكن الإيواء، إضافة إلى نفقات الغذاء وغيرها من متطلبات حياتهم، مع ما يمكن أن ينجم عن تجميعهم من خطر عدوى الأمراض وانتشار الأوبئة خصوصا مع اقتراب موسم الأمطار”.
ووفقا لمفوّض الدائرة الخامسة من العاصمة، محمد زين نيمير، فإنّ حوالي 3 إلى 4 آلاف أجنبي مقيمين بصورة غير شرعية في البلاد، سيتم تجميعهم في الحدود مع كل من نيجيريا والنيجر، في بحيرة تشاد، في انتظار ترحيلهم.