أعلنت موسكو الاثنين 29 حزيران /يونيو رغبتها في جمع دمشق والرياض في تحالف واسع ضد تنظيم الدولة الإسلامية يشمل أيضا تركيا والأردن.
رغبة عبر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائهما اليوم وزير الخارجية السوري وليد المعلم في موسكو.
وكشف الرئيس الروسي أن موسكو تتلقى خلال اتصالاتها مع دول المنطقة التي تربطها بها علاقات طيبة جدا، إشارات تدل على استعداد تلك الدول للإسهام بقسطها في مواجهة الشر الذي يمثله “داعش”. وأوضح أن ذلك “يتعلق بتركيا والأردن والسعودية”.
وأكد أن موسكو مستعدة لدعم دمشق إذا اتجهت الأخيرة إلى الدخول في حلف مع دول أخرى في المنطقة، بما فيها تركيا والأردن والسعودية، لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي. وأقر بأن تشكيل مثل هذا الحلف يعد مهمة صعبة التنفيذ، نظرا للخلافات والمشاكل التي شابت بالعلاقات بين الدول.
وقال مخاطبا المعلم: “لكن إذا اعتبرت القيادة السورية هذه الفكرة مفيدة وممكنة، فإننا سنبذل كل ما بوسعنا من أجل دعمكم. ونحن سنعتمد على علاقاتنا الطيبة مع جميع الدول في المنطقة لكي نحاول على الأقل تشكيل مثل هذا التحالف”.
وأعرب الرئيس الروسي عن قناعته بأن “محاربة الإرهاب والمظاهر الغاية في التطرف تتطلب توحيد جهود كافة دول المنطقة”.
ودعا الرئيس الروسي جميع الأصدقاء جميعا، “بمن فيهم الأصدقاء في سوريا، إلى بذل الجهود القصوى لإقامة حوار بناء مع جميع الدول المهتمة بمحاربة الإرهاب”.
وقال: “من البديهي أن خلافات وحالات سوء تفاهم ومشاكل تحمل طابعا آنيا، تظهر من وقت لآخر في العلاقات بين الجيران، لكن لا شك في ضرورة توحيد الجهود من أجل محاربة الشر الذي يهدد الجميع”.
من جانب آخر أكد بوتين أن “تطورات الأوضاع المعقدة في سوريا، مرتبطة بالدرجة الأولى بالعدوان الذي يشنه الإرهاب الدولي. لكننا واثقون من انتصار الشعب السوري في نهاية المطاف. أما سياستنا الرامية إلى دعم سوريا والقيادة السورية والشعب السوري، فستبقى دون تغيير”.
لافروف: على كافة دول المنطقة التخلي عن خلافاتها
بدوره أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن على كافة دول المنطقة التخلي عن خلافاتها والتركيز على مكافحة الخطر المشترك المتمثل في تنظيم “داعش”.
وقال لافروف في مؤتمر صحفي مشترك في موسكو مع نظيره السوري وليد المعلم الاثنين 29 يونيو/حزيران، “الرئيس بوتين قد دعا إلى ضرورة تخلي كافة دول المنطقة عن خلافاتها بشأن مختلف القضايا والتي كانت دائما موجودة وربما ستبقى، والتركيز على توجيه الجهود إلى مكافحة الخطر المشترك وهو الخطر الإرهابي”.
وأكد الوزير الروسي أن جهود سوريا فقط لمكافحة “داعش” وأعوانه ليست كافية، ولذلك تدعو موسكو “كافة دول المنطقة إلى تنسيق جهودها من أجل مكافحة هذا الخطر”.
وقال لافروف إن ذلك لا يعني إهمال مهمات أخرى وردت في بيان جنيف الصادر في 30 يونيو/حزيران عام 2012، وقبل كل شيء إقامة حوار سياسي من قبل السوريين أنفسهم بهدف التوصل إلى اتفاقات تعكس وفاقا مشتركا بين جميع الجماعات السورية.
وأكد وزير الخارجية الروسي أن مهمة المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وجيران سوريا، لا تتمثل في محاولة فرض شيء على السوريين بل تهيئة الظروف لحوار شامل بينهم.
وقال لافروف إن موسكو مستعدة لدراسة إمكانية عقد لقاء تشاوري ثالث في موسكو من أجل وضع قاعدة متينة لاستئناف المفاوضات بين السوريين، مشيرا إلى أنه بحث هذه المسألة مع نظيره السوري.
وأكد الوزير الروسي أن نتائج اجتماعي موسكو موثقة في مجموعة من المبادئ، مضيفا أن موسكو تريد مواصلة هذا العمل لمساعدة السوريين على تطوير الأفكار والمواقف الواردة في هذه المبادئ.
وأعرب لافروف عن ارتياح موسكو من الطابع الودي للمباحثات الحالية، مؤكدا مواصلة دعم سوريا شعبا وحكومة في حل المشاكل الاقتصادية الاجتماعية في ظل الأزمة الحالية والجهود الرامية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهات الخطر الإرهابي.
وقال وزير الخارجية الروسي أن زعيمي روسيا فلاديمير بوتين والولايات المتحدة باراك أوباما اتفقا على عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين لبحث الجهود المشتركة الرامية إلى مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وأوضح لافروف أنه سيعقد مباحثات مع نظيره الأمريكي في فيينا يوم الثلاثاء، مذكّرا بأن الرئيسين الروسي والأمريكي بحثا الأسبوع الماضي هاتفيا مكافحة الإرهاب وخاصة تنظيم “داعش”.
من جانبه أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أنه حصل على وعد من الرئيس بوتين بدعم سوريا سياسيا واقتصاديا وعسكريا، مضيفا إن الطريق الأسلم للتحضير لمؤتمر ناجح في جنيف يمر عبر موسكو.
ودعا المعلم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى المشاركة في لقاء موسكو الثالث.
وقال الوزير السوري إن “الرئيس بوتين أكد لي ضرورة إيجاد تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب”، مشيرا إلى أن تشكيل تحالف دولي من السعودية وتركيا والولايات المتحدة وقطر التي تآمرت على سوريا وموّلت الإرهاب سيتطلب معجزة حقيقية.
وتساءل: “هل يجب أن يسقط ضحايا في السعودية والكويت وفرنسا حتى يدرك المجتمع الدولي انتشار الإرهاب.. قلنا لمن يدعمون الإرهاب في سوريا إن الإرهاب سيرتد عليكم”.
وأكد وزير الخارجية السوري أنه يمكن إنجاح إقامة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب فقط في حال تخلي الدول التي تشجع الإرهاب عن دعمها للإرهابيين.
وفي وقت سابق قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مستهل اجتماعه مع الوزير السوري إنه لا ينبغي أن تكون هناك ذرائع للمماطلة في العملية السياسية في سوريا.
واعتبر وزير الخارجية الروسي إن زيارة نظيره السوري إلى روسيا تمثل فرصة جيدة لتبادل الآراء حول تطورات الأوضاع في سوريا وحولها وبحث وضع العلاقات الثنائية.
وشدد قائلا: “أما الشيء الأهم فهو مواصلة الالتزام بالاتفاقات التي تم التوصل إليها حول التسوية السياسية على أساس التوافق بين كافة الأطياف السورية”.
وأضاف: “نحن متضامنون مع نضال الشعب السوري، ونقدم لكم كافة أنواع الدعم من أجل تعزيز قدراتكم على مواجهة هذا الشر، وسنواصل تقديم هذا الدعم”.
المعلم: أمريكا لا تخفي دعمها للإرهابيين
أما وليد المعلم فشكر روسيا على الجهود التي تبذلها بحثا عن حلول سياسية للنزاع السوري.
وتابع أن دمشق تقدر عاليا مواقف روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين ووزير الخارجية لافروف، مشيدا بمساعي روسيا الرامية إلى دعم التوافق السوري والتوصل إلى وثيقة موحدة تمهد للتوسية السياسية للقضية السورية.
وانتقد وزير الخارجية السوري في هذا السياق سياسة واشنطن، مضيفا أن أمريكا لا تخفي دعمها للإرهابيين. وأعاد إلى الأذهان أن الأمريكيين أرسلوا مؤخرا إلى جنوب سوريا 2100 مقاتل مدجج بأحدث الأسلحة الأمريكية، معتبرا ذلك من مظاهر الكيل بميالين من جانب واشنطن لدى التعامل مع القضية السورية.
الحراك السياسي الدولي يرافقه حراك على الأرض في سوريا
هذا وتشهد الأوضاع الميدانية في سوريا منذ بداية العام الجاري تحولات مفصلية لصالح المعارضة المسلحة بعد سنتين كاملتين من هزائم منيت بها على كل الجبهات.
فبعد سيطرة جيش الفتح على محافظة أدلب، أطلقت المعارضة المسلحة في جنوبي البلاد معركة عاصفة الجنوب للسيطرة على مدينة درعا بعدما نجحت في السيطرة على اللواء 52 ومعبر نصيب الحدودي وبصرى الشام في سهل حوران، ناهيك عن حلب حيث استطاعت الجبهة الشامية وبعض الفصائل خرق خطوط دفاع الجيش السوري، فيما نجح “جيش عزة حلب” في السيطرة على دوار الليرمون الذي يعتبر من المناطق الاستراتيجية المهمة في المدينة والمدخل الرئيسي الشمالي للمدينة.
سمح هذا الواقع الجديد للمعارضة المسلحة بفتح معارك في جبهات كانت مقفلة، أو في حالة هدوء، كما حدث في الغوطة الشرقية مع استهداف اللواء 39 قبل أكثر من شهر، وكما حدث مؤخرا في ريف حماة الشمالي، حيث أطلقت عدة فصائل معركة “فتح من الله”، وكما يحدث في القلمون منذ نحو شهرين بعد تشكيل الفصائل المسلحة جيشا موحدا سمي جيش “فتح القلمون” في استنساخ لتجربة أدلب.
هذه التطورات دفعت طرفي الأزمة (المعارضة، الحكومة السورية) إلى تشديد خطابهما السياسي، فقد رفضت المعارضة المسلحة أي تسورية مع دمشق وأعلنت رفضها لمساعي دي ميستورا فيما تمسك الائتلاف بشروطه السياسية، أما هيئة التنسيق فقد خرجت في اجتماعها الثاني بالقاهرة بداية الشهر الجاري بمقررات أكثر تشددا مقارنة بنتائج اجتماع “القاهرة 1” المعروفة باسم النقاط العشر. من جانبها وضعت الحكومة السورية أربع لاءات لإنجاح أية تسوية سياسية: لا إعادة لتشكيل الأجهزة الأمنية، لا لأي تنازل من صلاحيات منصب الرئيس السوري، لا تعديل في الدستور الحالي، لا إعادة لهيكلية الجيش.
هذا التعنت السياسي نجم عن قناعة الطرفين بإمكانية الحسم العسكري، أو على الاقل بتحقيق نصر عسكري يمكن ترجمته سياسيا، لكن هذه القراءة تبدو بعيدة عن رؤية صناع القرار الدولي لا سيما واشنطن وموسكو، اللتين بدتا مقتنعتين في الآونة الأخيرة باستحالة الحسم العسكري، وانتقالهما إلى التوافق حول ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية مع ضرورة الحفاظ على بنية الدولة ومكتسباتها، ولعل اللقاءات التي جرت بين مسؤولي الدولتين في الفترة الأخيرة تعكس قلقهما من التطورات الأخيرة. فمن جهة رفضت الولايات المتحدة توسيع العمليات العسكرية للمعارضة المسلحة نحو دمشق والساحل، فيما تمارس روسيا ضغوطا على دمشق للمضي في العملية السياسية وإجراء تفاهمات إقليمية ليس لمواجهة داعش فقط الذي فشل التحالف الدولي في القضاء عليه، بل وهذا هو الأهم من أجل وضع قاعدة تفاهمات إقليمية تسمح باختراقات سياسية وتفاهمات عسكرية.
ولعل تصريح يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي بإمكانية إجراء حوار بين دمشق وبعض العواصم الإقليمية الفاعلة في الصراع السوري كالرياض، يعكس القلق الدولي عامة والروسي خاصة من تنامي ظاهرة داعش في سوريا والعراق وتأثيرها على عموم المنطقة. ومن هنا أمام المجتمع الدولي سيناريوهان لا ثالث لهما: ـ الإبقاء على الوضع الميداني الحالي دون تجاوزه نحو تغيرات من شأنها أن تبدل طبيعة المعادلة القائمة على الأرض، مع استمرار عمليات الاستنزاف لكلا الطرفين، لكن مخاطر هذا السيناريو تكمن في إمكانية تكريس حالة الانقسام الجغرافي على الأرض السورية بحيث تتحول كل منطقة إلى ما يشبه الإقليم المنعزل. ـ إجراء اختراق سياسي ينعكس مباشرة على أرض الواقع عسكريا ويعيد بناء اصطفافات جديدة في مواجهة الإرهاب استنادا إلى بيان جنيف مع مشاركة إقليمية فاعلة، لكن مخاطر هذا السيناريو تكمن في أنه يتطلب وقتا طويلا لإنجازه، يصعب خلال هذا الوقت التحكم بمجريات الواقع الميداني المتغير باستمرار