كانت الأم تنظر إلى ورقة رسم طفلها. واستغربت حين رأت أن طفلها صبغ الماء بلون رمادي وسألت طفلها قائلة: «أليس لون الماء أزرق؟ لماذا صبغته بلون رمادي؟» وأجابها طفلها: «أ لدينا ماء ضارب إلى لون غير رمادي؟ وكلما أفتح حنفية الماء في البيت كلما أرى أن الماء العكر يخرج بلون رمادي».
ولم تستطع الأم أن تجيب طفلها لأنه حتى الماء الضارب إلى اللون الرمادي كان يخرج من الحنفية ساعة واحدة على مدار اليوم فحسب.
إن نهب مصادر المياه من قبل عصابات حكومة الملالي منذ 30 سنة قد تسبب في أزمة شح وتلوث المياه الصالحة للشرب في أكثر من 500مدينة وآلاف القرى في البلاد. وعلى الرغم من أن نظام الملالي يسعى إلى إخماد صوت المواطنين العطاش من خلال القمع لكن إجراءاته لم تفد فائدة وإنما صب في جام الغضب الشعبي يوما بعد يوم ووصل الأمر إلى حد لايطاق. لذلك قرر المواطنون أن يصرخوا على هذا الاجحاف والظلم من خلال احتجاجاتهم. ويمكننا الإشارة إلى حركات احتجاجية تالية كنموذج لهذه الاحتجاجات:
أحرق عدد من أهالي «جغاخور» الملثمين الحاويات الموجودة في المنطقة احتجاجا على إنشاء نفق لنقل مياه «سبزكوه». (28أيار/مايو 2015)
تجمع عدد من عوائل «بارسيان» أمام دائرة المياه في هذا القضاء احتجاجا على ارتفاع أسعار المياه الصالحة للشرب وكذلك تلوث وانعدام المياه الصالحة للشرب في هذه المدينة. (9حزيران/يونيو 2015)
تجمع 400شخص من البختياريين لقضاء «اردل» في هذه المنطقة احتجاجا على تجفف القنوات الرئيسية للماء (4حزيران/يونيو 2015)
تجمع عدد من أهالي قضاء «آبيك» بمدينة قزوين أمام مبنى قائممقامية القضاء احتجاجا على انقطاع المياه في هذه المنطقة. (6حزيران/يونيو 2015)
تجمع عدد كبير من أهالي «عسلويه» أمام دائرة المياه والصرف الصحي لهذا القضاء احتجاجا على شح المياه. (7حزيران/يونيو 2015)
تجمع أهالي قضاء «نخل تقي» بمحافظة بوشهر أمام مبنى دائرة الماء والصرف الصحي لهذا القضاء احتجاجا على شح المياه. (7حزيران/يونيو 2015)
تجمع عدد من أهالي قرية «دب حردان» بمدينة أهواز أمام مبنى محافظة أهواز احتجاجا على قلة وفقدان المياه الصالحة للشرب. (14حزيران/يونيو 2015)
وكل هذه الأخبار تعتبر جزءا من احتجاجات المواطنين الذين يطالبون بأبسط ضرورة يحتاجها الإنسان للعيش وهو الماء الذي تحول إلى أزمة ألقت ظلالها على كل البلاد بحيث أن وسائل الإعلام التابعة للنظام الإيراني اضطرت إلى الاعتراف بشح المياه بصورة جادة. ونقلت وكالة أنباء فارس الحكومية عن مساعد وزير الطاقة للنظام الإيراني حين قال: «مع زيادة 10مدن أخرى، بلغ عدد المدن التي تعاني من شح المياه، 527مدينة. وجدير بالذكر أنه تدهورت معضلة شح المياه في مدن سنندج وبندرعباس وكرمان وإصفهان وشرقي طهران لكنه وعلاوة على معضلة شح المياه فإن المواطنين يعانون من نوعية منخفضة للمياه الصالحة للشرب» (وكالة أنباء فارس الحكومية- 13حزيران/يونيو 2015)
واضطر تلفزيون النظام الإيراني إلى بث جزء من آلام يعاني منها المواطنون. وصرخ مواطن من أهالي «باقرشهر» قائلا: «هذا الجهاز يظهر نسبة تي.دي.اس للماء. انظروا هذا الجهاز. إن الرقم الذي ينسجم مع المعايير هو الصفر لكن الجهاز يظهر رقما فوق 887». (27أيار/مايو 2015)
ويعاني أكثر من نصف مدن البلاد من معضلة شح المياه بينما تستهلك مناطق عدة مياها ملوثة حافلة بالوحل. وفي هذه الأثناء ارتفعت أسعار الماء بنسبة أكثر من 60بالمائة في غضون العام المنصرم لكنه وفي غاية الدجل ادعى «جيت جيان» وزير الطاقة النهاب في كابينة الملا حسن روحاني بأنهم يقدمون المياه للمواطنين مجانا حيث قال بكل وقاحة في تلفزيون النظام الإيراني: «أحد سبل حل معضلة المياه هو أنه يجب حظر تقديم المياه مجانا». (تلفزيون النظام الإيراني- 13حزيران/يونيو 2015)
وحقيقة أنه ما هو لون الماء الذي يشربه المواطنون المساكين في البلاد؟ وهل كان لون الذي صبغ به ذلك الطفل، صحيحا؟ الحقيقة هي أن سياسات نهابة ينتهجها نظام الملالي قد دمرت مصادر المياه في البلاد. وضغط النظام الإيراني على المواطنين من خلال مشاريع بناء السدود بشكل غير منتظم وغير علمي وتخويل مصادر المياه لقوات الحرس بحيث أن معضلة الماء الصالح للشرب قد أحاط بالمواطنين الذين لايرون المياه في حنفيات إلا بلون رمادي لكن الاحتجاجات الشعبية في الأيام الأخيرة تظهر أن النظام الإيراني لايمكنه إخماد صوت المواطنين العطاش وكذلك تطويق الأجواء المحتقنة في المجتمع.