لجأت بعض العوائل العراقية النازحة في الفترة الأخيرة إلى بيع أطفالها بسبب الفقر الشديد والجوع في وقت يعلن فيه المسؤولون في محافظة ديالى تحرير جميع المناطق من قبضة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلا أن عدم عودة عوائل تلك المناطق إلى ديارهم زادهم فقرا بسبب البطالة وضيق ذات اليد.
وقالت وصال العزاوي “44 عاما”متزوجة منذ 20 عاما و لم تنجب أطفالا “هناك عوائل من مهجري قضاء المقدادية أو ناحيتي جلولاء والسعدية لجأت إلى بيع أطفالها وقد اشتريت أحد الأطفال بسعر 500 دولار لاتخذه ولدا لي لكن دون تسجيله باسمي أو اسم زوجي”.
وأوضحت أن “سبب البيع ليس العوز المادي فقط بل رغبة من ذويهم بأن يجدوا عوائل ترعى أطفالهم في أجواء ملائمة بعد أن وصل بهم الحال إلى أعلى مستويات الفقر على خلفية تهجيرهم من مناطقهم “.
أما النازحة نورهان محي “20 عاما” وهي شقيقة أحد الأطفال الرضع الذين تم بيعهم فتقول بعد أن رفضت والدتها التحدث إن “والدتي باعت شقيقي الأصغر وهو رضيع لا يتجاوز 6 أشهر بسبب عدم امتلاكنا أثمان شراء الحليب، وأن أغلب الأطفال الذين يتم بيعهم رضع”.
وأوضحت “ظروفنا الصعبة والمريرة أجبرتنا على بيع شقيقي وهو أمر لا يحتمله العقل، فلا مكان ولا مال ولا غذاء لدينا فكان الأفضل بيعه إلى إحدى العوائل الميسورة الحال حتى وإن كان بمبلغ زهيد لضمان بقائه على قيد الحياة “.
فيما قال حكمت جنكيز/رب أسرة من أبناء قضاء الخالص مكونة من 11 فردا وليس لديه عمل/ وهو يسرد قصته والدموع تنهمر من عينيه بالقول ” لدي طفلة في الشهر السادس من عمرها، وأنني لا أريد التفريط بها لكني لا أمتلك المال لإطعامها، ولا استطيع توفير الحياة الآمنة لها ولذلك بحثت عن عائلة أخرى لبيعها بمبلغ 1000 دولار لتحصل على الرعاية الكاملة “.
وأكدت إيمان فوزي المقيمة بمخيمات اللاجئين في قضاء خانقين، رغبتها في بيع طفلها لأنها لا تريد أن تراه يموت أمامها، قائلة إن” ثلاثة أطفال توفوا قبل عدة أشهر بسبب الجوع والعطش وتفشي الأمراض في المخيم بسبب ارتفاع درجات الحرارة وليس لدينا وسائل”.
وأضافت أن ” المخيم الذي نعيش به لا يسع جميع أفراد العائلة، كذلك سوء الخدمات وضعف الحالة المادية كلها عوامل أجبرتنا على بيع أولادنا ، بالرغم من معزتهم ومحبتنا لهم إلا انه ما باليد حيلة “.
وكشف الناشط المدني محمد وهيب عن أن ” بعض النساء وخاصة المدمنات ينجبن أطفالا لبيعهم على الوسيط بهدف الحصول على مبالغ قليلة جداً بين 500 إلى 750 دولارا ً، رغم أنهن يعانين من الإرهاق والضعف الجسمي الحاد لأسباب كثيرة وهو ضعف الحالة المادية أو تعاطي المخدرات “.
الباحثة الاجتماعية رغد مكي قالت إن ” هناك جماعات تعمل كوسطاء في سوق بيع الأطفال في المحافظة خاصة بين فئات العوائل الفقيرة والعوائل النازحة أو المنحرفة أخلاقيا وتحثهم على إنجاب الأطفال، ويتفقون معهم على السعر مسبقاً الذي يتراوح بين 500 إلى 700 دولار ً، لكنهم يحصلون على مبالغ ضخمة من هذه التجارة “.
وأوضحت أن ” بيع الأطفال يتم في اتفاقيات سرية مسبقة قبيل عملية الإنجاب ويتم بيعها إلى عوائل غنية ومعظمهم من خارج المحافظة “.
وأشارت إلى أن ” تكلفة عملية الانجاب ومصاريف المستشفى والعلاج تصرف من قبل الوسيط والتي لا تتجاوز 1500 دولار طيلة فترة الحمل “.
ويقول أحد وسطاء بيع الأطفال الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أنه ” يجني أرباحا تتراوح بين 3000 الى 5000 دولار لكل طفل يتم بيعه “.
وأوضح الوسيط أن العملية التي يتم الاتفاق عليها مسبقا تكون مع العوائل التي هربت خوفا من المسلحين أو العمليات العسكرية وهي العوائل النازحة وكذلك من النساء اللائي يعانين من مشاكل عائلية كبيرة ويردن التخلص من الجنين كأن يكون منكرا من الأب أو وقوع الطلاق بين الزوجين قبل انجاب الاطفال .
من جانبه أكد عضو لجنة حقوق الانسان البرلمانية النائب حاجي كندور سمو أنه يتم استخدام نسبة كبيرة من الأطفال الذين يتم بيعهم، لعمالة الأطفال والعمل في مشاغل مختلفة، وهناك نسبة اخرى منهم يتم بيعها إلى العوائل التي لا تنجب، موضحا أن ” هناك قوانين تجرم بيع الاطفال لأي سبب من الاسباب وهناك قضايا في محاكم البلاد تعمل على مثل هذه القضايا “.
فيما أوضح ضابط الجريمة المنظمة المقدم حميد مجيد أنه بسبب قوانين إصدار شهادة الولادة وأوراق الهوية، انخفضت عملية بيع الأطفال للعوائل التي لا تنجب، بشكل كبير.
بدورها قالت هناء عبد الرحمن من الرعاية الاجتماعية إن ” ما يثير الاهتمام وجود إعلان عن بيع طفل قبل شهرين في المقدادية وهو ليس الأول من نوعه، بل انتشرت خلال السنوات الماضية ظاهرة بيع الأطفال بين بعض العوائل الفقيرة لدرجة أنه تم تشكيل لجان ومجموعات عمل لمعالجة هذه الظاهرة”.
أما الحقوقية هند عباس فتقول إن “بعض العوائل الفقيرة التي لم تتمكن من توفير لقمة العيش تعطي أو تبيع طفلها للعوائل التي تحاول الحصول على طفل من الآخرين، على أمل حصوله على حياة أفضل وهم يكسبون بعض المال”.
وأشارت إلى أن هناك مجموعات عاملة في مجال الإتجار بالأطفال تم الكشف عنها في احدى محاكم المحافظة وتم اعتراف اعضاء تلك العصابة ببيع 88 طفلا خلال أربع سنوات .