العاطفة الانسانية وحب الذات

أهمّ شيء في الحُبّ حُبّ الذات، وقبولها كما هي بعد معرفة علّاتها والتصالح معها ومحاولة تقويم المعوجّ منها. أن تحبّ ذاتك يعني أن تحبّ جسدك الذي لا تستطيع الهروب منه، انظر ما يمكنك أن تصلح فيه وافعل كل ما بوسعك لتحبّه أكثر، هذه ليست أنانية، بل خطوة أولى للوجود الحقيقي ككيان مستقل وإنسان صالح. أن تحب ذاتك يعني أن تحب روحك، أن تحاول الاقتراب منها ومعرفة بواطنها، ما يسعدها وما يشقيها، أن تحاول التقرب إلى نفسك ومناقشة كل فكرة تخطر على بالك دون إقصاء أيّة أفكار. أن تسامحها إن زلّت دون أن تقسو عليها. أنْ تحب ذاتك يعني أن تُطَوّر من أفكارك، أنْ تحرص على تعليم ذاتك، أنْ ترفض الوقوف عند نقطة واحدة لا تتقدم، لأنّك إن لم تتقدم فإنّك بالضرورة تتأخّر. إذا كانت علاقتك بذاتك جيدة ستحاول الوصول معها، لن تتكئ على الآخرين كثيرًا، لن تلجأ للآخرين إلا عند الضرورة، ستدرك جيّدًا من هم أحقّ بالسؤال لأنّك ستكتشف أولئك الآخرين الذين هم في علاقات جيدة مع ذواتهم؛ أولئك الذين لا يحاولون فرض سيطرتهم، لأنّهم مطمئنون نفسيًا، فهم لا يسعون للاطمئنان بإخضاع الآخرين.وحدهم الضعفاء وفاقدي الثقة في أنفسهم يحتاجون للآخرين في كلّ خطوة، يتكئون عليهم أو يتكبرون عليهم أو يخدعونهم، كلّ هذه الآفات النفسية أساسها علاقة مهترئة أو منعدمة مع الذات. – وفي هذا الصدد أشير إلى أننا العرب رغم كلّ المشاكل العائلية وقلّة الحريّة واحترام الاختلاف فيما بيننا إلا أنّنا شعب عاطفي، أي معتمد على العاطفة ليعيش، وعلى الابتزاز العاطفي ليحصل على ما يريد، بدءًا من الطفل حين يعرف قيمته عند أهله، فيبدأ بابتزازهم عاطفيًا لينفّذوا له طلباته، تارة بالبكاء وتارة بالصياح وتارة بادّعاء المرض، مرورًا بالزوجين والاستغلال العاطفي المتبادل لإخضاع الآخر، انتهاءً بالشحاذين الذين يستعطفون المارّة بالكذب وادّعاء الإعاقات والحوادث.
ومن يتحدث بالمنطق فإنه يُهاجم، تارة بأنه بلا دين، بلا قلب، أو بلا حياء، والحقيقة أنّهم يرفضون – في لا وعيهم – رفضه للخضوع للابتزاز وإصراره على إقحام العقل، لأنّ هذا معناه فضح الكثير من الاستغلال، لأنّ هذا معناه أن ينكشف للطفل أنّه لا وسيلة للحصول على ما يريد إلا بتنفيذ تعاليم الكبار فعلا، وأنّ على الزوجة أن تكفّ عن الادّعاء، وأنّ على الزوج أن يكفّ عن الكذب الناعم والحيل الرخيصة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *